"حاسِب" باللهجة المصرية الجميلة تعني انتبه، ومعناها في اللغة العربية هو القيام بالأعمال الحسابية وإحصائها.
في مصر تستخدم هذه الكلمة في حالة الرغبة لتنبيه الأشخاص من الوقوع في خطر أو لتوجيه النصح والإرشاد وتوخي الحذر من ارتكاب أي عمل قد يؤدي إلى الوقوع في مشكلة. وهنا نرى جماليات اللهجة المصرية وعمقها في استخدام كلمة "حاسب" أي اعمل حساباتك لتربح دائماً وتتجنب الخسارة والندم والحسرة.
واسمحوا لي في هذه المقالة أن أستخدم "حاسب" لتوجيه بعض الرسائل التي تهمنا جميعاً ونحن نشهد تطوراً متسارعاً في مجالات التكنولوجيا والاتصالات والتواصل الاجتماعي. ولعل البعض يظن أن مجرد امتلاكه واستخدامه لهذه التقنيات قد يجعله مواكباً للعصر. فالمشكلة لا تكمن في ظهور التقنيات الحديثة ووصولها إلينا بحد ذاته، لأن التقدم والتطوير المستمر هدف استراتيجي لأي أمة تريد أن تحجز مكانها بين مصاف الدول المتقدمة التي تستهدف الاستثمار في العنصر البشري ورفاهيته، ولكن أظن أن المشكلة تكمن في طريقة تفاعلنا وتعاطينا مع متغيرات العصر السريعة التي قد تسببها هذه التقنيات على مجتمعاتنا العربية المحافظة، التي تتميز بمبادئها وقيمها الإسلامية والأخلاقية والوطنية.
نحن في دولة الإمارات نشهد ولله الحمد انفتاحاً كبيراً على العالم بمختلف ثقافاته وانتماءاته، وهذا بفضل رؤية قيادتنا الحكيمة في جعل دولة الإمارات العربية المتحدة وطناً للتسامح والعيش المشترك بأمن وأمان. ولقد أولت قيادتنا الرشيدة تحت ظل قائدنا صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان – حفظه الله – الاهتمام الكبير بمواكبة العصر عبر الاستثمار في تكنولوجيا الاتصالات، حيث تعد الإمارات من أولى الدول التي أدخلت شبكة الجيل الخامس 5G)) لزيادة سرعة الإنترنت وزيادة سعة تخزين البيانات، وبالتالي استخدام هذه الشبكة لتسريع التواصل بين الناس بدقة وجودة عاليتين. وتعد هذه الشبكة بوابة لاستخدامات أخرى مثل إنترنت الأشياء والذكاء الاصطناعي والواقع الافتراضي.
ومؤخراً، بدأت شركة فيسبوك في تطوير تقنية "الميتافيرس" التي ستحدث ثورة في استخدامات الإنترنت والتواصل ثلاثي الأبعاد عن طريق استخدام نظارات ومجسات معينة تدخل المستخدم في الشعور بالواقع المعزز Augmented Reality)). ومن المتوقع أن تغير تقنية الميتافيرس من شكل العالم في المجالات الاجتماعية والاقتصادية.
كل هذا التقدم المتسارع، يضع على عاتقنا نحن المسؤولين عن تربية أجيال المستقبل – ويحملنا - المسؤولية الأولى نحو توجيه وتعليم أبنائنا وبناتنا ضرورة الانتباه إلى فوائد و"مخاطر" هذا الانفتاح الكبير على الثقافات الأخرى، وإلى المخاطر المحدقة بهم في حالة الاستخدام السيئ لهذه التقنيات المتقدمة التي تعد سلاحاً ذا حدين. وكلنا نعلم أن الاستخدام الأمثل والإيجابي لهذه التقنيات سيعود بالنفع على الأفراد والشركات، وبالتالي على وطننا الغالي. وعلى الجانب الآخر، فإن التفاعل السلبي مع ما نعيشه من تطور وازدهار وانفتاح في دولة الإمارات قد يتسبب لأجيال المستقبل والأسر في عواقب لا تحمد عقباها.
وعليه:
"حاسب" من إعطاء طفلك في سن مبكرة هاتفاً محمولاً دون استخدام برامج الحماية الضرورية والمتابعة المستمرة لاستخداماته اليومية للبرامج والتطبيقات، خصوصاً المتعلقة بالتواصل الاجتماعي.
"حاسب" من تزويد أبنائك وبناتك بالكمبيوتر اللوحي والـ"آي باد" قبل أن تتأكد من تعليمهم طريقة الاستخدام الأمثل لتصفح الإنترنت والبرامج بشكل صحيح مع الرقابة المستمرة ورفع مستوى الوعي لديهم. وأوصي هنا بتسجيل الأبناء في دورة تعليمية في أحد المعاهد المعتمدة.
"حاسب" على أبنائك من تجار الوهم ومن عمليات النصب والاستغلال التي قد يتعرضون لها عبر مواقع التواصل الاجتماعي من قبل ثلة قليلة قد باعوا ضمائرهم للشيطان عبر ترويج المخدرات والمذهبات العقلية وتسهيل طرق الحصول عليها، مستغلين عدم خبرة النشء بهذه المواد المدمرة. ولخطورة هذا الموضوع، أنصح بالمتابعة المستمرة وملاحظة سلوك الأبناء وتصرفاتهم مع الحد من التسويف في إعطاء المصروف والبطاقات البنكية للأبناء دون مراقبة.
"حاسب" من الوقوع دون قصد في التقليل من الثقافات الأخرى للجاليات الموجودة في بلدنا الطيب أو التنمر عليهم، فهم شركاؤنا في بناء وطن التسامح ولهم علينا حق الاحترام والتقدير ومقابلة الإحسان بالإحسان. كن قدوة لأبنائك في زرع ثقافة تقبل الآخر والاستفادة من علمهم وخبراتهم وعملهم. ولقد رأيت بنفسي التعامل الراقي من قبل كثير من مواطني الدولة مع العمال البسطاء من عاملي النظافة والفنيين في ورش صيانة السيارات وغير ذلك الكثير من المواقف المشرفة.
وختاماً، أقول لكل مواطن ومقيم وزائر لدولة الإمارات العربية المتحدة: "حاسب" فأنت في دار زايد – طيب الله ثراه –الذي كرّس حياته في بناء الإنسان الإماراتي وإرساء القيم والمبادئ السامية لضمان العيش الكريم للجميع، إضافة إلى الاهتمام بالتعليم والتطوير المستمر في شتى مناحي الحياة. وما زال هذا النهج نبراساً لنا في دولتنا المعطاءة تحت ظل قيادتنا الرشيدة. فكن سفيراً للثقافة الإماراتية الأصيلة.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة