باراك أوباما أراد نهاية سعيدة لفترتيه الرئاسيتين لذلك أنجز الاتفاق رغم وجود ثغرات وتحفظات أمريكية وأوروبية.
رسمت إيران مستقبلها القريب على نتائج ملفها النووي ونجاحها في إقناع مجموعة الخمسة زائد واحد بسلمية هذا الملف ومشروعيته، وبالفعل تم التوقيع على الاتفاق برضا إدارة الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما، الذي يعتبره البعض محامي هذا الاتفاق، فبينما كانت فرنسا متشددة حيال نقاط التلاقي بين الجانبين كان وزير الخارجية الأمريكي حينذاك جون كيري يجد المبررات لإيران من أجل نجاح الاتفاق والسرعة في إبرامه.
الموقف الفرنسي اختلف هذه المرة.. فالرئيس الشاب إيمانول ماكرون عمل جاهداً لإقناع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بالعدول عن قرار الانسحاب من هذا الاتفاق، وزاره قبل نحو أسبوعين ولكن دون جدوى، فقد جاءت لحظة إعلان الانسحاب الأمريكي التي سيُبنى عليها الكثير في العالم ومنطقة الشرق الأوسط على وجه التحديد.
ما الذي تغير من أوباما إلى ترامب؟
في الواقع لا يمكن الجزم فيما إذا كانت إدارة الرئيس ترامب قادرة على إنجاز ما هو أفضل لها فيما يخص الملف النووي الإيراني، أو الحصول على نقاط مهمة بقدر ما هي مقتنعة أنّ ثمة نقمة في أروقة القرار الأمريكي تجاه موافقة واشنطن وقبولها بما تم التوصل إليها بين الدول الست الكبرى وإيران، لذلك يعمل الرفيق الجديد الذي يتوسطه ترامب ويقود جناحه الأيمن جون بولتون مستشار الأمن القومي والميسرة تحت إشراف وزير الخارجية مايك بومبيو، والثلاثة لا يحتاجون إلى الكثير من الشرح حول موقفهم من إيران وتصرفاتها في المنطقة، واللافت أن كلام الرئيس ترامب جاء على نقطة مهمة جداً وهي الشعار الذي بقي المسؤولون الإيرانيون يصدحون به سنوات طويلة "الموت لأمريكا"، وهذا ما عبّر عنه ترامب القول إنّ مَنْ يريد الموت للولايات المتحدة لا يمكن السماح له باقتناء السلاح النووي.
وضع سياسي واقتصادي جديد سيكون عنواناً للمرحلة المقبلة ما بين إيران ودول العالم، ولن يكون لطهران سبيل للخلاص من العزلة الدولية الجديدة سوى إرضاء الولايات المتحدة، القادرة من الناحية النظرية قلب الطاولة على أي اتفاقيات ثنائية مع الحكومة الإيرانية
ترامب في بداية عهده فاجأ الكثيرين الذين كانوا يتوقعون عدم الانسحاب، وما تصريحاته سوى مجرد "التلويح بالعصا"، ولكن الرجل يريد قيادة حقبة جديدة في التعامل مع إيران، بينما باراك أوباما أراد نهاية سعيدة لفترتيه الرئاسيتين لذلك أنجز الاتفاق رغم وجود ثغرات وتحفظات أمريكية وأوروبية ليحصد نقاطاً في مسيرته الرئاسية، وليقال إن الاتفاقيات الكبرى أنجزت في عهده.
ماذا عن إيران؟
في الواقع لن يكون محمد جواد ظريف وزير الخارجية الإيراني مهندس الاتفاق السابق صاحب دور كبير في المتغيرات الجديدة، بل هم وزراء خارجية الدول الأوروبية المتضررة من قرار ترامب، خاصة أن الكثير من هذه الدول أدخل في ميزانيتها لسنوات مقبلة عائدات الاستثمار في إيران عقب الحصول على ضمانات بذلك من طهران، لذلك قال الرئيس الإيراني حسن روحاني إنّ بلاده ستبقى ملتزمة ببنود الاتفاق مع الدول الملتزمة به، في إشارة إلى الأوروبيين الذين تركت إيران لهم الباب مشرعاً ليمارسوا دور الوسيط والضاغط على واشنطن.
لن ندخل في تفاصيل الاعتراض الأمريكي على الاتفاق، فقط نستعرض بثلاث نقاط انعكاس الخطوة الأمريكية على الأطراف المشاركة بالاتفاق والمتضررة منه كذلك.
النقطة الأولى تكمن في أن إيران طوال فترة تفاوضها كانت تصرّ على عدم مناقشة أي ملف إلى جانب موضوعها النووي، وهذا ما شكّل لها نقطة قوة استخدمتها غير مرة لتحصيل أكبر قدر من الفائدة، وليس من المبالغ القول إن الاتفاق النووي الإيراني أُنجز لا لحنكة الدبلوماسية الإيرانية بقدر الاستفادة من تدخل طهران في سوريا واليمن والعراق ولبنان، والانسحاب الأمريكي من شأنه فرض وجهة نظر واشنطن لصالح مناقشة جميع الملفات التي تلعب فيها إيران دوراً رئيساً، ووضع حد لتصرفاتها في المنطقة العربية، ووقف توسعها، والجلوس على الطاولة لمناقشة كل ذلك.
النقطة الثانية تكمن في عدم قدرة دول الاتحاد الأوروبي اتخاذ موقف مستقل بمعزل عن الولايات المتحدة لجملة من الأسباب؛ أبرزها أنّ الطرف المعني وهو إيران يبحث عن واشنطن أكثر من باقي الأطراف التي لا يمكن لها ملء الفراغ الأمريكي، وإن جاء موقفها متناغماً مع طهران والتزامها رسميا بالاتفاق كما أعلنت فيدريكا موجريني مفوضة السياسية الخارجية الأوروبية.
النقطة الثالثة نذهب بها إلى الداخل الإيراني الذي أثبتت الوقائع على الأرض أن ثمة شرخاً كبيراً بين الشعب الإيراني وقيادته لناحية بحث الإيرانيين عن الاستقرار والوصول بالبلد إلى وضع اقتصادي جيد وتخليص الناس من الأعباء المترتبة عليهم جراء تدخلات إيران، وصرفها الكثير من الأموال خارج إطار الدولة وعدم استفادة الشعب الإيراني من عائدات نفط بلاده.. والمظاهرات الأخيرة دليل قطعي على ذلك.
بالنتيجة، وضع سياسي واقتصادي جديد سيكون عنواناً للمرحلة المقبلة ما بين إيران ودول العالم، ولن يكون لطهران سبيل للخلاص من العزلة الدولية الجديدة سوى إرضاء الولايات المتحدة القادرة من الناحية النظرية على قلب الطاولة على أي اتفاقيات ثنائية مع الحكومة الإيرانية، لما تملك من نفوذ كبير في العالم، ولعل خطوة ترامب الأخيرة نموذجا بسيطا لهيمنة القرار الأمريكي وقوة تأثيره، وهذا ما يخيف كبرى الشركات الباحثة عن جدوى اقتصادية من الانفتاح على إيران، وستحسب ألف حساب لأي خطوة تزعج واشنطن.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة