لم يكن مستغربا هذا الحجم الهائل من التضامن الدولي، الذي رأيناه خلال الأيام الماضية مع دولة الإمارات إثر وفاة رئيسها الراحل الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، طيّب الله ثراه.
فقدر الإمارات الدولة والتاريخ والحاضر أن تبقى محط اهتمام العالم لمكانتها الراسخة وحضورها الدولي المميز سياسيا وإنسانيا.
فالراحل الكبير مؤسس اتحاد دولة الإمارات العربية المتحدة، الشيخ زايد بن سلطان، طيّب الله ثراه، لم يترك لأبنائه فقط وطنا راسخا وبلدا منيعا قويا زاهرا، بل ترك إرثا وازنا وكرس مدرسة عميقة متجذرة في الحكم منبعها الحكمة والتسامح والإنسانية والسلام.
وهذا الإرث الممتد لخمسين عاما يعكس بوضوح ما نراه اليوم من حالة التناغم والانسجام والسلاسة في انتقال الحكم بدولة اتحادية ساسها قادتها بالمحبة والكرامة والتضحية والتواضع لدرجة أن لحظات فَقدان راحل بحجم "خليفة" لم يُشعر العالم بمدى هدوء وسلاسة عملية انتخاب ومبايعة ومعاهدة الإماراتيين حكاما وشيوخا ومواطنين لرئيسهم الثالث الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيسا جديدا لدولة الإمارات العربية المتحدة.
فدولة الإمارات بهذه السلاسة تؤكد مدى رسوخها المؤسساتي والتناغم الاستثنائي، وأن "الاتحاد" اليوم اُختبر من جديد، وثبت للقاصي والداني أنه اليوم أكثر رسوخا وثباتا ومنعة من أي وقت مضى، فقد صان الأبناء إرث الآباء والأجداد، وحفظوا الوصايا ونقلوها بكل أمانة ومسؤولية، هذا الإرث العميق من التسامح والتناغم والسلاسة بين حكام وشيوخ الإمارات والشعب الإماراتي الأصيل النبيل قادت لأكثر عملية انتقال حكم سلاسة في التاريخ المعاصر للدول، فقد تجاوزت بيعة "السمع والطاعة" لصاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان بعفويتها ودلالتها كل البروتوكولات الرسمية المتعارف عليها.
في الإمارات مؤسسات دستورية راسخة وتعمل وفق تقاليد قانونية حازمة متجذرة، منها المجلس الأعلى للاتحاد ومجلس وزراء الاتحاد والمجلس الوطني للاتحاد والقضاء الاتحادي، كل هذه المؤسسات انسجمت في لحظة تاريخية فاصلة من عمر الدولة، عملت بهدوء وحكمة وحرص كبير بعيدا عن البهرجة والاستعراض، مقدرين حالة الحزن والفقد، التي يعيشها الوطن والمشاعر الجياشة، التي تكتنف أبناء الدولة والمقيمين عليها وتعاطف العالم مع الإمارات، فقد كانت اللحظة بحجم الحالة العميقة، وكانت البيعة لمحمد بن زايد آل نهيان تنسج خيوطها بقصيدة شعرية مؤثرة خط كلماتها صاحب الرؤية السديدة والفكر الثاقب الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس دولة الإمارات رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، ترثي أبا وقائدا فذا، وتبايع أخا وسندا، ولتعلن للعالم عن رئيس جديد لدولة الإمارات يواصل مسيرة البناء والعطاء والنماء والرخاء.
اليوم يتعزز شعور أهل الإمارات بالمكانة الرفيعة والإرث الكبير والسمعة الطيبة، التي تركها "زايد" ومن بعده "خليفة"، طيب الله ثراهما، فحجم التعازي والمواساة من قادة الدول الشقيقة والصديقة، وتوافد الزعماء والرؤساء تباعا نحو أبوظبي لتقديم واجب العزاء، وما عجت به منصات التواصل الاجتماعي من شخصيات رسمية وشعبية ومجتمعية دولية من تذكير بمناقب الفقيد الراحل وما قدمه للعالم أنصف سيرة العطاء والبذل، التي كرسها حكام الإمارات طوال عقود مضت.
أن تُقام صلاة الغائب في الحرم المكي وفي مساجد كثيرة من الدول العربية والإسلامية على الراحل الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، وأن تُنكس الأعلام في دول عديدة، وتعلن حكومات شقيقة وصديقة الحداد العام لأيام، وتُفتح بيوت عزاء في عواصم ومدن عربية وأجنبية، وتنعى هيئات ومؤسسات دولية وإقليمية بهذا الزخم رحيل الشيخ خليفة، إنما يدلل على الحضور الطيب والسمعة الرائعة، التي كرسها الراحيل في أرجاء المعمورة، فـ"خليفة بن زايد" فقيد للإنسانية، فكان نعم السند لكثير من شعوب العالم بغض النظر عن عرقها ودينها، ومآثره في أصقاع المعمورة لا تزال شاهدة على بيض صنائعه في خدمة الإنسانية وتكريس رسالة التسامح والسلام.
وبرغم حالة الحزن الشديد، التي تُخيم على الإمارات لفقدان قائد بحجم "خليفة"، الذي يوصف بأنه "قائد التمكين" لما شهدته الدولة في عهده من تطور ورخاء في المجالات كافة، جعل منها دولة عصرية يشار إليها بالبنان، فإن عزاء أهل الإمارات ومن يقيم على ترابها الطاهر أن الراية انتقلت لأخيه وظله في ولاية العهد لسنوات طويلة وعضيده صاحب الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، صاحب الكلمة المسموعة والحاسم في اتخاذ القرارات، التي تخدم الإمارات وشعبها وسياستها بلا تردد، القائد الذي يجمع إرث "زايد" في الحكمة والتواضع والإدارة الملهمة التي لا تعرف المستحيل.
اليوم، وهي تلملم جراحها على فقدان الراحل "خليفة"، تواصل دولة الإمارات بهمة عالية وعزيمة لا تلين لرئيسها الجديد كتابة صفحات تاريخها الزاخر بالمجد، ومستقبلها الواعد بالأمل والريادة والقوة.
والحقيقة الثابتة أن الإمارات اليوم أكثر قوة وصلابة وحضورا، فإرثها العتيد وتناغم مؤسساتها وتواضع قيادتها وعمق رؤيتها جعل منها نموذجا استثنائيا لدولة عصرية زاهرة آمنة في إقليم لا يعرف الاستقرار.
رحمك الله يا "خليفة الخير" ورحم والدك "زايد الخير"، وتمنياتنا بالخير والتوفيق كله لقائد مسيرة الإمارات صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان في خدمة الإمارات وأهلها ومواصلة مسيرة البناء والعطاء.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة