إبادة الأرمن.. سجل دموي للعثمانيين ينكره أردوغان
الموقف التركي من جرائم العثمانيين ضد الأرمن لم يتغير طوال السنوات الماضية، رغم الاعتراف الدولي بتلك المذابح.
"أجدادنا لم يظلموا أحدا، مستعدون لفتح أرشيفينا".. بكل عناد ومكابرة تنصل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، من الاعتراف بالجريمة الإنسانية التي ارتكبها أجداده العثمانيون بحق الأرمن في مطلع القرن الماضي.
الموقف التركي الناكر لجرائم الأجداد ضد الأرمن لم يتغير طوال السنوات الماضية، رغم الاعتراف الدولي بمذابح الأرمن والمطالبات المستمرة لإدارة أردوغان للاعتراف بالحقيقة.
وقال الدكتور أرمين مظلوميان، رئيس الهيئة الوطنية الأرمينية في مصر، إن الإبادة الأرمينية هي حقيقة تاريخية وجريمة إنسانية لا يصح إنكارها أو خلطها بالمصالح السياسية، مؤكدًا أن الموقف التركي دليل واضح على الخلط بين التاريخ والسياسة وتزييف الحقائق؛ من أجل مصالحها السياسية.
وأضاف مظلوميان، في تصريحات لـ"العين الإخبارية، "أرشيف الإبادة الأرمينية موجود لدى جميع دول العالم، ومصر تحتفظ بأرشيف كبير يوثق لإجرام الدولة العثمانية، فالأرشيف الدولي للمذبحة لا يمكن تجاهله وإنكاره".
103 أعوام على الإبادة
مسيرات موت.. محارق جماعية.. قتل عمد.. بهذه الأساليب البشعة قاد حكام الدولة العثمانية الإبادة بحق الأرمن منذ 103 أعوام ( 1915- 1917) بهدف التوسع وبسط نفوذهم على جميع الأراضي التركية.
تخطيط العثمانيين للتخلص من الأرمن لم يتوقف عند النهب والسرقة والاعتقال، بل امتد إلى القتل العمد والتنكيل والتهجير القسري للأسر الأرمينية منذ نهايات القرن الـ19.
وظهرت بوادر الفاشية العثمانية عند تولى السلطان العثماني عبدالحميد الثاني الحكم، بتهديده للأرمن بالقتل والتهجير، ونقل أتراك إلى منازل الأرمن، كبداية لما يسمي" تتريك" المدن الأرمينية.
وفي صباح الـ24 من أبريل/ نيسان 1915، استيقظ الأرمن على أصوات رصاص الجنود العثمانيين، الذين اقتحموا المنازل وطردوا الرجال وذبحوا النساء والأطفال.
وبين عشية وضحاها، تحولت الشوارع في شرق الأناضول ووان وقيليقيا إلى ساحات إعدام، بعد أن اعتقل العثمانيون مئات الجنود الأرمن ونزعوا الأسلحة منهم. وفي وسط إسطنبول نصبت أعمدة خشبية لصلب النساء علنًا أمام عائلاتهن، تنفيذا لأوامر الحكام العثمانيين وقتها.
وأثناء الحرب العالمية الأولى، شرع الباب العالي في تنفيذ مخططه بحق الأرمن بحرقهم ودفنهم أحياء وقتلهم رميًا بالرصاص. ليسقط نحو مليون ونصف المليون أرميني، إضافة لفرار نحو 390 ألفا آخرين.
تزييف الحقائق عقيدة تركية
بزعم "الحرب المقدسة" ضد المتآمرين، ارتكب العثمانيون الإبادة الجماعية ضد الأرمن، وأذاع حكام المدن التركية وقتها حقائق مزيفة عن الأرمن، مدعين أن المسيحيين الأرمن تعاونوا مع موسكو ضد الدولة العثمانية أثناء فترة الحرب بين روسيا والباب العالي.
وامتد الخداع التركي إلى كتابة أرقام مزيفة عن ضحايا ومصابي الإبادة، والحديث عن أن سبب الوفاة نتاج للحرب والأوبئة والأمراض المنتشرة بعد نهاية الحرب العالمية الأولى.
واعتبر الدكتور أرمين مظلوميان أن إنكار الجريمة بمثابة تكرار للجريمة نفسها وإعادتها من جديد، واصفًا الخداع التركي على مدار التاريخ بشأن الإبادة الأرمينية بـ"التحريض على العنف والكراهية والعنصرية بين شعوب العالم".
كما استشهد رئيس الهيئة الوطنية الأرمينية، بموقف تركيا عام 1919، حينما أقامت محاكم في إسطنبول، وأصدرت أحكام بالإعدام لمنظمي ومرتكبي الإبادة. مطالبًا تركيا بضرورة الاعتراف بما فعله العثمانيون وتعويض الشعب الأرميني ثمن التهجير والقتل وحملات النهب التي تعرضوا لها.
ضغط على أردوغان
وخلال السنوات الأخيرة، توالت الاعترافات الدولية بمجازر الأرمن، مؤكدين أن تلك المذابح على يد العثمانيين جريمة إنسانية.
ووجد أرمن مظلوميان أن الاعتراف الدولي يضغط على أردوغان للاعتراف بالإبادة، ويعد حائط صائد لمنع وقوع أي حوادث إبادة جديدة.
وتابع القول: " كثر من 48 ولاية أمريكية، وأكثر من 30 دولة ومنظمة دولية اعترفت بالإبادة الأرمينية، إضافة إلى قيام الفاتيكان بفتح الأرشيف المتعلق بإبادة الأرمن في تركيا"، مؤكدًا أن الحقيقة التاريخية حتما ستظهر ويحصل الشعب الأرميني على حقه.
وحول اعتراف البرلمان الألماني بالإبادة الأرمينية، أوضح "مظلوميان" أن اعتراف ألمانيا بمذابح الأرمن هو أكبر إثبات ودليل، خاصة أن برلين كانت حليفا رئيسيا لأنقرة أثناء الحرب العالمية الأولى، علاوة على أن ألمانيا تمتلك جميع أسرار الدولة العثمانية.
طمس الهوية الأرمينية
منذ تمركز الأرمن في مناطق شرق وجنوب شرق الأناضول، أصبح لهم دور مهم داخل الدولة العثمانية.
وقدرت الإحصائيات أعدادهم نحو مليوني شخص، حيث امتهن أغلبهم مجالات التدريس والتجارة والزراعة والصرافة وصناعة الحلي، ما انعكس بالدور الإيجابي على الاقتصاد التركي.
وعلى مدار قرون طويلة، لم يسجل التاريخ أي احتجاجات للأرمن للمطالبة بحصول على امتيازات بالمجتمع التركي.
كما أن الهوية الأرمينية رسخت لقيم الوطنية والانتماء، وربما تأثير الأرمن الإيجابي كان يزعج الحكام العثمانيين الذين قادتهم الأطماع لارتكاب أول إبادة جماعية في التاريخ الحديث.