لا تزال حكاية ذبح القطة من الحكايات التي يضربون بها المثل
تستطيع المملكة العربية السعودية تصويب صواريخها إلى العاصمة الإيرانية طهران، رداً على الصواريخ السبعة التي صوَّبها الحوثيون إلى الرياض، مساء الأحد، غير أن المملكة حسب التأكيد الذي صدر عنها في اليوم التالي، تفضِّل اختيار الوقت والمكان المناسبين للرد.
وحقيقة الأمر أن المجتمع الدولي مدعو إلى أن يمارس مسؤوليته الواجبة، إزاء نظام الملالي في إيران، وبسرعة، لأن ما يتمسك هذا النظام بممارساته في محيطه، يهدد الأمن والسلم الدوليين، ولا يهدد السعودية وحدها، ولأن هذه ليست المرة الأولى التي تنطلق فيها صواريخ إيرانية الصنع في اتجاه العاصمة السعودية!
لقد حدث ذلك أكثر من مرة، من قبل، ولعلنا لا نزال نذكر كيف أن نيكي هيلي، مندوبة الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة، قد وقفت قبل أسابيع في العاصمة الأميركية تخاطب العالم، وفي الخلفية من ورائها كانت قد وضعت هيكلاً لصاروخ إيراني الصنع جرى إطلاقه في ذات اتجاه الصواريخ السبعة!
إذا وضعنا بولتون إلى جوار وزير الخارجية الجديد، كان التشدد في السياسة الأميركية مع إيران، مضروباً في اثنين، وكانت طهران في انتظار أيام صعبة!..فهل أرادت السياسة الإيرانية، ذبح القطة للمستشار الجديد، فأوعزت إلى الحوثي إطلاق صواريخه على العاصمة الرياض؟!
فماذا ينتظر العالم؟!.. وما الذي تنتظره الأمم المتحدة، إذا كانت هذه الصواريخ قد جرى تصويبها في الوقت نفسه، الذي كان فيه مارتن غريفيث، المبعوث الأممي، يزور العاصمة اليمنية صنعاء، بحثاً عن موطئ قدم للحل السياسي للأزمة هناك؟!
ما الذي تنتظره الأمم المتحدة، بعد أن أعلن العقيد الركن تركي المالكي، المتحدث باسم قوات تحالف دعم الشرعية التي تقودها السعودية على الأراضي اليمنية، ما أعلنه في مؤتمر صحافي عقده في الرياض، الاثنين، وخاطب فيه العالم كله، ومع العالم كان بالضرورة يخاطب الأمم المتحدة في مقرها في نيويورك، باعتبارها المنظمة الدولية الأكبر التي تقوم، حسب نص ميثاقها، على حفظ الأمن والسلام في هذا العالم؟!
لقد أعلن أن الصواريخ السبعة سببت أضراراً في تسعة أحياء في الرياض، ذكرها اسماً اسماً، وأن أحد الصواريخ من نوع صواريخ «قيام» الإيرانية الصنع، وأن قوات التحالف ضبطت شحنة من الصواريخ المهربة إلى اليمن، وتبين بعد ضبطها، أنها من نوع «صياد» الإيراني!
وفي اللحظة التي كان فيها العقيد المالكي، يعرض خلال المؤتمر، صاروخاً إيرانياً هرَّبته طهران إلى اليمن وجرى ضبطه، بينما كتابات فارسية تبدو واضحة على جسمه، كانت وكالة الصحافة الفرنسية تنقل صورة لا تكذب، لخرق واسع في سقف منزل في الرياض، جراء الهجوم الذي أسقط شخصاً وأصاب اثنين.
إن الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش في حاجة إلى اعتماد طريقة مختلفة للتعامل مع النظام الإيراني، الذي تعمّد تماماً، إطلاق الصواريخ السبعة، في أثناء وجود غريفيث في اليمن.
إنها رسالة مقصودة من إيران إلى المنظمة الدولية الأكبر في العالم، وإذا لم تتعامل المنظمة مع الرسالة على قدر خطورتها، فسوف تتكرر الرسائل من ذات النوع، وسوف يتواصل تخريب نظام المرشد الإيراني في المنطقة بوجه عام، وفي اليمن على وجه الخصوص.
ليس من الممكن فصل توقيت استهداف الرياض بالصواريخ، عن توقيت قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب، اختيار جون بولتون مستشاراً جديداً للأمن القومي.. فالمستشار الجديد ليس أي مستشار، والمؤكد أنه بالنسبة لنظام المرشد علي خامنئي، مختلف عن كل مستشار شغل هذا الموقع المهم منذ جاء ترامب إلى البيت الأبيض.
قد يكون الإعلام توقف لبعض الوقت، أمام شارب بولتون العريض المتهدل الذي يغطي جانبي فمه، باعتبار أن هذا الشارب من الأشياء التي تميز شكل الرجل، منذ كان من أركان إدارة الرئيس الأسبق جورج بوش الابن، ومنذ كان معدوداً من بين صقورها، ومنذ كان مندوباً دائماً لها لدى الأمم المتحدة.. وقد يكون شعر رأسه المنكوش من بين أيضاً ما كان الإعلام داخل بلاده، وخارجها، يتكلم عنه، وهو يصف للناس ملامح المستشار الجديد للأمن القومي، الذي حل محل هربرت مكماستر المغادر.
غير أن هذا كله مجرد شكل وراءه مضمون هو الذي علينا أن نتوقف أمامه، ونحن نترقب سياسات قادمة للإدارة الأميركية الحالية تجاه طهران، وتجاه سلوك طهران في منطقتها، وليس فقط تجاه برنامجها النووي، ولا فقط تجاه الاتفاق الذي جرى توقيعه بشأن البرنامج، بين نظام خامنئي من ناحية، وبين مجموعة 5+1، التي وقفت على رأسها الولايات المتحدة، وقت أن كان باراك أوباما في مكتبه البيضاوي.
إن ترامب لا يُخفي عدم رضاه عن الاتفاق، منذ اللحظة الأولى التي تسلم فيها السلطة، ولا يخفي رغبته في نفض يد بلاده من اتفاق الإدارة السابقة عليه، ولكنه كان يصادف مسؤولين حوله يعتنقون رأياً آخر، ويميلون إلى التهدئة مع الحكومة الإيرانية، وكان وزير خارجيته المُقال ريكس تيلرسون على رأس هؤلاء المسؤولين، وقد غادر تيلرسون، في انتظار أن يحل محله مايك بومبيو، رئيس المخابرات المركزية، المعروف بتشدده في الملف الإيراني منذ وقت .
فإذا وضعنا بولتون إلى جوار وزير الخارجية الجديد، كان التشدد في السياسة الأميركية مع إيران، مضروباً في اثنين، وكانت طهران في انتظار أيام صعبة، هل أرادت السياسة الإيرانية، ذبح القطة للمستشار الجديد، فأوعزت إلى الحوثي إطلاق صواريخه على العاصمة الرياض؟!
هذا أمر جائز، إذا وضعنا في الاعتبار أنه لم يسبق إطلاق صواريخ حوثية على عاصمة المملكة، بهذا العدد مرة واحدة، وإذا أخذنا في حسابنا كذلك، أن الإطلاق جاء في أعقاب الإعلان عن اختيار بولتون، في هذا الموقع شديد التأثير على القرار الأميركي الخارجي.
ولا تزال حكاية ذبح القطة من الحكايات التي يضربون بها المثل، في الثقافة الشعبية المصرية، إذا أرادوا أن يشيروا إلى شيء يرغب من خلاله طرف في تخويف طرف آخر، عند بدء علاقة بينهما، بحيث تؤسس لوضع يظل أحدهما على خوف ومتوجساً من الآخر.. ولكن تجربة العالم مع بولتون، وقت أن كان إلى جوار بوش الابن، تقول إن ذبح قطة في طريقه لا يؤثر بشيء.. ولا حتى ذبح جمل.
وفي كل الأحوال فإن واقعة الصواريخ السبعة لا يجوز أن تمر، ولا بد أن نراهن فيها على موقف عربي قوي، أكثر منه موقفاً أميركياً أو أوروبياً مسانداً، فالرياض عاصمة عربية، والشخص الذي سقط ضحية استهدافها، مصري تصادف وجوده في المكان، وليس سعودياً، والمصابان معه عربيان.
نقلا عن الشرق الأوسط
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة