«القنابل الوهمية» تربك آسيا
منذ أكثر من عقد، تغرق دول آسيوية في دوامة من "التهديدات الوهمية" حيث لا تزال الجهة التي تقف وراءها غير معروفة.
وبحسب صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية، فإنه على مدار أكثر من 13 عاما، أثارت تهديدات غامضة حول وجود قنابل وهمية حالة من الارتباك الأمني في عدة دول آسيوية.
ومع ذلك، لم تتمكن السلطات من فك شفرة رسائل الفاكس أو البريد الإلكتروني التي تحمل توقيع شخص يُدعى "تاكاهيرو كاراساوا"، وهو محامٍ ياباني ينفي تماما علاقته بالقصة، مؤكدا أن اسمه يُستخدم زورًا من قِبل مجهولين.
القصة
بدأت عام 2012 مع وصول عدة رسائل فاكس موقعة باسم كاراساوا إلى مؤسسات حكومية وشركات نقل في اليابان، تزعم وجود قنابل في محطات القطارات والمنشآت العامة.
ومع مرور الوقت، تبين في كل الحالات أنها "تهديدات وهمية".
ورغم أنه في كل مرة لم تعثر السلطات على أي متفجرات، إلا أن الرسائل أثارت ذعرًا واسعًا وتسببت بإخلاء مبان ومنشآت وتعطيل المواصلات.
ولم يعلق المحامي الياباني كاراساوا مؤخرًا لكنه صرح في وقت سابق أن من يقف وراء هذه الأفعال هم مستخدمون في منتديات إلكترونية "ينتقمون منه" بسبب قضايا قانونية خاضها قبل 10 سنوات دفاعًا عن ضحايا التنمر الإلكتروني في اليابان.
وأعرب عن اعتقاده بأن هؤلاء الأشخاص يستخدمون اسمه لتشويه سمعته وإرباك السلطات.
دائرة تتوسع
حققت الشرطة اليابانية اختراقات محدودة في بعض الفترات، فاعتقلت عام 2022 شابًا في العشرينات من عمره على صلة بتهديدات تم إرسالها إلى منشآت سكك الحديد، ثم اعتقلت في أغسطس/آب 2023 شخصين آخرين في قضايا مشابهة.
إلا أن التهديدات لم تتوقف، بل توسعت لتشمل دولًا أخرى في شرق وجنوب شرق آسيا.
وامتدت الأزمة إلى دول مثل كوريا الجنوبية وماليزيا والفلبين وسنغافورة، حيث تلقت المدارس والمطارات والدوائر الحكومية تهديدات مشابهة تحمل الاسم نفسه، ما أدى إلى عمليات إخلاء واسعة ومطاردات أمنية مكثفة وحملات اعتقال، ومع ذلك لم يتوقف سيل الرسائل حتى اليوم.
وشهدت كوريا الجنوبية في الأشهر الأخيرة تصاعدًا حادًا في عدد هذه التهديدات الوهمية، إذ تلقت عدة مدارس ومراكز تجارية في العاصمة سول رسائل تهدد بوقوع تفجيرات، ما أجبر السلطات على إخلاء المباني واستدعاء فرق المتفجرات.
وفي واحدة من أبرز الحوادث، تلقى أحد موظفي جامعة "آجو" رسالة بريد إلكتروني بعنوان "سيموت الجميع في جامعة آجو"، تزعم وجود 38 قنبلة مزروعة في أنحاء الحرم الجامعي.
وعلى الفور، هرعت قوات الشرطة والإطفاء إلى المكان، وبعد تفتيش شامل تبين أنه لا توجد أي مواد متفجرة، في حين تلقت جامعة أخرى رسالة مشابهة في اليوم نفسه.
مصدر واحد؟
وترجح السلطات أن جميع هذه الرسائل مصدرها جهة واحدة، بدأت نشاطها المكثف في أغسطس/آب 2023 مما دفع كوريا الجنوبية لفتح تحقيق دولي بمشاركة وكالة الشرطة الوطنية اليابانية والإنتربول.
كما طلبت سول مساعدة من أجهزة أمنية أمريكية بعدما اكتشفت أن بعض الرسائل تم إرسالها عبر شركة أمريكية تقدم خدمة إرسال الفاكس عبر الإنترنت.
ومع ذلك، لم يصدر عن الإنتربول أي تعليق رسمي، بينما رفضت الشرطة اليابانية تأكيد ما إذا كانت تتعاون في هذه القضية.
وفي سنغافورة، تلقت الوزارات والسفارات في أغسطس/آب 2023 رسائل بريد إلكتروني موقعة باسم كاراساوا، ما أدى إلى إغلاق مقار حكومية وإخلاء مؤسسات تعليمية، لكن لم يتم العثور على أي قنابل وأوضحت الشرطة أن الجهة نفسها تقف أيضًا وراء تهديدات كوريا الجنوبية.
وفي الفلبين، أعلنت الشرطة أن التهديدات التي استهدفت الدوائر الحكومية والمدارس ومحطات القطار بين عامي 2023 و2024 مصدرها عنوان بريد إلكتروني واحد يحمل اسم كاراساوا.
أما في ماليزيا، فقد تم إرسال تهديدات إلى قائد شرطة ولاية وإلى مجلس بلدي من شخص يزعم أنه كاراساوا، في فبراير/شباط 2024، لكن تم إغلاق التحقيقات بعدما فشلت السلطات في تحديد هوية المرسل.
وقالت شرطة كوريا الجنوبية إن هذه التهديدات أصبحت جزءًا من موجة من البلاغات الكاذبة التي سببت حالة إنذار عام، استهدفت نحو 20 موقعًا في أنحاء البلاد خلال الأشهر الثلاثة الماضية.
«استنزاف»
رغم أن جميع البلاغات انتهت بسلام، إلا أنها "تستنزف موارد الدولة وتربك الأجهزة الأمنية"، بحسب الخبراء.
وقال لي مان-جونغ، رئيس الجمعية الكورية لدراسات الإرهاب، إن هذه الرسائل "ليست مجرد مزاح أو مقالب إلكترونية، بل أعمال تؤدي إلى شلل مؤسسات الدولة والمدارس والمرافق العامة، وتستهلك موارد ضخمة من الشرطة والإطفاء".
وأضاف أنها "تلحق أضرارًا ملموسة بالمجتمع وتثير الخوف العام".
أما كاراساوا نفسه، فأعرب في مقابلة مع قناة "إس بي إس" الكورية، عن استيائه من استغلال اسمه، قائلا: "لدي مشاعر مودة تجاه كوريا الجنوبية، وآمل أن يتم القبض على الجناة ومعاقبتهم بأشد العقوبات".
ويتفق الخبراء على أن تحدي الأمن الإلكتروني العابر للحدود في آسيا يزداد تعقيدًا، خاصًة في ظل استخدام أدوات رقمية تتيح إرسال الرسائل المجهولة بسهولة ومن خارج نطاق السلطات المحلية.
ويخشى محللون أن تؤدي هذه التهديدات المتكررة إلى "تطبيع حالة الذعر" وتقويض الثقة العامة في المؤسسات الأمنية، في حال عدم العثور على المتورطين في هذا اللغز الذي حيّر خمس دول لعقد كامل.