مشروع "كلمة" يصدر "حدود المادة" للسويدي يلمار فورش
الكتاب يأخذ السجال حول التنوير الذي كان مقصورا في غالبه الأعم على حقول معرفية، كتاريخ الفلسفة واللاهوت والفيزياء إلى ميدان جديد.
أصدر مشروع "كلمة" للترجمة في دائرة الثقافة والسياحة–أبوظبي ترجمة كتاب "حدود المادة: الكيمياء والتعدين والتنوير" للباحث السويدي يلمار فورش، الصادر عن مطبعة جامعة شيكاغو عام 2015.
ترجم الكتاب إلى اللغة العربية تحسين الخطيب، وراجعه الدكتور أحمد خريس.
ويبحث في الكيفيّة التي ترسّخت بموجبها الفكرة المادية الحديثة، خلال النصف الأول من القرن الـ18، فيبيِّن كيف أسهم الخيميائيون والكيميائيون في خطاب التنوير المتعلق بالمادة، وذلك بتعريف بعض العناصر بوصفها طبيعيّة، وتعريف بعضها الآخر بوصفها مختلفة أو ربما غير موجودة.
وعبر القيام بذلك، رُبِط بين تغيّر معرفي مهمٍّ جرى في الثقافة الأوروبية، وتشكُّل نظام الكيمياء الحديث، فحين يُعاد تعريف المادة، ومنحها حدوداً جديدة، فإنَّ الأفكار المتعلقة باللاماديّ، والعالم الروحي، تتغير أيضاً.
وعليه، فإنّ هذا الكتاب يأخذ السجال حول "التنوير"، الذي كان مقصوراً في غالبه الأعمِّ، على حقول معرفيَّة، كتاريخ الفلسفة واللاهوت والفيزياء إلى ميدان جديد.
كما يهدف إلى توضيح مساهمة الكيمياء في العمليّات الكبرى التي حوَّلت المجتمع الأوروبي خلال أواخر القرن الـ17 والقرن الـ18، من خلال توظيف إطار نظريّ يسعى إلى استقصاء التأثير المتبادل بين مفاهيم الماديّة واللّاماديّة، في أوساط ممارسي الكيمياء المتبحّرين وأصحاب المعارف الأخرى، المنهمكين في حقل التعدين.
ويركز على السيرورة التاريخيّة للتأويل الاجتماعي للمعادن، بوصفها عناصر معدنيّة، وهي السيرورة التي لم تكن مقبولة على نطاق واسع في تاريخ العلم.
وهذه العملية مدوّنة، في هذا الكتاب، بوصفها حكايةَ الكيفيّة التي انفصلت فيها الكيمياء، في حد ذاتها، عن الخيمياء: من الناحية النظريّة، والممارسة العمليّة، والخطاب البلاغي؛ وفي السياق الأوسع للمعرفة التعدينيّة، والفكر التنويري المتعلق بحدود المعرفة الطبيعية.
كما يتطرق الكتاب لواحدة من أكثر مناطق الاتصال إنتاجيةً في حقول السيمياء (مجال دراسة الطقوس والتقاليد)، وعلم المعادن، والمعرفة التعدينيّة، في أوروبا أواخر القرن الـ17 والقرن الـ18؛ ألا وهي مديرية المناجم في الدولة السويدية.
ويسعى من خلال تتبّع الجهات الفاعلة التي ارتبطت بمديرية المناجم، في رحلاتهم ومناقشاتهم الخاصة وأبحاثهم المنشورة، إلى إعادة دمج الفلسفة الطبيعية، والممارسات المعرفية التي طبّقتها مديرية المناجم، في السياق الأوروبيّ الذي تنتمي إليه.
وبذلك، يسلط الكتاب الضوء على فاعليّة لم تُدرَس من قَبْلُ على نحو كافٍ، وتمّ تجاهلها في السابق على نطاق واسع ضمن نطاق التطور الذي حصل في مجمل المعرفة العملية في أواخر القرن الـ17 والقرن الـ18.
كما يركّز الكتاب على الرحّالة، وعلى تحوّلات المعرفة وانتقالها من مكان إلى آخر، والتبادلات البعيدة للتأثيرات الثقافية، كما هي مرويّة في تقارير الرحالة، وفي المراسلات بين ممارسي الفلسفة الطبيعيّة، وفي الكتب المنشورة، والمخطوطات الموزّعة والخاصة.
وتناقش هذه الدراسة سلسلة من التغيرات في المواقف الفكرية، الموقف بعد الآخر؛ وهي سلسلة قدّمت إجابات صحيحة على مسائل محدّدة، نشأت من سياقات معيّنة.
فحين تؤخذ هذه التغيرات مجتمعةً، وفي نطاق إدراكها المتأخّر، فإنها تفقد قوّتها وفعاليّتها تدريجيّاً، في مواجهة اللّبنة القديمة للإبستمولوجيا الموروثة.
ولذلك، فقد كانت، على نحو ما، جزءاً من سيرورة التغيير التاريخية التي سوف تبلغ أوجها فيما عرف بالتنوير الراديكالي، الذي راج في إسكندناڤيا وشمال ألمانيا منذ ستينيات القرن الـ18 وحتى ثمانينياته.
ولا يدور هذا الكتاب، بمعنى من المعاني، إلّا حول انهيار النظام الأخلاقي والمعرفي وإعادة تشكيله، ملقية نظرة على التنوير من الطرف الآخر للمرآة.
أمّا مؤلف الكتاب يلمار فورش، فهو باحث في تاريخ العلوم والأفكار ومحاضر بمركز تاريخ العلوم بجامعة أوبسالا السويديّة، والمسؤول عن مجموعات الكتب والمخطوطات النادرة بمعهد كارولينسكا السويديّ.
كما يعمل مديرًا لمشروع تعاون بحثيّ مع مركز سيماو ماتياس للدراسات في علم التاريخ بالجامعة الكاثوليكيّة في ساو باولو البرازيليّة، يتناول نظريات التبادل المعرفي في سياق الدراسات.
والمترجم تحسين الخطيب، كاتب ومترجم أردني، صدر له مؤخّراً في حقل الترجمة "المجرّة: رسم خريطة الكون" عام 2018، و"إيروتيكا" يانيس ريتسوس عام 2017، وغيرها من الترجمات.