بثينة الإبراهيم لـ"العين الإخبارية": الترجمة عوضتني كثيرا عن الكتابة
المترجمة السورية بثينة الإبراهيم وحديث عن شغفها بالترجمة الأدبية ووسم #ترجمة_كل_يوم الذي دشنته، وترجمتها أخيرا لـ"صاحب الظل الطويل".
"من أنت يا صاحب الظل الطويل؟ حلمتُ بالسعادة، حلمتُ بالحياة، وسدت الدروب، واشتدت الخطوب، فجئت من سراب، يا صاحب الظل الطويل".
إذا كنت ممن مرّوا بمتابعة مسلسل الأطفال الشهير "صاحب الظل الطويل"، فلابد أنك ستتحمس كثيرا عندما تعلم أن هذه الرواية الكلاسيكية الأشهر لجين ويبستر تمت ترجمتها إلى اللغة العربية، وأنها متاحة للقراءة، ولاستعادة مغامرات بطلتها "جودي" التي حفرتها رسوم"الكارتون" في الوجدان.
صدرت الترجمة العربية عن "منشورات تكوين"، وهي من إنجاز المترجمة السورية البارزة المقيمة بدولة الكويت بثينة الإبراهيم، التي حاورتها "العين الإخبارية" حول علاقتها ب"صاحب الظل الطويل"، والنوستالجيا التي دعمت هذا المشروع الذي واصلته بترجمة جزئه الثاني "عدوي اللدود".
تعتبر بثينة الإبراهيم واحدة من أبرز العاملات بمجال الترجمة الأدبية في العالم العربي، من بين أبرز أعمالها "أشباهنا في العالم"، و"ليكن الرب في عون الطفلة، و"بيتر بان"، و"الحيوان الحكّاء"، وقد بلغ شغفها بالترجمة إلى الحد الذي جعلها تُدشن وسم #ترجمة_كل_يوم" على "تويتر" الذي تُمطر فيه محبي الأدب العالمي بمقتطفات يومية من قطع أدبية تعتني بانتقائها لمتابعيها.
فعن هذا الشغف والمزيد في نص الحوار التالي.
ثمة احتفاء كبير بصدور ترجمتك لـ"صاحب الظل الطويل". كيف تصفين تجربتك مع ترجمة هذا العمل الشهير لجين ويبستر؟
علاقتي بصاحب الظل الطويل ممتدة لسنوات خلت وسنوات ستقبل. عرفته مسلسلًا كارتونيًا عرضه التلفزيون السوري حين كنت في الصف الثاني الثانوي، وأظنني أعدت مشاهدته عشرات المرات، ووجدت الرواية التي قرأتها أكثر من مرة وترجمت منها رسائل متفرقة في وسم #ترجمة_كل_يوم، ونشر بعضها في الثقافية، التابعة لصحيفة الجزيرة السعودية. وكان عملي في الترجمة متعة كبيرة، كنت أعيش تجارب جودي المرة تلو المرة، وأزداد يقينًا أنها فتاة قوية وحكيمة. وربما كانت مثالًا نسويًا جيدًا في اعتمادها على نفسها، بعد تقدمها للمنحة، وتسديد جزء من مال صاحب الظل الطويل، ولم تعتبر نفسها فتاة مدللة تحصل على ما تريد أبدًا. لم يخلّف الحرمان في روح جودي ندوبًا، بل منحها دفقة من خيال تسد بها الثغرات والثقوب التي غصت بها نشأتها في الميتم.
وماذا عن "عدوي اللدود"؟ هل هو جزء ثان لـ"صاحب الظل الطويل"؟
نعم، هو جزء ثانٍ للعمل تتنحى فيه جودي عن الأضواء لتظهر رفيقتها سالي مكبرايد، التي تعمل على تطوير ملجأ جون غرير الشهير ليكون بيتًا لنزلائه، لا مجرد مأوى. ورغم العقبات الكثيرة التي اعترضت طريقها، فإنها نجحت في التغلب عليها ببراعة. لن يرى القارئ مثالية مفرطة، رغم النهاية السعيدة، فسالي أبعد ما تكون عن المثالية، وهذا ما يجعلها في رأيي شخصية حقيقية مثلنا.
كانت لك تجارب أخرى مع كلاسيكيات على شاكلة "بيتربان" قبل "صاحب الظل الطويل".. برأيك ما المساحات المشتركة بينهما؟
صاحب الظل الطويل يسبق پيتر پان في التعارف بيننا وفي الترجمة. ورغم أن پيتر پان أيقونة لليفاع والنزعة في إدامة مرحلة الطفولة واللهو، والتهور أحيانًا، والنزعة الهروبية أحيانًا أخرى، فإن جودي تعطي مثالًا جيدًا على قدرة المرء أن يكون راشدًا ويظل محتفظًا بطفولته، وروحه المرحة. پيتر پان تطبيق لنصيحة ديستويفسكي بألا يكبر المرء، لأن التقدم في العمر فخ. غير أن جودي كانت أكثر تصالحًا مع ذلك وقد نمّت شخصية يحبها الجميع بلا استثناء!
أما المساحة المشتركة بينهما فتتجلى بإيمانهما المطلق بالخيال، والحلم عاليًا، "هذا الفضاء المشترك الذي لا يعرف حدودًا تتعلق بالسياسة أو الدين، بالعرق أو غيره، إنها جمهورية الخيال، وهي الأكثر ديمقراطية بين الجمهوريات قاطبة"، كما تقول آذر نفيسي.
"أشباهنا في العالم" ليس فقط كتابا من ترجمتك، بل من اختياراتك، فكيف جاءت فكرته؟
كانت الفكرة في ترجمة مجموعة قصصية مختلفة فحسب، ثم ألهمتني قصة كالفينو "سنوات ضوئية" فكرة ترجمة أعمال من مناطق مختلفة في العالم، ومختلفة في زمن كتابتها، بحثًا عن شبيه لنا في مكان ما على هذا الكوكب، إذ يقول أنا أراك، فهل تراني؟ هذا لا يعني أن الكتاب يعد بالعثور على الشبيه، لكنه حتمًا خطوة أولى في رحلة البحث عن الأربعين شبيهًا.
تجربة "الحيوان الحكّاء".. هل ثمة اختلاف لدى ترجمتك لكتاب جوناثان غوتشل عن ترجماتك الأدبية الأخرى؟
ليس هذا عملي الأول في ترجمة الأعمال غير القصصية، فقد ترجمت كتاب الأخلاق في الحداثة السائلة لزيغمونت باومان بالاشتراك مع الدكتور سعد البازعي (صدر عن مشروع كلمة)، بالإضافة إلى كتاب الشلالات لبريان ج. هدسن، الذي صدر عن مشروع كلمة مؤخرًا. ومن الطبيعي أن يختلف العمل في الترجمة الأدبية عنه في ألوان الترجمة الأخرى، لاختلاف الموضوع والحقل الذي ينتمي إليه العمل. وقد يكون الجهد المبذول أكبر مما تتطلبه الترجمة الأدبية.
هل يجب أن تقعي في غرام العمل الذي تُقدمين على ترجمته أولا، كشرط لترجمته؟ أم أن احتراف المترجم يتجاوز مسألة حب النص من عدمه؟
في البداية لا بد أن يتحقق شرط الاقتناع بالكتاب، كي أتمكن من العمل "معه" وعليه. غير أنني أقع في غرام كل عمل ترجمته حتى وإن أتعبني وشاكسني. وقد يلجأ المترجم لترجمة أعمال لا يقتنع بها، لكنه يرى هذا سببًا كافيًا لترجمتها، أعني أن ذلك قد يكون وسيلة لإبداء اعتراضه عليها، أو طرحها للنقاش.
حدثينا عن تجربة تأسيسك لوسم #ترجمة_كل_يوم على تويتر..كيف كانت بدايته؟
كانت البداية عفوية للغاية... كان أول مقطع أترجمه في شهر يونيو 2016، من رواية كنت أقرؤها حينئذ، وترجمت منها عدة مقاطع. لم يكن هناك خطة مسبقة لهذا، كان الأمر بسيطًا جدًا في حينها. يمكنني القول إن البداية الفعلية الأكثر انتظامًا والتزامًا كانت في شهر نوفمبر من العام نفسه، فقد مكنني "أشباهنا في العالم"، من التعرف على أسماء كثيرة جمعت لها الكثير من الحوارات والقصص والمقالات، وهكذا كانت البداية. وهكذا بدأت الرحلة اللا نهائية.
هل في جعبتك عناوين جديدة للعمل عليها أو ستصدر لك خلال الفترة المقبلة؟
لا أعتقد أن جعبة مترجم أو روائي أو كاتب تفرغ أبدًا! وأظن القادم مفاجئًا للقارئ بقدر مفاجآت هذا العام وأكثر.
بعد هذا الرصيد الغني في الترجمة.. هل من الممكن أن تتفرغي لكتابة عمل أدبي يحمل اسمك؟
أظن أنني تخليت عن فكرة الكتابة، في المدى المنظور على الأقل. لقد عوضتني الترجمة كثيرًا.