ضغط وحظر ومداهمات.. بريطانيا تفاقم الحصار الأوروبي لـ"حزب الله"
بين حظر الحزب اللبناني في ألمانيا وإصدار برلمان النمسا توصية للحكومة باتخاذ إجراءات قوية ضده يواصل نواب بريطانيون ضغطا سياسيا عليه
لا تزال مليشيات حزب الله تتلقى ضربات قوية في أوروبا، منذ مارس/آذار الماضي، والتي تستهدف قطع خطوط إمداداته المالية، ومحاصرة قياداته ومنظماته العاملة في القارة العجوز، ومكافحة الخطر الذي يمثله على الديمقراطية والأمن.
وبين حظر الحزب اللبناني في ألمانيا، وإصدار برلمان النمسا توصية للحكومة باتخاذ إجراءات قوية ورادعة ضده، يواصل نواب البرلمان الضغط السياسي عليه في بريطانيا، بالتزامن مع تنامي الضغوط على الاتحاد الأوروبي لمواجهة خطر المليشيات المتنامي في القارة العجوز.
وكثف النواب البريطانيون الضغط على حزب الله خلال الأشهر الماضية، حيث قدم أعضاء مجلسي العموم واللوردات في الفترة بين مارس/آذار ويوليو/تموز 2020، اثني عشر استجوابا للحكومة حول أنشطة الحزب في الأراضي اللبنانية، وفق تقرير لهيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي" نشرته الأحد.
ووفق المصدر ذاته، قدم أعضاء مجلسي العموم واللوردات 15 استجوابا أيضا حول حزب الله، في الفترة بين أبريل/نيسان وسبتمبر/أيلول 2019.
وتركزت الاستجوابات حول أنشطة حزب الله بفرعيه السياسي والعسكري في بريطانيا وباقي الدول الأوروبية، وأيضا تحركاته في لبنان وسوريا، في محاولة واضحة لإبقاء الضغط السياسي قويا على الحزب.
هذه الاستجوابات تأتي في إطار سلسلة من التحركات البريطانية ضد "حزب الله"، ففي عام 2001، وضعت وزارة الداخلية جناح الأمن الخارجي للحزب على قائمة الإرهاب، ثم مددت الحظر في عام 2008 ليشمل مجلس شورى الجهاد، الذي يمثل الذراع العسكرية للحزب وكل الوحدات التابعة له.
وفي مارس/آذار 2019، أدرجت بريطانيا الجناح السياسي لحزب الله على قائمة الإرهاب، ليصبح بالكامل محظورا في هذا البلد الأوروبي.
ويحاول النواب البريطانيون في الوقت الراهن إبقاء الضغط قويا على شبكات حزب الله في بريطانيا، لمنع أي تحركات سرية أو أنشطة إجرامية في الأراضي البريطانية.
بل إن النواب يستغلون أزمة لبنان الاقتصادية الحالية، للضغط على الحكومة البريطانية كي تعمل على أن يربط صندوق النقد الدولي منح لبنان قرض إنقاذ بشروط منها "إعادة الهيكلة السياسية لتقييد قدرات حزب الله على الاستيلاء على الإنفاق الحكومي ومنع سيطرته عليه".
وبالفعل، ردت الحكومة البريطانية على هذا الطلب بأنها "تسير في هذا الاتجاه في إطار "عملية تصميم برنامج الإقراض وتحديد شروطه".
ألمانيا.. حظر ومداهمات
لم تقف بريطانيا وحدها في خط المواجهة مع شبكات حزب الله في أوروبا، حيث اتخذت الداخلية الألمانية قرارا في 30 أبريل/نيسان الماضي، بحظر المليشيات اللبنانية بجناحيها العسكري والسياسي في ألمانيا، بعد ضغوط كبيرة من كل مؤسسات الدولة بدءا من البرلمان إلى الاستخبارات الداخلية.
ووضعت هذه الخطوة نهاية لسنوات طويلة من استغلال الأراضي الألمانية في جمع التمويلات اللازمة لعمليات الميلشيا اللبنانية، عبر سلسلة من الأعمال الإجرامية في مقدمتها غسيل الأموال وتجارة المخدرات.
وقال وزير الداخلية هورست زيهوفر في تصريحات صحفية آنذاك: "حزب الله منظمة إرهابية ينسب لها العديد من الهجمات وعمليات الاختطاف في جميع أنحاء العالم"، مضيفا "تتبنى المنظمة أنشطة إجرامية وتخطط لهجماتها على الأراضي الألمانية، وجزء من مسؤوليتنا التاريخية اتخاذ جميع التدابير الممكنة لحماية سيادة القانون".
وبذلك، باتت كل أنشطة حزب الله في الأراضي الألمانية محظورة بقوة القانون، بما يشمل حظر رفع علم الحزب في أي تظاهرات أو فعاليات.
ولا يتوقف الأمر عند ذلك، حيث منحت الحكومة الادعاء العام الضوء الأخضر للتحقيق في كل أنشطة حزب الله في ألمانيا.
كما نفذت الشرطة الألمانية مداهمات في 30 أبريل/نيسان الماضي، ضد عناصر ومؤسسات حزب الله في 4 ولايات بينها برلين، وفتشت العديد من المباني التابعة له في إطار التحقيقات وجمع الأدلة بشأن أنشطة الحزب الإجرامية في ألمانيا.
وتضم شبكة "حزب الله" في ألمانيا 1050 قياديا و30 منظمة ومسجدا وجمعية خيرية، وتعمل على جمع التبرعات والتجنيد ونشر "البروباجندا"، إلى جانب الاتجار في المخدرات وغسيل الأموال، وفق تقارير هيئة حماية الدستور "الاستخبارات الداخلية" في ألمانيا.
النمسا.. إجراءات قوية
وفي 30 مايو/أيار الماضي، أصدر البرلمان النمساوي توصية غير ملزمة للحكومة باتخاذ إجراءات قوية ضد أنشطة "حزب الله" في البلاد.
ونصت التوصية البرلمانية على أن "الفصل بين الجناحين العسكري والسياسي لحزب الله غير مبرر، فحزب الله منظمة إرهابية بالكامل".
وتابعت: "جهود الحكومة النمساوية المضنية لمكافحة أنشطة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب الذي يقوم به حزب الله على الأراضي النمساوية، محل ترحيب كبير، لكننا بحاجة إلى إجراءات أخرى أكثر قوة".
وأضافت: "نطالب الحكومة النمساوية باتخاذ التدابير المناسبة والفعالة ضد الأنشطة الإرهابية والإجرامية من قبل أنصار حزب الله في النمسا". وأضافت "نطالب الحكومة بمنع تمويل حزب الله من خلال أنشطة غسيل الأموال، والعمل على إعادة تقييم أنماط التعامل مع حزب الله داخل الاتحاد الأوروبي".
وتأتي هذه الخطوة لتزيد الضغط على حزب الله في النمسا، بعد أن اتخذت البلاد قرارا في مارس/أذار 2019، بحظر استخدام شعارات أو أعلام حزب الله في أراضيها.
فيما تواصل حملة "أوقفوا القنبلة" التي تضم اساتذة جامعات ونشطاء حقوقيون، الضغط على الحكومة النمساوية، لحظر حزب الله بالكامل في البلاد.
بروكسل في مرمى الضغوط
بصفة عامة، تحظر 3 دول أوروبية فقط حزب الله، وهي هولندا وبريطانيا وألمانيا. فيما يفصل الاتحاد الأوروبي منذ يوليو/تموز 2013، بين جناحي الحزب السياسي والعسكري، حيث يصنف الأخير إرهابيا ويحظره، لكن لا يصف الجناح الأول بنفس الوصف، بداعي الحفاظ على قنوات اتصال مع حكومة لبنان الذي يعد الحزب جزءا منها.
لكن هذا الموقف يضع بروكسل في مرمى انتقادات وضغوط لا تنقطع، ومطالبات مستمرة بحظر حزب الله بشكل كامل.
وقبل أيام، أرسل 236 من النواب البرلمانيون في الولايات المتحدة وكندا، خطاب مفتوح إلى مؤسسات الاتحاد الأوروبي في بروكسل، يدعونها إلى إلغاء التمييز بين الذراع السياسية لحزب الله، المسموح لها بالعمل عبر القارة، وذراعه العسكرية، المصنفة منظمة إرهابية.
وطالب النواب الاتحاد الأوروبي بإدراج حزب الله بأكمله منظمة إرهابية وحظر أنشطته بالكامل في الدول الأوروبية.
ولم تكن هذه أول الضغوط على الاتحاد الأوروبي، حيث دعا نائب رئيس البرلمان الأوروبي نيكولا بير، مؤسسات التكتل إلى حظر حزب الله بالكامل.
وقال بير في تصريحات صحفية في مايو/أيار الماضي: "حظر ألمانيا لحزب الله اللبناني خطوة طال انتظارها، والآن يجب أن يتبع تلك الخطوة بشكل سريع، حظر كامل لأنشطة الحزب في كل الاتحاد الأوروبي".
وتابع: "من غير المقبول أن يواصل حزب الله الظهور والتحرك بحرية في أوروبا". وأضاف "لا يزال الاتحاد الأوروبي يفصل بين الجناحين العسكري والسياسي لحزب الله، وهذا يمنح مؤسسات ومنظمات الحزب الثقافية الفرصة للتحرك بحرية في أوروبا، ونشر الكراهية وممارسة التحريض".
وفي 22 يناير/كانون الثاني الماضي، طالب ريتشارد غرينل السفير الأمريكي السابق في برلين والسياسي المقرب من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الاتحاد الأوروبي بحظر حزب الله بالكامل ووقف التعامل معه نهائيا.
ورغم أن بروكسل لم تتخذ قرارا بعد حيال حزب الله حتى اليوم، فإن صحيفة "دي فيلت" الألمانية قالت في تقرير نشرته مؤخرا إن "مكافحة خطر حزب الله في أوروبا تكسب زخما جديدا يوما بعد يوم"، متوقعة أن تسير دول أوروبية أخرى في نفس مسار ألمانيا وهولندا وبريطانيا، وتحظر الميلشيا اللبنانية في الفترة المقبلة.
aXA6IDEzLjU4LjE4LjEzNSA= جزيرة ام اند امز