انتخابات بريطانيا.. غزة تختبر العلاقة بين المسلمين وحزب العمال
لا تزال غزة تمثل القضية الانتخابية الأكثر سخونة في السباق البرلماني البريطاني، وتلقي بظلالها على حظوظ الباحثين عن السلطة.
وبما أن استطلاعات الرأي تسير لصالح حزب العمال على حساب "المحافظين"، فإن الكثير من المسلمين وغيرهم، يشعرون بالغضب إزاء موقف المعارضة من الحرب الإسرائيلية المستمرة في قطاع غزة، منذ أكتوبر/تشرين الأول الماضي.
ورغم التوقعات الإيجابية لصالحه في الانتخابات التي تشهدها بريطانيا، غدا الخميس، أثار رفض زعيم حزب "العمال" كير ستارمر دعم وقف إطلاق نار غير مشروط في غزة، انقساماً بين الناخبين المسلمين، الذين يدعمون تقليدياً وبشكل كبير حزب يسار الوسط.
وفي استطلاع للرأي، صوّت حوالى أربعة من كل خمسة مسلمين بريطانيين لصالح العمال، عام 2019، في تجسيد لإرث من الروابط التاريخية بين الحزب والمهاجرين لهذا البلد.
غير أن استطلاعاً حديثا أفاد بأن واحدا من كل خمسة من هؤلاء الناخبين سيصوت للحزب في انتخابات الخميس، الأمر الذي قد يحمل تأثيرا مهما على النتائج في بعض الدوائر الانتخابية التي تضم جالية مسلمة كبيرة، مثل برادفورد ويست، وكيغلي وإيلكي في يوركشاير.
ويقول مرشح حزب العمال جون غروغان الذي التقته وكالة فرانس برس في مكتبه في كيغلي "من المؤكد أن هذه مشكلة، ولكنني آمل أنه مع تقدم الحملة الانتخابية سأتمكن من الاحتفاظ بحزء كبير من أصوات الناخبين المسلمين الذين يشعرون بقلق إزاء هذه القضية".
وكان زعيم حزب العمال كير ستارمر، قد جعل من مكافحة معاداة السامية أولوية عندما تولى رئاسة الحزب في 2020.
كما تبنّى موقفا ثابتا في دعم إسرائيل بعد السابع من أكتوبر، فيما مثّل تقاربا مع موقف حكومة المحافظين بقيادة ريشي سوناك.
"اخجلوا من أنفسكم"
ومثل زملائها في الدوائر الانتخابية الأخرى المؤيدة بشدة للفلسطينيين، قللت النائبة في البرلمان البريطاني ناز شاه، من شعارات حزب "العمال" في حملتها الانتخابية.
وبينما كانت مجموعة صغيرة من المتطوعين الذين كانوا يقومون بحملة لصالح ناز شاه، صرح رجل بغضب "يجب أن تخجلوا من أنفسكم"، بحسب ما طالعته "العين الإخبارية" في صحيفة "بوليتيكو"
ومنذ 2015، تشغل شاه منصب نائب حزب العمال عن برادفورد ويست، وهي مدينة صناعية في شمال بريطانيا.
وهي شخصية معروفة وشعبية، حيث فازت في الانتخابات الأخيرة بنسبة كبيرة بلغت 76.2% من الأصوات المحلية.
ومع توقع تحقيق حزب العمال نجاحات ساحقة في الانتخابات العامة التي تشهدها بريطانيا، غدا الخميس، فمن المفترض أن تكون في طريقها نحو النصر.
واعترفت شاه بأن المشكلة تكمن في أن العديد من أنصارها المسلمين يشعرون "بالخيانة" من قِبَل الحزب الذي صوتت مجتمعاتهم لصالحه تقليديا، ولكنهم يعتقدون أنه ببساطة "لم يعد وطنهم".
وقالت: "أمامنا طريق طويل لنقطعه من أجل إعادة بناء هذه الثقة".
وفي مجتمعات كهذه، تقول صحيفة "بوليتيكو"، إن حرب غزة تلقي بظلالها على كل شيء. ويشعر الناخبون من اليسار وفي المجتمعات المسلمة بالغضب من تأخر حزب العمال في مطالبة إسرائيل بوقف إطلاق النار في غزة، وهم مصممون على إسماع أصواتهم.
وعلى الرغم من أن حزب العمال لا يزال في المعارضة، وبالتالي ليس له رأي في السياسة الخارجية لبريطانيا، حتى انتخابات يوم الخميس، على الأقل، توقع العديد من المناصرين للقضية الفلسطينية، موقفا مماثلا من قادة الحزب.
حظوظ "العمال" في معاقل المسلمين
وبرادفورد ويست هي واحدة من الدوائر الانتخابية ذات الأغلبية المسلمة في المناطق الحضرية في بريطانيا، حيث يسود الشعور بالغضب بشكل كبير.
ونتيجة لذلك، فإن شاه، باعتبارها من أبرز النواب المسلمين في البرلمان، والتي كانت مدافعة منذ فترة طويلة عن الحقوق الفلسطينية، تجد نفسها الآن تتوسل للناخبين حتى لا يسحبوا دعمهم.
وخلال يوم مضطرب من الحملة الانتخابية، رصدت "بوليتيكو" متظاهرين يتهمون شاه بشكل مباشر بدعم "قتل الفلسطينيين" من خلال بقائها مرشحة لحزب العمال ودعم زعيمه كير ستارمر.
ولا يزال الناخبون من المجتمعات المسلمة والمؤيدين للقضية الفلسطينية، يتذكرون اقتراح ستارمر في مقابلة إذاعية، في الأسابيع التي تلت هجوم حماس في 7 أكتوبر، بأن لإسرائيل الحق في قطع الكهرباء والمياه عن غزة.
وقد تمت مشاركة هذا المقطع على وسائل التواصل الاجتماعي وفي مجموعات الواتساب كدليل مفترض على نهج ستارمر، على الرغم من المحاولات المحمومة التي قام بها الزعيم للتراجع. وفق بوليتيكو.
إنذار من خارج الوسط المسلم
ولا يقتصر الغضب على المجتمعات المسلمة في بريطانيا فقط.
ففي بريستول سنترال، هناك احتمال كبير لإطاحة أحد كبار مساعدي ستارمر من قبل خصم مختلف، حزب الخضر اليساري.
ثانغام ديبونير، وزيرة ثقافة الظل في حزب العمال، تحصل حاليا على أغلبية كبيرة تبلغ 28219 صوتا، بحسب استطلاعات الرأي.
لكنها مثل شاه، تحققت أكبر نجاحاتها عندما كان حزب العمال بقيادة جيريمي كوربين، يترشح على منصة يسارية متشددة.
بون داولر، البالغة من العمر 22 عاماً وتعمل في أحد مطاعم بريستول، هي أيضا من بين أولئك الذين يشعرون "بالخيانة" من قبل الحزب، مشيرة إلى رفض حزب العمال التصويت لصالح وقف إطلاق النار في نوفمبر الماضي.
وقالت: "كانت هذه هي المرة الأولى التي اعتقدت فيها أنني بحاجة إلى بديل"، لافتة إلى أنها ستصوت الآن لصالح حزب الخضر.