الإمارات وجهة مفضلة للمليونيرات.. الثانية عالميا في نمو عدد الأثرياء خلال عقد

تواصل دولة الإمارات ترسيخ مكانتها كوجهة عالمية جاذبة للأثرياء، بفضل بيئة ضريبية مرنة، وسياسات اقتصادية محفزة، جعلتها من أبرز مراكز استقطاب رؤوس الأموال عالميا.
ومن خلال عدم فرض ضرائب على الدخل، ودعم بيئة الأعمال، وتوفير الاستقرار القانوني، نجحت الإمارات في جذب آلاف المليونيرات، لتصبح ثاني أسرع الدول نموا في عدد الأثرياء خلال العقد الأخير.
وفقا لتقارير حديثة، قرر جون فريدريكسن، وهو من أغنى أثرياء بريطانيا، أن يغادر البلاد بسبب ارتفاع الضرائب، ضمن موجة نزوح للمليونيرات.
وكشف تقرير نشرته مجلة فوربس عن أن قرار فريدريكسن يأتي في حين تواجه المملكة المتحدة تحديات في جذب واحتفاظ الأثرياء، بينما دول مثل الإمارات والجبل الأسود تجذب ثروات جديدة بسياسات ضريبية مشجعة. وكان فريدريكسن، بحسب التقرير، رمزا لهذا التحول الاقتصادي العالمي.
ووفقًا لأحدث تقرير من شركة Henley & Partners، تشهد المملكة المتحدة نزوحًا كبيرًا للمليونيرات والمليارديرات، حيث من المتوقع أن يغادر حوالي 16500 شخص من أصحاب الثروات العالية (الذين يملكون أصولا تزيد قيمتها عن مليون دولار) البلاد هذا العام وحده. وهذا النزوح يجعل المملكة المتحدة الدولة الوحيدة بين أكبر 10 دول أغنى في العالم التي شهدت انخفاضًا في عدد المليونيرات خلال العقد الماضي.
إصلاحات منفرة
ووفقا لتقرير موقع فوربس، على الرغم من احتلالها المرتبة الخامسة عالميًا من حيث عدد الأفراد الأثرياء، تواجه بريطانيا عواقب عدة إصلاحات ضريبية حديثة جعلتها أقل جاذبية للمستثمرين والأثرياء.
من بين هذه التغييرات زيادة الضرائب على الميراث، وفرض ضريبة القيمة المضافة بنسبة 15% على رسوم المدارس الخاصة، وتعديلات في نظام الضرائب القائم على الإقامة. وهذه الإجراءات، التي تهدف إلى زيادة إيرادات الحكومة، أدت بشكل غير مقصود إلى دفع الأغنياء إلى البحث عن وجهات أخرى أكثر ملاءمة.
وجاءت مغادرة فريدريكسن في سياق قائمة متزايدة من المليارديرات البارزين الذين غادروا بريطانيا بحثًا عن بيئات ضريبية وتجارية أكثر ملاءمة.
ومن بين المغادرين حديثًا: الملياردير الألماني كريستيان أنغيرماير الذي انتقل إلى مركز سويسري مزدهر للعملات الرقمية، والملياردير المصري ناصف ساويرس، مالك نادي أستون فيلا الإنجليزي، الذي استقر في إيطاليا. وهذا الاتجاه يبرز التحديات التي تواجهها المملكة المتحدة في الحفاظ على أثريائها في ظل التغيرات العالمية في الفرص الاقتصادية والأنظمة الضريبية.
هجرة المليونيرات
في الوقت الذي تفقد فيه المملكة المتحدة ثرواتها، تشهد دول أخرى زيادة مذهلة في أعداد المليونيرات. وتتصدر الجبل الأسود قائمة الدول بزيادة قدرها 124% في عدد المليونيرات خلال العقد الماضي. ويُعزى ذلك إلى سياسات ضريبية مشجعة، وجمال شواطئها، وسمعتها المتزايدة كوجهة فاخرة.
كما تأتي دولة الإمارات العربية المتحدة في المرتبة الثانية بنمو 98%، مدعومة بسياسة عدم فرض ضرائب على الدخل، وبيئة أعمال جاذبة، وموقع استراتيجي كمركز عالمي للتجارة والتمويل. وتليها مالطا التي شهدت زيادة بنسبة 87%، تليها الولايات المتحدة بنفس النسبة، ثم الصين التي سجلت نموًا بنسبة 74%، مما يعكس توسع الطبقة الغنية والمتوسطة العليا.
أما من حيث الأعداد المطلقة، فمن المتوقع أن تستقبل الإمارات 9800 مليونير جديد هذا العام، وهو أكبر عدد لأي دولة في العالم. ومن المتوقع أن تجلب هذه الثروات ما يقدر بـ63 مليار دولار، مما يعزز مكانة الإمارات كمغناطيس عالمي للثروات.
وترتبط علاقات فريدريكسن بالمملكة المتحدة بملكيته للعقار التاريخي المعروف بـ"البيت القديم" في تشيلسي بلندن، وهو عقار فاخر ذو تاريخ عريق. ويعود تاريخ المبنى إلى عشرينيات القرن الثامن عشر، وكان مقرًا للقسيس في كنيسة تشيلسي التي تأسست عام 1157. وقد جُدد العقار بشكل كبير في التسعينيات، ثم بيع عام 1995 للملياردير اليوناني ثيودور أنجيلوبولوس مقابل 30 مليون دولار (22 مليون جنيه إسترليني)، وكان حينها واحدًا من أكبر وأغلى صفقات العقارات في لندن.
واشترى فريدريكسن البيت القديم في 2001 مقابل 50 مليون دولار (37 مليون جنيه استرليني)، مما رسخ مكانته ضمن كبار مالكي العقارات الفاخرة في لندن. وفي عام 2004، رفض عرضًا غير مطلوب بقيمة 135 مليون دولار (100 مليون جنيه استرليني) من رجل الأعمال الروسي رومان أبراموفيتش، ما يعكس قيمة العقار وأهمية هذا الموقع بالنسبة له. يقف هذا العقار كشاهد على الثروات المتجمعة من صناعات الشحن والنفط، والهيبة المرتبطة بامتلاك عقارات تاريخية في لندن.
ويبلغ عمر جون فريدريكسن الآن 81 عامًا، وهو يحمل الجنسية القبرصية، ويحتل المرتبة 136 بين أغنى أغنياء العالم بحسب مجلة فوربس. تقدر ثروته الصافية بـ17.3 مليار دولار، والتي جمعها بشكل رئيسي من أعمال النفط والشحن. وعلى مدى عقود، بنى إمبراطورية ضخمة تشمل ناقلات النفط، وسفن البضائع الجافة، وسفن الغاز الطبيعي المسال، ومنصات الحفر البحرية العميقة.
وبفضل مهاراته في إدارة الأعمال، استطاع فريدريكسن التكيف مع تقلبات سوق الطاقة والنقل البحري، مما أضمن استمرار هيمنة شركته. وهو يستعد الآن لتسليم إدارة إمبراطوريته إلى توأميه، سيسيلي وكاثرين فريدريكسن، لضمان استمرار الإرث العائلي.
ماذا يعني هذا للمملكة المتحدة؟
ومغادرة فريدريكسن وآخرين ترسم صورة أوسع للتحديات التي تواجه الحكومة البريطانية وصانعي السياسات: كيفية الاحتفاظ بالأثرياء وجذبهم، فهم يلعبون دورًا كبيرًا في الاقتصاد من خلال استثماراتهم وأعمالهم الخيرية وخلق الوظائف. فالزيادة في الأعباء الضريبية والسياسات المالية المتغيرة، رغم هدفها المتمثل في تحقيق العدالة وزيادة إيرادات الدولة، قد تدفع الطبقة الثرية إلى البحث عن بيئات أكثر ملاءمة خارج المملكة المتحدة.
والمملكة المتحدة، التي تتمتع بمكانة فريدة كمركز مالي عالمي وعاصمة ثقافية، تواجه منافسة متزايدة من دول تقدم أنظمة ضريبية أكثر جاذبية ومستويات معيشة أفضل. مع اختيار المزيد من المليونيرات والمليارديرات للانتقال إلى الإمارات وسويسرا وإيطاليا والجبل الأسود، سيتوجب على المملكة المتحدة إيجاد توازن دقيق بين سياساتها الضريبية وتحفيزاتها لتشجيع الأغنياء على البقاء والاستثمار.
حتى ذلك الحين، تظل مغادرة شخصيات مثل فريدريكسن تذكيرًا واضحًا بأن الثروة أصبحت أكثر حركة في عالم معولم، حيث يمكن لرأس المال والمهارات أن تتجه إلى حيث تتوفر أفضل بيئة للنمو.