رحلة "المال الأسود" لـ"الإخوان".. كيف قطعت مصر أيادي التخريب؟ (2)
دراسة حديثة تكشف أسرار التنظيم..
بعد الإطاحة بنظام الإخوان المسلمين في عام 2013، ظهر جلياً دور أموال الإخوان في إدارة صراعهم ضد الدولة المصرية.
كما بدا واضحا أن الكيانات الاقتصادية التي أسسوها قبل عقدين، لم تكن مجرد عمل تجاري يستهدف الربح، بل كانت رأس الحربة في الحرب الاقتصادية الداخلية ضد الدولة ومؤسساتها بغرض اسقاطها.
إضافة لكونها المحفظة المالية الأساسية في تمويل العمليات الإرهابية، وقد أبدى التنظيم مهارات إدارية عالية تمثلت في قدرتهم على تغيير مسارات التمويل والتخفي عن الأجهزة الأمنية وخلق وصنع كيانات اقتصادية بديلة عن تلك التي تم اكتشافها أو تمت مصادرتها.
رغم عدم وجود حصر شامل لكل ما تملكه الجماعة وقيادتها، لكن من المؤكد أن جميع أموال الجماعة وُضِعت في حسابات خاصة لرجال أعمال منتمين للجماعة وهم الذين يتولون مهام تمويلها.
لما لهم من علاقات خارجية تمكنهم من مد خيوط علاقات دولية تتشابك مع حركة ومصالح أجهزة استخبارات دولية من جهة، وشبكة مصالح اقتصادية هائلة شديدة التعقيد والتشابك من جهة أخرى.
وقد يكون من الصعب الإلمام بطبيعة المؤسسات الاقتصادية المعنية بحركة أموال الإخوان المعقّدة، لكنها ضرورة لفهم تجربة جماعة الإخوان في بناء الدولة الموازية، ولتوضيح خطورة تنامي اقتصاديات الإخوان على الدولة الوطنية الموحدة.
فحجم اقتصادات الإخوان الذي كشفته الأجهزة الأمنية وحسب ما أعلنته لجنة مصادرة أموال الإخوان في عام 2017 يؤكد خطورة ترك ملف اقتصاديات الاخوان دون بحث عميق لدراسة من أين بدأ وكيف نمى وإلى أين ينتهي؟
فتعدد كيانات الإخوان وتداخلهم بالمجتمع لم يتم بشكل عشوائي، بل تم بعد دراسة اجتماعية اقتصادية استهدفت الاقتراب من فئات بعينها بالمجتمع والاستفادة من ثغرات في البنية الاجتماعية للنفوذ إلى مفاصل الدولة.
بيانات مصادرة أموال الإخوان
بالنظر لما جاء في بيان لجنة المصادرة "أن المبالغ التي تم التحفظ عليها وصلت إلى ١٧٦ مليون جنيه، و١١٦٦جمعية، و٤٦٠ سيارة، و٣١٨ فدانًا.
كما تم التحفظ على ١٦٦مدرسة و١٠٧٠جمعية و٨٧ مستشفى و٥٢٦ شركة، و٩٥٧ شخصًا منع من التصرف في أموالهم".
وبتحليل نوع الشركات المتحفظ عليها وجد أن 23 شركة منها نعمل في مجال الأدوية والمستلزمات الطبية، وعدد41 شركة تعمل في مجال البناء ومستلزمات بناء أو الشركات هندسية.
إضافة إلى 28 شركة استيراد وتصدير، و4 شركات أنظمة، و19 شركة طباعة وإعلان، و9 شركات سياحة، وشركة واحدة للإنتاج الإعلامي، و5 شركات صرافة.
هذا خلاف مجموعة من الشركات مختلفة الأنشطة، كل هذه الشركات وغيرها يؤكد أننا أمام اقتصاد متكامل.
فضلا عن كونه مدعوم وموجه ولا يعتمد في حركته على القدرات المالية للتنظيم، ولا على مهارة العاملين بها، فضخامة الكيانات الاقتصادية وتركيزها في المجال التعليمي والطبي وشركات الاستيراد مع الصرافة وشركات السياحة كل هذا يسهل عملية التواصل مع الجهات الممولة للإخوان من جانب، ويساعد في عملية اختراق المجتمع فكرياً وتنظيماً وسياسياً.
بداية رحلة اقتصاد الإخوان
تبدأ قصة أموال الإخوان وكياناتهم التجارية، منذ النشأة والتأسيس، فقد أدراك مبكراً حسن البنا مؤسس الجماعة ومرشدها الأول أهمية وجود كيانات اقتصادية، لهذا أسس أكثر من عشرين كيان مالي.
وفي غضون 15 عام من بداية تركيز دعوته في القاهرة عاصمة البلاد، رغم عدم منطقية التوسع في إنشاء مدارس ومعاهد ومساجد وبما لا يتناسب مع القدرات المالية للجمعية الوليدة، ودون أن يكون له غطاء اقتصادي أو مالي واضح فكثير من اتباعه كانوا من العمال البسطاء.
مما أثار شبهات لاحقت الجماعة حتى الآن حول مصادر أموال الجماعة، الذي لم ينم بشكل طبيعي حسب قواعد السوق والعرض والطلب.
بل شهدت بعض شركات الاخوان تصاعد غير مبرر لقيمة رأس مال الشركة، يشير بوضوح إلى أن ثمة يد مالية ثقيلة ساهمت بحشد المزيد من الموارد المالية للجماعة.
فعلى سبيل المثال رأس مال شركة المعاملات المالية وقت إنشائها (1938) كان لا يتجاوز أربعة آلاف جنيه مقسمة على ألف سهم.
وكل سهم تم تقسيطه على أربعين شهر بواقع عشرة قروش شهريًّا تيسيرًا على الأعضاء، أما في عام 1941 أي في ثلاثة أعوام فقط تضاعف رأس مال الشركة خمس أضعاف ليصبح 20 ألف جنيه.
وتضاعف مرة أخرى عام 1945 ليصبح 50 ألف جنيه، بواقع اثنا عشر ألف سهم وخمسمائة، ما يعني أن الاكتتاب كان ستاراً لعملية تمويل الجماعة، أو لغسيل الأموال التي تأتيهم من جهات سرية ومريبة.
ظلت الجماعة تتلقى الأموال وتنمي قدراتها الاقتصادية دون أن تلتفت أو تحاول نفي التهمة حتى أصبح المال أحد أهم مناطق القوة في الجماعة، والتي جعلها قادرة على الاستمرار، والتجديد وتخطي محاولات القضاء عليها أمنياً.
من هنا حرص التنظيم على العمل في ملف الاقتصاد بثلاث محاور الأول طمس المعلومات والآثار التي تثبت تلقيهم أمولا من جهات غير معلومة، الثاني الاهتمام بتنمية قدرات الكيانات الاقتصادية لتقوم بمهمات أكبر من مجرد ان تكون وعاء مالي للإنفاق على الجماعة الى دور مساند في التوغل داخل المجتمع والسيطرة على الدولة، الثالث تكوين طبقة من رجال الاعمال يمكن أن يقيموا مؤسساتهم وكياناتهم التجارية باسمهم دون اثارة للشبهات.
وبدأ الإخوان في السبعينات عهد جديد امنيا وسياسيا واجتماعيا، ولكن الجماعة لم تكن قد تعافت من مرحلة الستينات وتفكك التنظيم وتهاوي الأيديولوجية الإخوانية، فتخفوا خلف شركات توظيف الأموال وشخصيات إسلاموية ليست من داخل التنظيم لكنها قادرة على تطبيق وتنفيذ مطالب الإخوان.
وفي مرحلة الثمانينات كانت قدرات الجماعة وضحت، وشكلها التنظيمي اصبح أكثر قوة وتماسكاً، فدخلت عهداً اقتصادياً جديداً، وظهرت بوادر اول طبقة من رجال الأعمال الاخوان وهم (خيرت الشاطر وحسن مالك وعبد الرحمن سعودي ومدحت الحداد وخالد داود وغيرهم كثير من شباب السبعينات) فبعد عودة الشاطر من لندن أسس شركة سلسبيل للحاسبات في نهاية الثمانينات.
لم يكن خيرت الشاطر صاحب خبرة اقتصادية كبرى ولم يكن العمل التجاري ضمن مسار تفكيره، بل عندما فصل من عمله عام 1981 سافر إلى اليمن ومن هناك إلى المملكة العربية السعودية ثم استقر في إنجلترا، ثم عاد عام 1987 كرجل أعمال واقتصادي إخواني يحظ بصقة كبيرة من سدنة التنظيم.
في هذا الوقت من الثمانينات كان الإخوان قد توغلوا في النقابات المهنية وسيطروا على العديد منها، فعقد عناصر الاخوان (النقابيين) اتفاق مع شركات الإخوان تنظيم معارض للأجهزة الكهربائية والسلع المعمرة لأعضاء النقابة.
وأن تدقع النقابة – من ميزانية النقابة_ ثمن السلع وتقوم بتقسيطها لأعضائها باعتبار أن هذه خدمة لهم، لاقت تلك المعارض انتشارًا واسعًا رغم المبالغة في الأسعار.
إلا أن الأحوال الاقتصادية المتعثرة لدى العديد من البسطاء ومتوسطي الحال، دفعت العديد من أعضاء النقابات وأقاربهم للتعامل مع تلك المعارض للاستفادة من التقسيط، بفضل هذه الخطوة تمكنت شركات الإخوان من الظهور وسط الاقتصاديين كأصحاب تجربة اقتصادية ناجحة وقوية نوعاً ما.
توغل الإخوان الاقتصادي
استمر الإخوان في تنمية قدراتهم الاقتصادية والتوغل في الأسواق المالية إلى نهاية التسعينات، ولم تنتبه الدولة المصرية لتلك الخطوة وظل الخلاف سياسيًا بين الجماعة وقيادة الدولة، وأمنياً بينها وبين والأجهزة الأمنية المصرية.
غير أن ثمة عامل طرأ أثر على شكل ودرجة الخلاف مع الدولة المصرية، فبعد الاجتماع الذي عرف (بلقاء النادي السويسري) الذي تم عام 2002.
والذي طرح الإخوان فيه أنفسهم بديلا عن نظام (دولة مبارك) الحاكم وقتها، ثم جاءت انتخابات 2005، وأدارت الجماعة الانتخابات التشريعية كأنها البديل المؤكد القادم.
ثم كانت واقعة العرض العسكري للإخوان في جامعة الأزهر في ديسمبر عام 2006، الذي أكد أن تنظيم الإخوان لم يكن مجرد تنظيم غير قانوني يعمل في مجال السياسة هدفه تقديم برامج بديلة للمشاركة أو حتى للوصول للحكم، بل ظهر كتنظيم بديل ومناقض للدولة الوطنية الحديثة.
على أثر مظاهر الاستعراض قامت الدولة المصرية في تطور نوعي أمني وقضائي، باستهداف المؤسسات الاقتصادية ورجال الأعمال الإخوان ومحاصرة أموالهم وشركاتهم، بعد اكتشافها عمليات غسيل أموال تتم داخل هذه الشركات، ورغم نفي الجماعة المستمر لهذه التهم إلا أن القضاء حسم الأمر، وأصدر أحكامه القضائية.
إدانة عامة
فأدان 25 قيادي إخواني بتهمة غسيل الأموال، وصدر بحقهم أحكاماً بالسجن لمدد تتراوح بين الثلاث والعشر سنوات عام 2008، كما حكمت بإغلاق عدد 68 شركة منها 15 شركة مساهمة.
صعد الإخوان للحكم بعد أحداث 25 يناير 2011، لعب مال الإخوان السري والمعلن دورًا كبيراّ في تمكينهم واحتلالهم صدارة المشهد السياسي.
وكشف الإخوان عن قدراتهم الاقتصادية، وطرحوا مؤسساتهم كبديل عن الدولة في عقد اتفاقيات مع دول إقليمية مثل تركيا بزعم أنهم القوة السياسية الإقليمية المقبولة شعبياً، توجس الاقتصاديين التقليدين من توجهات الاخوان المالية.
فحسب تصريحات لوكالة رويترز أفاد محمد أبو باشا الخبير الاقتصادي المصري أن الأسواق المالية مضطربة نظرا لغموض تبني الاخوان اراء اقتصادية غير واضحة، فلا يزالوا لم يوضحوا سياساتهم الضريبية او خطتهم لرفع معدل النمو الاقتصادي في البلاد أو خفض العجز"
وكان واضحاً أن قدرات المؤسسات الاقتصادية التي يمتلكها الإخوان كبيرة للغاية، أكبر مما تم اكتشافه في عام 2008 مما يعد اقتصاداً موازياً للدولة.
خطر على المجتمع
ويمثل خطراً على المجتمع وعلى الدولة، قام عناصر الإخوان بتحويل الأموال اللازمة للجماعة عبر مجموعة من العمليات الاقتصادية المعقدة.
تمت تحت ستار صفقات تجارية ومعاملات بنكية وهي عملية يجيدها الإخوان تماما من خلال شبكة شركات يملكونها في أماكن شتى من العالم، توفر هذه الشبكات المالية الوسائل والطرق التي تساهم في نقل قدر كبير من الأموال السائلة للجماعة، للقيام بهدم الدولة وإعادة هيكلتها وفق تصوراتها الإيديولوجية.
وفي تلك الاثناء تناول العديد من بعض الكتاب أن ثمة أموال تم ضخها في حسابات رجال الأعمال الإخوان تجاوزت المليار دولار من الإدارة الأمريكية وحدها، وأن ثمة توظيف أمريكي للإخوان وللإسلام السياسي بالمنطقة، من أجل هذا تم إخفاء تلك الأموال في مؤسسات إخوانية للإنفاق على العمليات الانتخابية والدعائية والمقرات حزب الحرية والعدالة الذراع السياسي للإخوان بمصر.
ثار الشعب المصري على حكم الإخوان في 30 يونيو 2013، رفض الإخوان الثورة ودعوا أتباعهم لتمركزهم في ميدان رابعة والنهضة، هنا ظهرت القدرات المالية والوجه الآخر لدور مؤسسات الإخوان الاقتصادية.
تم الانفاق بكثافة على الأنشطة اليومية لمعسكري رابعة والنهضة بشكل مبالغ فيه، وتم استئجار بلطجية ومثيري الشغب وبعض الأسلحة إما لاستعاد الحكم أو لإسقاط الدولة، وبعد الفض وإنهاء بؤرة رابعة المسلحة، فر العديد من الاخوان للخارج وتم تكليف اخرين بالاستمرار في العمليات الإرهابية المسلحة
مواجهة المؤسسة الاقتصادية للإخوان
فقامت المؤسسات الاقتصادية الإخوانية بتأسيس أوعية مالية في الدول التي تمركزوا فيها، للإنفاق على إدارة التنظيم من الخارج.
كما أنفق الإخوان من أموالهم المخبأة على العمليات الإرهابية بكثافة، واجهت الدولة المصرية تلك الحملة الشرسة، وأصدرت العديد من القوانين التي من شأنها تجفيف منابع الجماعة وأضعاف قدراتها الإرهابية.
فقامت المؤسسة التشريعية المصرية بإصدار القانون 94 لسنة 2015 لمكافحة الإرهاب، ثم قانون رقم 15لسنة 2020 المعدل لقانون مكافحة الإرهاب.
وفيهما تم تعريف الأموال والأصول، وتم تحدد ما هي الجماعة الإرهابية ومن هو الإرهابي، وما طبيعة فعل الإرهاب.
كذلك تم تحدد المقصود بتمويل الإرهاب بشكل دقيق أنه: "جمع أو تلق أو حيازة، أو إمداد، أو نقل، أو توفير أموال، أو أصول أخرى أو أسلحة أو ذخائر أو مفرقعات أو مهمات أو آلات أو بيانات أو معلومات.
أو مواد أو غيرها لأي نشاط إرهابي فردي أو جماعي منظم أو غير منظم في الداخل أو الخارج، بشكل مباشر أو غير مباشر، أيا كان مصدره وبأي وسيلة كانت بما فيها الشكل الرقمي أو الإلكتروني.
وذلك بقصد استخدامها كلها أو بعضها في ارتكاب جريمة إرهابية أو العلم باستخدامها، سواء وقع الفعل الإرهابي أم لم يقع، أو بتوفير مكان للتدريب، أو ملاذ آمن لإرهابي، أو أكثر، أو تزويده بأسلحة، أو مستندات، أو غيرها، أو بأي وسيلة مساعدة أخرى من وسائل الدعم أو التمويل أو السفر مع العلم بذلك ولو لم يكن لها صلة مباشرة بالعمل الإرهابي".
وفي المادة 47 من هذا القانون نصت صراحة أن على السلطات المختصة اتخاذ التدابير التحفظية اللازمة، بما في ذلك تجميد الأموال أو الأصول الأخرى، والمنع من التصرف فيها أو إدارتها، أو المنع من السفر".
قرار المصادرة
قامت الدولة بمصادرة ممتلكات الإخوان سواء الشركات المملوكة للجماعة أو لأفراد حسب قانون الإرهاب، لكل من ثبت اشتراكهم في عمليات عنف وثبت انتمائه للجماعة، عندها غيروا استراتيجية المواجهة.
ونظرًا للخسائر الكبيرة في عناصر الإخوان سواء بالوفاة أو بإلقاء القبض عليهم بعد قيامهم بالعمليات المسلحة، فاكتفوا بالتحريض عبر وسائل المحطات الفضائية التابعة لهم وعبر مواقع التواصل الاجتماعي، مع الاستمرار في تقديم شكاوى كيدية في المحافل الدولية، وقامت مؤسسات الجماعة بالإنفاق على تلك الأنشطة بإسراف واضح، ومن ثم أضيف دور جديد للمؤسسات المالية الإخوانية، تمثل في التمرس بالاقتصاد داخل الدول الجديدة التي فر اليها الإخوان لتكون ستاراُ قانونياً يبرر وجودهم.
لا شك أن تنظيم جماعة الإخوان أصبح يمتلك مؤسسات مالية كبيرة لا تتناسب مع قدراته التنظيمية والاقتصادية، ومن المحتمل أن ثمة يد قوية غريبة تمده بالمساندة والمساعدة، فكلما تمت مصادرة كيانات الجماعة التنظيمية تمكنوا من إقامة غيرها لم تضعف المصادرة الجماعة ولا رصيدها فقد تلقت أموالاً في تلك الفترة من أكثر من جهة ومن أكثر من ممول سري، ظهر ذلك في الشركات التي تمت بأمر مباشر من محمود حسين الأمين السابق للجماعة والهارب إلى تركيا في القضية رقم 744/14 لسنة 2022
ويمكن القول إن كيانات الإخوان المالية تقوم بثلاثة وظائف رئيسة الأول: وعاء ومحفظة مالية لتلقي التمويل الأجنبي وتخبئه بعيداً عن أعين الرقابة المالية أو الأمنية، والثاني: ممارسة أنشطة اقتصادية متعددة ومتشعبة يمكن معها امتلاك الأسواق المالية المصرية للضغط على الحكومة المصرية، أو على القيادة السياسة بفرض آراء وتوجهات بعينها عليهم، الثالث : الإنفاق على أنشطة الجماعة سواء الأنشطة الاجتماعية التي تستهدف رعاية أسر وأبناء أعضاء التنظيم، أو تلك الأنشطة المسلحة، التي تستهدف توفير المواد والأسلحة اللازمة للقيام بعمليات إرهابية لإضعاف الدولة وتهديدها، وفرض إرادة أجنبية على السياسة المصرية.
والمفارقة أن الجماعة لم تحاول عبر تاريخها أن تجعل هذه المؤسسات الاقتصادية تطبيقًا لفكر الاقتصاد الإسلامي الذي تنادي به، بل كانت تتلون مع السياسة الاقتصادية السائدة، فشركات الإخوان في الأربعينات ولم تكن خارج السياق المفهوم الاقتصادي السائد، أما في الستينات فقد تعاملوا مع التحول الاشتراكي كأنه جزء من الفكرة الإسلامية.
وعندما تحولت الدولة المصرية للاقتصاد الحر أو ما عرف (بالانفتاح)، تكيف معه الإخوان سريعاً، واستفادوا منه ونظموا أنفسهم وشركاتهم وفق التوجه الرأسمالي الجديد، هذا التلون لكي تتماشى أساليب وانساق الجماعة مع الطبيعة الاقتصادية للمجتمع، مما يلق بظلال من الشك نحو تجذر مفهوم الاقتصاد الإسلامي في فكرهم أساساً، فضلاً عن افتقادهم لجدية تطبيقه، بما يثبت أن شعار “الاقتصاد الإسلامي" كان قناع تتخفى وراءه لتخدع الجماهير ليس أكثر.