قيادات متناحرة وقواعد غاضبة.. رحى الانقسامات تطحن "الإخوان"
انكسار تنظيمي داخلي يضرب جماعة الإخوان الإرهابية في نتاج بديهي لصراع حاد ينذر بانقسام هيكلي ويفجر "مواجهة" صعبة بين قيادات متناحرة وقواعد غاضبة.
غضب يرتفع منسوبه ليدرك مستويات غير مسبوقة في تنظيم يحرص على تصليب هياكله وبنياته الداخلية، وتنشئة أعضائه منذ انضمامهم إليه على الخضوع لقيادة مركزية تمسك الخيوط كلها بين يدي قياداته، فيما يُفرض على القواعد التزامات صارمة بعدم انتقادهم.
لكن يبدو أن الصراع المحتدم حاليا بين أجنحة التنظيم في تركيا وبريطانيا، وحالة الانكسار الداخلي للتنظيم، أسقطت "معايير الصرامة" وكسرت الجدار العازل، حيث شارك شباب الإخوان في طرح عشرات الأسئلة التي استبطنت عمق الأزمة الحالية في تاريخ الجماعة الإرهابية الممتد إلى نحو 9 عقود، إذ باتت برأسين أو بالأحرى برأس متنازع عليها بين جبهتين: الأول في لندن ويمثله إبراهيم منير نائب المرشد والقائم بأعماله، والثاني في إسطنبول ويمثله محمود حسين.
وشملت أصعب الأسئلة المطروحة -وفق رصد لـ"العين الإخبارية"، التي يعجز قادة الإخوان عن الإجابة عنها، حقيقة الوساطة ومدى الاستعداد لتقديم التنازلات، وترك التشبث بالمناصب، وضبط العلاقة بين الدين والسياسة وحل الجماعة داخليا، وسط تشكيك غير مسبوق في كل ما يصدر عن الجماعة وقيادتها من بيانات وتصريحات.
السجناء الإرهابيون
يبدو أن الملف الرئيسي الذي تتمحور حوله الأسئلة كان السجناء من المحكوم عليهم في قضايا إرهاب وعنف، فتوالت الأسئلة حول "ما الإضافة التي سيشكلها منير أو حسين في الملف الأكثر أهمية وإلحاحا؟"، وهل لدى تلك القيادات خطة أو رغبة في المصالحة؟ هل لديهم استعداد لتقديم التنازلات والانصياع لشروط المنتصر؟
الأسئلة التي حملت اتهامات متنوعة للقيادات، كانت تتطلب إجابات واضحة ومباشرة وهو لم تعتده الجماعة الإرهابية، لاسيما أنها ستفضح أكاذيبهم وادعاءاتهم طوال السنوات الماضية على قواعدهم من الشباب، مقابل تصريحات واضحة كشف فيها الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، عن موقف الدولة المصرية من المصالحة مع الإخوان.
وكانت من بين هذه الأسئلة التي وجهت للتنظيم عبر مغرد يدعى أحمد البيلي، وهو محاضر في علم الأحياء: "هل تلقى منير أي طلبات أو شروط من النظام المصري مقابل أي عروض؟ ما الأوراق التي يمتلكها لطرحها على طاولة التفاوض مع النظام؟
وتكررت الأسئلة حول هذا الملف الذي عادة ما تتاجر به الجماعة الإرهابية، بصيغ مختلفة، لكنه بات الشاغل الوحيد لشباب الإخوان الهاربين، وذوييهم من ضحايا التنظيم الإرهابي.
وفي 5 أكتوبر/تشرين أول الحالي،. قال السيسي، "لا تصالح مع من يريدون هدم مصر ويؤذون شعبها"، في إشارة إلى ما أشيع عن التصالح مع تنظيم الإخوان.
وأوضح السيسي، خلال فعاليات الندوة التثقيفية للقوات المسلحة المصرية: "مقدرش (لا أستطيع) التصالح مع من يريد هدم بلادي وإيذاء شعبي وأولادي، لو اختلف معي اختلاف على قدر الاختلاف أهلا وسهلا، لكن إذا كنت تريد أن تدمر وتخرب وتقتل، فكيف أصالحك؟".
ورغم أن حديث السيسي الأخير كان من أكثر التصريحات وضوحا، غير أن قيادات الإرهابية وأبواقها الإعلامية لم تجد حرجا في تأويله بمعاني لم تظهرها المفردات، ولا توجه الدولة المصرية بما يتماشى مع رغبة المصريين الرافضة للمصالحة مع الإخوان بشكل قاطع.
ويفسر مراقبون محاولات الإخوان بالترويج لوجود تسوية سياسية بأنها مجرد أمنيات زائفة تستهدف غسل سمعة الإخوان من جرائم العنف والإرهاب.
حقيقة الإخوان
مجموعة من التساؤلات الجريئة الواقعية شملت أيضا أسئلة من قبيل: أصبحت الجماعة تفقد رصيدها الشعبي وكفاءاتها بشكل أكثر تسارعا من أي وقت سبق؟، بعد هذه السنين هل أفادت الجماعة الثورة المصرية أم أضرت بها؟.
كما تخللتها أحاديث تطرقت إلى حقيقة جماعة الإخوان الإرهابية: وإن كان يمكن اعتبارها مؤسسة ضمن مؤسسات الدولة المصرية؟ وفي أي إطار؟
ولا تقف جماعة الإخوان موقفا واضح من ماهيتها، منذ أيام التأسيس الأولى وحتى الآن، فهي تنفي أنها حزب سياسي، وتدعي أنها دعوية دينية اجتماعية فحسب، لكنها تلهث وراء ممارسة السياسة والانقضاض على الحكم مع أول فرصة تصنعها بدعوات الفوضى وزعزعة الاستقرار.
المناصب والفساد
وحلت ثنائية المناصب والفساد، في المرتبة الثالثة بين أسئلة المغردين، إذ غرد أحد شباب الإخوان ويدعى عمر ذكي، وهو مدير تنفيذي لأحد شركات الخدمات العامة في تركيا، متسائلا: "هل إبراهيم منير مستعد لترك منصبه لمن هو أكثر كفاءة.؟ كما أنه تساءل بشأن مصير الذين تم فصلهم من الجماعة ومن تركوها بسبب الخلافات بالسنوات الأخيرة؟"
أما محمد مأمون، مصور مصري، فيسدد سهام سؤاله للقيادات بقوله: "هل مازال لديكم نفس (رغبة) تتخانقوا (للتشاجر) على مناصب وكراسي وأنتم سبب في سجن ناس وقتل ناس وتشريد ناس لم يكن لهم أي ذنب غير أنهم تلقوا التربية على أيديكم؟
وسؤال التخلي عن المنصب كان أكثر الأسئلة المتكررة من شباب الإخوان، منهم شاب يدعى أحمد علي ومقيم حاليا في ماليزيا، حيث قال: "هل لدى منير نية أو رغبة أو استعداد للاعتذار عن مهامه كقائم بأعمال المرشد؟
ورغم أن الحديث المتكرر لقيادات الإخوان وآخرهم إبراهيم منير وطلعت فهمي حول زهدهم في المناصب في أرذل العمر واستنكارهم رغبتهم في التناحر وشق الصف الإخواني، لكن كواليس المشهد وما تم تسريبه فتح خزينة أسرار التنظيم من تهم أخلاقية وفساد إداري ومالي وصل إلى درجة سرقة القيادات لأموال التبرعات.
وتدور حرب بيانات مستعرة بين أجنحة الجماعة، حيث يشكك كل طرف في الآخر، متبادلين الاتهامات والشتم الإلكتروني عبر أدوات التواصل الاجتماعي سواء فيسبوك أو تويتر، ومؤخرا مجموعات التليجرام.
حل الجماعة
جمع آخر من المغردين طرح مجموعة من التساؤلات التي عكست اكتشافهم للوجه الحقيقي للتنظيم الدولي، وحملت أمنيات زائفة حول تصحيح المسار.
فتساءل شاب يدعى أحمد ماهر: "هل من الممكن تشكيل لجنه محايدة لكتابة ومراجعة وتدقيق ما حدث خلال العام من حكم الإخوان.. الأخطاء وسبل الإدارة؟، هل يمكن تشكيل لجنة لإدارة من تم فصلهم ظلما وإعادة ترتيب بيت الإخوان ؟".
بينما عبر البقية عن رغبتهم في تجاوز هذه الأسئلة بالحديث عن حل الجماعة داخليا، متسائلين عن قدرة القيادات الحالية على اتخاذ مثل هذا القرار الذي تأخر كثيرا لاسيما أن جماعة الإخوان في موت إكلينكي منذ سنوات.
ومن بين هؤلاء شاب يدعي عزيز عمارة، قال "أما آن الوقت لهؤلاء الشيوخ الذين ترهلت عقولهم أن يعلنوا للجميع حل هذه الجماعة بعدما وصل حال من يوصفون بقادتها إلى هذه الدرجة من العفن الدعوي، من تلاسن وتبادل اتهامات، وتبادل إقالات؟".
وتابع: "أما آن لهم أن يعلنوها ألا بيعة لأحد في رقابهم، وأن كل أفرادها في حل، يعمل كل فرد فيهم على الدعوة لدينه _ كأي مسلم _ بالطريقة التي يرتئيها، يستشير علماء الأمة فيما يشكل عليه، أما آن لهم؟".
ويعيش الإخوان حالة تدمير ذاتي جراء الحرب المشتعلة والدائرة في قمة "رأس الإخوان" بين معسكري تركيا وبريطانيا، وهو ما أثر على البنية المهترئة للتنظيم الإرهابي.