إفلاس سياسي.. إخوان مصر تبحث عن دعم الحرس الثوري الإيراني
تواجه جماعة الإخوان الإرهابية "خطرا وجوديا" في ظل الضربات الأمنية المتتالية من الجانب المصري داخليا والتضييق الذي وصل إلى حد خنق التنظيم خارجيا.
يتزامن ذلك مع التغيرات السياسية التي طرأت على الساحة الإقليمية والتقارب التركي المصري والمصالحة الخليجية، علاوة على تدمير ذاتي إثر الانشقاقات داخل صفوف الجماعة التي تواجه تجفيف منابع التمويل أيضا في أوروبا.
وفي محاولة للعودة للمشهد مرة أخرى، سعت جماعة الإخوان لتوفير مصادر جديدة للتمويل والدعم العسكري، عبر محاولة فتح قنوات اتصال مع الحرس الثوري الإيراني، من أجل إقامة علاقات يكونون من خلالها بمثابة ذراع إيرانية في المنطقة، مقابل الحصول على الدعم المالي واللوجستي من طهران، بحسب ما كشفته مصادر في تركيا.
وتواجه جماعة الإخوان منذ نهاية العام الماضي أزمة تنظيمية وصفت بأنها "الأعنف" منذ تأسيسها عام 1928، فللمرة الأولى تعلن جهة في الجماعة عزل مرشدها أو من ينوبه من منصبه، إضافة إلى كون تلك الأزمة تأتي في صفوف المجموعة المعروفة باسم "الكتلة الحديدية" التي تهيمن على استثمارات الجماعة وتدير علاقاتها بأجهزة الدول الغربية.
وتشهد الجماعة صراعا حادا على القيادة، أسفر مؤخرا عن وجود مرشدين لها أحدهما في إسطنبول وهو مصطفى طلبة بصفته رئيسا للجنة إدارية تقوم بمهام المرشد (تابعة لجبهة محمود حسين الأمين العام السابق للجماعة)، والثاني في العاصمة البريطانية لندن وهو إبراهيم منير، وذلك بخلاف جبهة المكتب العام التي أعلنت عن تشكيلها قيادة مستقلة بأدوات إعلامية منفصلة عن الجبهتين الأخريين.
تلك الخلافات التي تشهدها الجماعة دفعت الجبهات المتصارعة لكشف كثير من المستور، في إطار تعطيل كل منها خطط الأخرى.
وبالعودة إلى مساعي الجماعة لفتح خطوط اتصال مع الحرس الثوري المصنف إرهابيا في العديد من الدول، قالت مصادر في تركيا تحدثت لـ"العين الإخبارية" شريطة عدم ذكر أسمائها، أن السلطات التركية أوقفت مؤخرا قياديا في تنظيم الإخوان قبيل سفره إلى إيران، في خطوة تثير تكهنات بشأن توقيتها وأهدافها.
وقالت المصادر إنه جرى توقيف القيادي في التنظيم الإرهابي رضا فهمي، رئيس لجنة الدفاع والأمن القومي في مجلس الشورى المصري الذي تم حله عام 2013 عقب سقوط حكم الجماعة، قبيل سفره إلى طهران.
وكان فهمي بحكم موقعه البرلماني على صلة بانفتاح الإخوان على نظام طهران، والتي توجت حينها بزيارة نادرة لرئيس إيراني إلى القاهرة.
وفي فبراير/شباط عام 2013 زار الرئيس الإيراني حينها محمود أحمدي نجاد العاصمة المصرية في ظل حكم الإخوان، قبل نحو 4 شهور من ثورة 30 يونيو/حيزران التي أطاحت بالجماعة.
ويثير التكتم بشأن توقيف القيادي الإخوان والتحقيقات التي جرت معه في أنقرة تكهنات بشأن أسباب زيارته إلى طهران.
وقال عضو منشق عن الجماعة إن السلطات التركية في سعيها إلى خطب ود القاهرة مجددا اتخذت إجراءات ضد نشاط الجماعة على أراضيها لكنه ليس معتادا أن يشمل ذلك تضييقا على تحرك عناصرها في الخارج.
ويعتقد العضو السابق في الجماعة أن الزيارة ربما أثارت ريبة السلطات التركية بشأن محاولات التنظيم فتح خط اتصال مع طهران والحرس الثوري للحصول على مصادر تمويل ومنصات بعد أن ضاقت تركيا بنشاط الإخوان.
ووفقا للمصادر التي تحدثت لـ"العين الإخبارية" فإنه عقب منع فهمي من السفر تم احتجازه وخضوعه للتحقيق من جانب إحدى الأجهزة الأمنية التركية، وظل رهن الاحتجاز والتحقيق لنحو أسبوعين قبل أن يتم إطلاق سراحه، ومنعه من السفر.
وكان القيادي الإخواني فهمي على صلة قوية بملف التنسيق مع حركة حماس في فلسطين قبل مظاهرات 25 يناير/كانون الثاني في مصر، الأمر الذي يوفر له صلات مع الحرس الثوري الإيراني بحكم علاقاتها بطهران.
وفي ظل متغيرات إقليمية متعددة فقدت جماعة الإخوان الدعم الإقليمي سواء القادم من المغرب العربي خاصة تونس، كما فقدت دعم الدوحة في أعقاب المصالحة الخليجية، وبات نشاطها في تركيا محفوفا بالعديد من الخطوط الحمراء في ضوء محاولات أنقرة لتطبيع علاقتها مع مصر.
وإلى جانب أزمات التمويل وغياب البيئات الحاضنة حتى في دول أوروبية باتت تنظر بعين الشك لنشاط الجماعة خاصة في ألمانيا وفرنسا، يواجه التنظيم الإرهابي انقساما حادا ورأسيا، بعد انشقاق الجماعة إلى كتلتين رئيسيتين الأولى بقيادة إبراهيم منير القائم بأعمال المرشد والأخرى بقيادة محمود حسين في إسطنبول.
وتسعى القيادتان لكسب العناصر الأكثر رديكالية في مصر في ظل شعور عام لدى أعضاء الجماعة المنبوذين مجتمعيا بالاستياء تجاه السياسات التي أدت إلى الإطاحة بالإخوان من الحكم، وكذا طريقة معالجة قيادات الخارج للأزمة التي تواجهها الجماعة.
ويعد فهمي ضمن القيادات المحسوبة على جبهة "المكتب العام للإخوان في مصر"، وهي جبهة أكثر تطرفا وتسعى لإحياء مسار العنف مجددا في أعقاب الضربات الأمنية التي تعرضت لها مجموعات "حسم "و"لواء الثورة" وأدت إلى القضاء على نشاطهما في مصر.
ولا تبدو محاولات الجماعة إقامة خطوط اتصال مع إيران حديثة إذا سبق أن كشف موقع "ذا إنترسبت" الأمريكي في عام 2019، عن برقية سرية حصل عليها ضمن مئات الوثائق الاستخباراتية الإيرانية المسربة توضح أن عناصر من "فيلق القدس" التابع للحرس الثوري، عقدت اجتماعا سريا مع أعضاء بتنظيم "الإخوان" في أبريل/نيسان من عام 2014 بأحد الفنادق التركية بحثا عن أرضية مشتركة والتعاون فيما بينهم.
بخلاف ما كشفه الموقف الأمريكي، قالت المصادر التي تحدثت لـ"العين لإخبارية" إن بيروت شهدت عام 2019 لقاء حضره قائد فيلق القدس الراحل قاسم سليماني مع أحد القيادات الإخوانية المحسوبة على تيار محمد كمال (القيادي الإخواني المسؤول عن تشكيل التنظيمات الإخوانية المسلحة والذي قتل في مواجهات مع الشرطة المصرية غرب القاهرة)، طلب خلاله الجانب الإخواني دعمهم بالمال والسلاح.
وأشارت المصادر ذاتها إلى أنه تم الاتفاق على تدريب عناصر إخوانية في إيران، قبل توقف المشروع بالكامل بعدما أبلغ الجانب الإيراني قيادة الإخوان التي تواصلت معهم وقتها برصد اللقاء من جانب أطراف دولية، بشكل قد يضع إيران في حرج.
وترتبط جماعة الإخوان بالنظام الإيراني بعلاقات تاريخية، حيث تعود الروابط بين رجال الدين الثوريين في إيران وجماعة الإخوان إلى ما قبل تأسيس الجمهورية الإسلامية عام 1979، بعدما التقى "مجتبي ميرلوحي" الملقب "نواب صفوي" الذي شكل أول مجموعة مسلحة متشددة في إيران، أطلق عليها اسم "فدائيي الإسلام" بسيد قطب عام 1954، في أثناء زيارته لمصر.
كما أسهمت أيديولوجيا سيد قطب بدرجة كبيرة في صياغة الخطاب الثوري المناهض لشاه إيران، ومن شدة تأثر الخميني بأفكار سيد قطب، قام -قبيل تسلّمه السلطة- بترجمة كتابَين لقطب، وبعد تسلمه السلطة مباشرة في إيران أصدر طابعا بريديا عليه صورة قطب.
وفور إعلان سقوط الشاه سارعت وفود الإخوان من مختلف البلدان العربية إلى زيارة باريس لتهنئة الخميني، وكان تصريح مرشد الجماعة وقتها عمر التلمساني عام 1982، حول دعمهم السياسي للخميني، دليلا على الإيمان المطلق بالعلاقة بين الإخوان وبين نظام الثورة الإيرانية.