تسمية الإخوان المسلمين كجماعة متطرفة يرجع في تقديري لعدم إيمان هذه الحركة بقدسية الوطن الذي ينبع عن جهالة بالدين.
حب الوطن عبادة يتقرب بها المؤمن إلى ربه ولا يمكن أن يُمارسها بالشعارات؛ ولذلك فإن علاقة الإنسان بوطنه قد تكشف حقيقة الأفكار التي يُؤمن بها؛ فعلى قدر حب الوطن يكون الحكم بصلاح ما يُؤمن به من أفكار، فلا يصح إيمان امرِئٍ إلا إذا كان هذا الإيمان مقرونًا بحب الوطن.
ولذلك تجد الذين غضب الله عليهم أو ضل سعيهم في الحياة الدنيا، من الذين ناصبوا الوطن العداء أو خلقوا لأنفسهم مبررات استباحوا من خلالها حرمته؛ فقد ضاعت أوطان كثيرة على عتبة النوايا الحسنة، وإن كنّا نرى أن نوايا كل كاره للوطن لا يمكن أن تكون حسنة، وحاشا أن تكون كذلك.
الحكم على أي مجموعة سياسية أو دعوية أو أي شخص لا بد أن ينبع من قاعدتين مهمتين؛ هما: الوطن والدين؛ فإذا كان النّاس أحراراً فيما يعتقدون فإنهم مأمورون بحب أوطانهم والعمل من أجلها، فهو جوهر الدين؛ فالإيمان بالدين لا بد أن يدفعك إلى الإيمان بوطنك بحيث تعمل له ومن أجله!
الإخوان ممن يخلطون عملاً صالحاً وآخر سيئاً، يدّعون حب الوطن بالشعارات وبعض الأغاني التي لا تتجاوز حناجرهم، لكنّ أفعالهم تفضحهم، يخلطون بين الأحكام الشرعية والأمنيات والغايات.
فرغم أن الدين أوصى بحب الوطن وجعل العمل من أجله وله فريضة؛ فحب الأوطان من الإيمان، كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم عن مكة: "والله إنك لأحب الأوطان إلى قلبي ولولا أنّ أهلك أخرجوني منك ما خرجت".
تصورات الإخوان عن الوطن أنه مجرد بقعه من الأرض لا تربطهم بها أي ولاء؛ وبالتالي لا مانع لديهم في أنّ يتنازلوا عن جزء من هذه الأرض، وهو ما حدث أيام الرئيس المصري المعزول محمد مرسي، الذي أعطى وعدًا بالموافقة على تهجير الفلسطينيين إلى سيناء من أجل إقامة دولة فلسطينية على جزء من الأراضي المصرية؛ ولِمَ لا؟ فقد سبقه مُنظّر الإخوان سيد قطب، الذي قال: وما الوطن إلا حفنة من تراب عفن!
كما أنّ تصريحات مرشد الإخوان السابع والسابق محمد مهدي عاكف، عن عدم ممانعته في أنّ يحكمه مسلم ماليزي، فأعطى حقًا للمسلم في أن يحكمه حتى ولو كان من غير جنسيته مقابل أنه منع هذا الحق عن المصري غير المسلم، وهذا ما ترجمه برنامج الإخوان السياسي قبل خمسة عشر عامًا.
أغلب خيارات الإخوان الفقهية تؤكد جهالتهم بالدين؛ فمن الأخطاء التي وقعوا فيها استباحتهم للنفس البشرية، وهنا تبدو تعريفاتهم للجهاد في سبيل الله، حيث قصروه على قتل الخصوم، وهذا نوع من القتل مع سبق الإصرار والترصد، حيث أنشأوا أجنحة عسكرية كانت مهمتها القتل لا غير ذلك.
تلك الأجنحة أطلقوا عليها قديمًا النظام الخاص، وكان ذلك من خلال مؤسس التنظيم حسن البنا، كما أطلقوا عليها حديثاً اللجان النوعية؛ فيما أهدافها واحدة وهي: قتل الأبرياء. وهنا ارتكب الإخوان جريمتين؛ أولاهما القتل وثانيهما التنصل من تلك الجريمة، بما يعني أنهم لم يندموا يومًا على ما أقدموا عليه.
صحيح.. أن الإخوان لم يحتفظوا بالمليشيات المسلحة التي اعتدوا من خلالها على الأبرياء، فتارة يُفعلون وجودها، وتارة يُهمشون هذا الوجود، لكن المؤكد أنهم احتفظوا بمقومات الاستدعاء في أي لحظة، وهنا نقصد الأفكار التي تدعو لاستخدام العنف، وهذا سبب وصفنا للإخوان بأنها جماعة متطرفة.
الجماعة التي تستبيح دماء الأبرياء يمكن أن تفعل ما وراء ذلك؛ فإذا كانت الإخوان قد تدرجت في سلم المحرمات حتى أفتت بالقتل ومارست هذا القتل عبر المليشيات المسلحة التي أنشأتها قديمًا وحديثًا، مهما كان تبريرها أو تمريريها لهذا العنف، فإنه لا مانع لديها من أن تكذب، فتكذب على الله ورسوله، وهذا سبب ضلالها.
الإخوان يكذبون إذا كان هذا الكذب في مصلحتهم؛ فقد سبق ونفوا أي علاقة لهم بالعنف، لكن الواقع أثبت هذه العلاقة سواء من خلال الأفكار أو الممارسات؛ فكما أنهم ادعوا أنهم لن يُنافسوا على منصب رئيس الجمهورية بعد عام 2011، فرشحوا محمد مرسي، وادعوا أنهم لن يُنافسوا سوى على 30% بالبرلمان في مصر عام 2012، لكنهم استأثروا على مقاعده عندما نافسوا على أكثر من 70%؛ وهذا نوع من الكذب المحلل أو التقية التي ترى فيها الجماعة مخرجًا شرعيًا.
اصطدم الإخوان في مصر بالمؤسسة العسكرية بعد عام 2011 رغم أنهم ادعوا عدم تكرارهم ما حدث بعد ثورة 1952؛ فلم يقتصر ذلك على مجرد الصدام لكنهم حرّضوا على المؤسسة العسكرية كلها، كما حرّضوا على الشعب المصري فسريعًا ما كان هذا الصدام؛ وهذا يؤكد أنه لا عهد لهم ولا ميثاق.
الإخوان هم المسؤولون عن حالة الفوضى التي ضربت المنطقة العربية بعد عام 2011؛ فقد حاولوا القفز على آمال وطموحات الشعوب العربية، كما حاولوا استغلال هذه الشعوب من أجل السيطرة على حكم هذه الأوطان؛ تآمروا عليها وحرضوا ضدها حتى باتت مجرد هدف في سلم أولويات التنظيم الذي يرمي إلى ما يُسمونه «أستاذية العالم» التي تُلخصها الجماعة في عودة الخلافة الإسلامية!
الخلافة التي يُريدها الإخوان الهدف منها هو أن يحكم التنظيم؛ رفع مرشد الإخوان حسن الهضيبي شعار "نُريد أن نُحكم بالقرآن لا أن نحكم به"، لكن الحقيقة أن الجماعة تستخدم القرآن ومسميات دينية مثل الخلافة من أجل دغدغة مشاعر المسلمين حتى يصلوا للحكم ويُسيطروا عليه، وهذا دليل كذب كل الادعاءات التي يرفعها التنظيم.
الإخوان يُسوقون لأنفسهم على أنهم فصيل سياسي، وعندما تُطالبهم القوى السياسية بأن يستخدموا الأدوات السياسية في المنافسة وعدم إقحام الدين فيها أو وصف الخصوم السياسيين بأوصاف دينية تُخرجهم من الملة، تجدهم يتراجعون خطوة ويصفون أنفسهم بالجماعة الدينية، وعند التعامل معهم على هذه الخلفية يُطالبون بحقهم في ممارسة السياسة من منطلق أنهم قوى سياسية، وهذه عين المراوغة!
في الحقيقة، يتضاءل الإخوان كثيرًا أمام أوطانهم؛ فيمكن أن تحكم عليهم من رؤيتهم لهذا الوطن؛ فعدم إيمانهم بأوطانهم يحمل في طياته جهالتهم بالدين؛ فغاب عنهم أي توصيف دقيق يضعهم في خانة القوى السياسية أو الجماعة الدعوية، فهم جماعة متطرفة فتنوا في أوطانهم ودينهم معًا أو لعلهم هم رأس الفتنة في الدين والوطن.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة