جماعة الإخوان المسلمين مصابة بما يُعرف سياسياً ونفسياً بهوس السلطة، ليست لديها مشكلة في أن تفعل أي شيء وكل شيء مقابل أن تصل إلى السلطة، سواء من خلال المسار السياسي أو العنف أو الانقلاب على السلطة في البلد الذي توجد فيه.
وهذا ما قد يُفسر الاختلاف البيني للإخوان في كل دولة عربية أو أوروبية يوجدون فيها، التنظيم يُحاول أن يتماهى مع النظام السياسي، مستخدماً الأدوات التي يراها مناسبة حتى يصل لهدفه وهو الوصول للسلطة، وليست لديه مشكلة في تعديل مساره أو الانقلاب على السلطة مرة واحدة وبدون مقدمات، كما حدث في العديد من البلدان العربية ومنها السودان في عام 1989.
الإخوان المسلمون في أي مكان يؤمنون بأفكار واحدة، الاختلاف بين أفرع التنظيم هو مجرد اختلاف شكلي هدفه الوصول إلى الهدف المنشود حتى ولو تعددت الوسائل واختلفت أدوات الإخوان في ذلك، فالإخوان في مصر، على سبيل المثال، قدموا أنفسهم للرأي العام على أنهم فصيل سياسي، وحاولوا إدارة حوار بين الأحزاب والقوى السياسية، حتى تمكنوا من السلطة ووصلوا إليها فكفروا بهذه الأحزاب.
عندما وصل الإخوان للسلطة بمصر في عام 2012، خاصموا كل الأحزاب السياسية والمدنية ولم يضعوا أيديهم إلا في يد الأحزاب ذات الخلفية الدينية ومرجعيتها تنظيمات مثل الجماعة الإسلامية المسلحة وتنظيم الجهاد الإسلامي أو السلفيين بمختلف أنواعهم، وهو ما دفع الأحزاب المدنية لتدشين ما سُمي جبهة الإنقاذ، التي حرضت الشعب المصري على الثورة على الإخوان عندما كانوا في السلطة.
الإخوان يتنكرون لأي قيم ديمقراطية قد تسمح لهم بالمشاركة، وهنا تبدو خطورة الإخوان على القيم المدنية والديمقراطية وعلى مفهوم الدولة الوطنية، لا يؤمنون بالتداول السلمي للسلطة وإنما قد يستخدمون السلمية للوصول للسلطة، وإذا لم تأتِ ثمارها كان العنف وسيلة التنظيم لذلك، فعلوا ذلك في مصر وفي سوريا وليبيا، ولِمَ لا وهم مصابون بهوس الوصول للسلطة.
فالإخوان حاولوا الانقلاب على السلطة في سوريا في عام 1982، وكونوا مليشيات مسلحة في ليبيا، ما زالت قائمة بهدف أن يصلوا للسلطة وأن يُحافظوا عليها، وفعلوا نفس الشيء في القاهرة عندما ثار عليهم المصريون في عام 2013، وهنا دشنوا مليشيات ما يُسمى "سواعد مصر.. حسم"، و"لواء الثورة" و"المقاومة الشعبية"، وغيرها.
وهنا يبدو خطر الإخوان الذي قد لا يلاحظه الكثير من النّاس، التنظيم رفض أن يُنشئ جناحاً عسكرياً على غرار تنظيمات مثل الجماعة الإسلامية المسلحة والجهاد الإسلامية وجماعات أخرى كثيرة، ولكنهم أجلوا إنشاء هذه الأجنحة إلى وقت معلوم، عندما تفشل محاولات سيطرتهم على السلطة أو الانقلاب عليها، فتستدعي فكرة العنف، فنحن نتحدث عن جماعة العنف إحدى أهم أدواتها، كما أننا نتحدث عن تنظيم مصاب بهوس السلطة.
ادعاءات التنظيم بأنه لا يعمل من أجل الوصول للسلطة، وأنها ليست ضمن أهدافه أو غاياته، هو مزيد من التزييف للواقع، فالجماعة هدفها الأساسي أن تصل إلى السلطة، وأن يكون ذلك بالطرق غير المشروعة العنيفة، ولذلك كل أدبيات الجماعة التي تُصدر مفهوماً مغايراً، هدفها خلق صورة مزيفة ما زال بعض النّاس متأثرين بها.
عندما ثار المصريون على الإخوان بثورة شعبية في 30 يونيو/حزيران من عام 2013، كان هدف الإخوان هو إسقاط الدولة الوليدة، فالتنظيم يحاول إسقاط هذه الدولة على مدار 10 سنوات كاملة، لأنهم وصلوا للسلطة وأرادوا أن يحتفظوا بها عبر أي وسيلة وعبر أي طريق حتى ولو كان من خلال العنف، الذي مارسوه بالفعل ضد المصريين.
ومشكلة التنظيم في الأيديولوجيا التي يؤمن بها، هو لا يعتبر نفسه فصيلا سياسيا ولا يعتبر نفسه تيارا اجتماعيا أو تنظيما دعويا، ولكن يعتبر نفسه بديل السلطة القائمة في أي مكان، وهنا كان خطاب التنظيم في القاهرة أنهم وصلوا للسلطة ولم ولن يتخلوا عنها، فهكذا يؤمن كل من اعتقد بالتغيير السياسي من منطلق ديني أيديولوجي مثل الإخوان والجماعات الدينية المنتشرة في عالمنا العربي.
وعندما نتأمل الصراع الدائر في السودان بين الجيش السوداني والدعم السريع، نلحظ أن الإخوان هم من أطلقوا أول رصاصة في هذه الحرب، وهم وقودها المستعر حتى الآن، وقد قدموا أنفسهم مرة أخرى في خلفية هذه الحرب بعد أن ثار عليهم السودانيون، ولذلك هم دعاة عنف أعينهم على السلطة دائماً، يعملون لها ومن أجلها ولو كان ذلك على حساب الوطن والمواطنين.
ونجد هوس السلطة عند الإخوان دفعهم على سبيل المثال في مصر إلى العمل على أخونة كل مؤسسات الدولة، فالهدف أن تتحول مصر الكبيرة بتاريخها وتراثها وشعبها إلى مناصرين للإخوان، وهذا يُترجم مرض التنظيم وداء الجماعة التي لن تُشفى منه.
الإخوان مرضى نفسيون، يحتاجون إلى علاج مكثف حتى يبرأ التنظيم مما فيه، كل المحاولات لذلك فشلت، فمن المستحيل تهذيب التنظيم أو التَّواؤُم معه في أهداف سياسية مشتركة؛ لأنه ببساطة لا يراك شريكاً ولكنه يراك الشر الذي لا بد أن يتخلص منه، وهو يعتبر نفسه قيماً عليك، فأمراض الإخوان كثيرة ولا يمكن الشفاء منها خاصة ما يتعلق بالسلطة.
الإخوان ليسوا خصوماً سياسيين، كما يحاولون تصوير ذلك، وليسوا شركاء أيضاً ولكنهم ينظرون للوطن ولسكانه بعداء شديد، ينتظرون لحظاته ضعفه حتى ينقضوا عليه، التعاطف معهم خيانة للوطن، وعدم معرفتهم المعرفة الحقيقية قد يضع الإنسان في حرج شديد، ولذلك فهم التنظيم وأمراضه يعصم من الوقوع في شروره.
أخيراً وليس آخراً، الإخوان جماعة براغماتية نجحت في رسم صورة مزيفة عنها ما زالت بعض الأنظمة السياسية العربية وغير العربية متأثرة بها، ولعلها من خلال هذه الصورة تنفذ إلى السلطة أو تنقلب عليها في بلدان أخرى، أو تقدم نفسها مرة ثانية في البلدان التي ثارت عليها، وهو ما يجب الانتباه إليه، فأمراض الإخوان لا علاج لها والتخلص من أفكارهم هو العاصم لهذه الأوطان ولأي وطن.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة