"كتائب الظل" الإخوانية.. ليل السودان يقاوم نار الثورة
انهيار هدنة تلو أخرى في السودان الذي دخل شهره الثاني من أزمة تكاد تعصف بالبلد، فيما وجه خبراء أصابع الاتهام إلى "كتائب الظل الإخوانية".
ومطلع الأسبوع الماضي أعلن أطراف الأزمة في السودان عقب مباحثات بين وفديهما في جدة، وقفا لإطلاق النار لمدة أسبوع، لكن في اليوم التالي بددت أصوات الرصاص ودوي القصف الآمال في تراجع حدة الأزمة، ما أربك الحسابات بشأن قدرة الأطراف على ضبط النفس والتمسك بالهدنة.
ومنذ منتصف الشهر الماضي يشهد البلد العربي الأفريقي قتالا بين الجيش وقوات الدعم السريع التي ترفض خطة مقترحة لدمجها في المؤسسة العسكرية وتلقي اتهامات بشأن علاقة مفترضة بين قادة في القوات المسلحة وتنظيم الإخوان.
مسرح المعارك الدائر بلا هوادة أو توقف رغم الضغوط الدولية والإقليمية وتعدد مبادرات وقف إطلاق النار، يؤشر وفقا لمراقبين وخبراء في الشأن السوداني تحدثوا لـ"العين الإخبارية"، إلى تورط وانخراط "مليشيات كتائب الظل" أو ما يعرف بالذراع العسكرية للإخوان، في هذه المعارك تحت مسميات عديدة.
ويعتقد الخبراء أن "كتائب الإخوان تدفع بقوة في اتجاه استمرار ما يعتبرونه معركتهم المصيرية، لقلب الطاولة، وإعاقة المسار الديمقراطي ببث الفوضى والاقتتال الداخلي، والعمل أيضا على إعاقة حدوث أي تغيير سياسي من شأنه أن يقضي على مكتسباتهم ونفوذهم.
وما يقول الخبراء إنه مؤامرات إخوانية للفوضى في السودان لم يتوقف منذ أن أطاحت ثورة شعبية بنظام عمر البشير عام 2019.
وفي أعقاب سقوط نظام البشير قرر المجلس العسكري الانتقالي حل "كتائب" الظل ولكن نظرا لتشعبها وتغلغلها وإمكاناتها المادية والبشرية، لم تكن تلك الإجراءات ذات تأثير، إذا سرعان ما أعادت تلك الكتائب تنظيم نفسها تحت أسماء وتنظيمات جديدة.
دور مشبوه
واستنادا لمجموعة من الشواهد، قال المحلل السياسي السوداني محمد المختار محمد، في حديث خاص لـ"العين الإخبارية"، إن "كتائب الظل توجد تحت مسميات عديدة، وهم منخرطون فيما يعتبرون أنه معركتهم الفاصلة والمصيرية".
وأوضح: "لذلك فهم ضد أي صوت يدعو لإيقاف الحرب (في إشارة إلى المعارك الدائرة حاليا بين الجيش وقوات الدعم السريع) ويسعون للسير بها للنهاية"، وتابع: "إيقاف الحرب والانخراط في العملية السياسية السلمية يخرجانهم من المعادلة بهزيمة أجندتهم المتمثلة في استمرار الاقتتال".
وأكد المختار محمد أن "كتائب الظل تعتبر المعركة الحالية فاصلة ومصيرية؛ لذا فقد استنفروا فيها كل إمكاناتهم العسكرية والمدنية، ويظهر ذلك بشكل جلي في خطابهم الإعلامي، الذي لا يزال يحشد لاستمرار الحرب التي أطلقوا عليها معركة الكرامة".
المحلل السياسي السوداني، نبه أيضا إلى أن "هناك استنفارا واضحا ومستفزا لحزب المؤتمر الوطني المنحل (الجناح السياسي للإخوان) قبل اندلاع الحرب بفترة، وازداد هذا النشاط المحموم خلال شهر رمضان مع قرب التوقيع على الاتفاق النهائي الذي كان سيفضي إلى تشكيل حكومة مدنية، ما دفع بقوى الثورة المتمثلة في لجان المقاومة وقوى الحرية والتغيير، والنقابات لإصدار بيانات تحذر من خطورة الوضع الأمني والسياسي".
وأشار المختار محمد إلى أن المعارك اندلعت (في 15 أبريل/نيسان الماضي) "لقطع الطريق أمام الاتفاق الإطاري، والعملية السياسية السلمية التي كانت تمثل مخرجا آمنا للسودان والسودانيين، عبر تفكيك تمكين الإسلاميين في مؤسسات الدولة المدنية، والقيام بالإصلاح الأمني والعسكري من خلال دمج الدعم السريع وبقية الجيوش في جيش واحد قومي، وتفكيك التمكين في الأجهزة الأمنية والعسكرية".
وأضاف أن "خطاب قوات الدعم السريع أيضا كان يوجه أصابع الاتهام منذ اليوم الأول للتيار الراديكالي في الحركة الإسلامية من خلال أذرعها العسكرية والأمنية".
وكتائب الظل، تم غرسها في الأجهزة الأمنية السودانية منذ السبعينيات من القرن الماضي، ضمن سياسة التمكين التي انتهجتها جماعة الإخوان، لحماية مصالحها وضمان استمراريتها في الحكم.
وتعاقب على إدارة مجموعات كتائب الظل عدد من قيادات الحركة الإسلامية، وفي مقدمتهم؛ نائب الرئيس المعزول علي عثمان محمد طه الذي أقر علنا في بداية الثورة ضد نظام البشير في 2019، بوجودها وأهميتها لحماية النظام. وأكد وقتئذ أن من يظن أنهم سيتخلون عن السلطة واهم.
وتمكنت مليشيات الظل من التغلغل في مختلف أجهزة الدولة، وكافة قطاعات الأجهزة الأمنية، وباتت تمثل الدولة العميقة في السودان، واستغلت أيضا التقسيمات العقائدية والقبلية لتغذي انتشارها في السودان.
وتشير تقارير إعلامية إلى أن كتائب الظل بوصفها إحدى مليشيات النظام السابق شبه العسكرية، لديها تاريخ طويل في ارتكاب جرائم العنف والبطش ضد المدنيين العزل والمتظاهرين السلميين في السودان إبان حكم الرئيس المخلوع عمر البشير.
مؤامرة واضحة
بدوره، أكد المحلل السياسي السوداني أشرف عبدالعزيز، ضلوع الإخوان في الحرب الدائرة، قائلا في حديث لـ"العين الإخبارية"، إن "الأمر لا يحتاج لسبر أغوار، فمجرد متابعة تعليقاتهم عبر السوشيال ميديا وإصرارهم على الحرب، تكفي لإثبات علاقتهم بها، فضلا عن المقاطع التي بثت لعناصر إخوانية منخرطة في القتال الدائر".
وكانت تقارير إعلامية ذكرت أن مواقع التواصل الاجتماعي في السودان ضجت بصور لـ"حارث مبارك جبريل" أحد أعضاء الدفعة (70) من منتسبي الشهادة الثانوية السودانية بالشرطة، وهو أحد قيادات الإخوان في السودان، يحمل سلاحا وسط قوة تابعة للاحتياطي المركزي التابعة لوزارة الداخلية بالسودان في ميدان المعركة.
فيما ردت الشرطة في بيان أصدرته في وقت سابق، أن الاحتياطي المركزي قوات تتبع الشرطة وانتشرت لتأمين الأسواق وممتلكات المواطنين وضبط المتفلتين، كما سارعت إلى نفي تغلغل عناصر تابعة لمليشيات الأمن الشعبي (كتائب الظل) داخل صفوفها.
ونوه الكاتب الصحفي السوداني إلى أن هناك مخرجا للحرب الدائرة حاليا في السودان، يتمثل في التمسك بـ "إعلان جدة" إذ هو بمثابة الأساس والمرتكز، وهو الموقع بين طرفي النزاع، وفقا للمبادرة السعودية الأمريكية، مستدركا: لكن حتى لا يكون الحل عبر منبر جدة بطيئا وما يحمله ذلك من تداعيات وتأثير على الأوضاع الإنسانية لابد من ضغط المجتمع الدولي بقوة على الطرفين، وأن تتكامل تلك الجهود لإنجاح هذه المبادرة بدمج كل المبادرات الأخرى فيها.
وأعلنت الولايات المتحدة والسعوديّة قبل أسبوع في بيان مشترك أنّ ممثّلي الجيش السوداني وقوّات الدعم السريع وافقا على وقف لإطلاق النار. وقال البيان إنّ وقف إطلاق النار "يُمكن تمديده بموافقة الطرفَين".
وأوضح أنّ طرفي النزاع اتّفقا أيضا على "إيصال وتوزيع المساعدات الإنسانيّة، واستعادة الخدمات الأساسيّة وسحب القوّات من المستشفيات والمرافق العامّة الأساسيّة"
وحذر عبدالعزيز من مغبة التساهل ومنح الأطراف فرصة تلو الأخرى، وإلا فإن التفاوض سيكون كالملهاة الزمنية لا أجل محدد لنهايته، خاصة وأن الطرفين يعولان على الحسم العسكري.
الخوف من المحاسبة
ويتفق الكاتب الصحفي المصري، والخبير في شؤون حركات الإسلام السياسي الدكتور هشام النجار، مع ما ذهب إليه المحللان السودانيان.
وقال "النجار" في حديث خاص لـ"العين الإخبارية": للإخوان في السودان دور رئيسي في إشعال الحرب الدائرة بين فصيلين من المكون العسكري هما الجيش وقوات الدعم السريع".
ولهذا شواهد عديدة على الأرض، والحديث لـ"النجار"، فهناك من أكد ذلك من صانعي الأحداث، ومن داخل المشهد السوداني؛ لأن الإخوان تريد ضرب مسار الانتقال إلى الحكم المدني، وإبقاء الأوضاع كما هي حيث يحكمون من وراء ستار ويحركون الخيوط ويتحكمون في القرار والثروة.
التنظيم يخشى – يضيف النجار - تبعات الانتقال على مكتسباتهم وفرص محاسبتهم جنائيا على جرائم المرحلة الماضية لذلك دفعوا بقوة في اتجاه الحرب لقلب الطاولة في وجه الجميع وإعاقة المسار ببث الفوضى والاقتتال الداخلي.
وبين الخبير السياسي المصري، أنه سرعان ما شكل قادة من الإخوان ومن بينهم قادة سابقون بالجيش، مليشيات مسلحة للانخراط في القتال في الوجهة التي تحقق مصالحهم، كما غذوا النزعة القبلية والنعرات العرقية.
وزاد: "هرب العديد من قادتهم من سجن كوبر في تكرار لمشهد هروب قادة إخوان مصر من السجون، وكلها شواهد تؤكد التخطيط المسبق والضلوع بعد ذلك في مجريات الصراع الذي يهدف في الأساس للعودة بالسودان للوراء والإبقاء على نظام حكم البشير، وإعاقة حدوث أي تغيير سياسي من شأنه التقليل من مكتسباتهم ونفوذهم".
وفي مصر خلال أحداث يناير/كانون الثاني عام 2011 فر عدد من قيادات الإخوان من السجون بدعم من عناصر خارجية، قبل سيطرة الجماعة على المؤسسة التشريعية والانفراد بوضع دستور البلاد، ما أدى لاحتقان الأوضاع التي فجرت لاحقا ثورة 30 يونيو/حزيران التي أطاحت بالجماعة في 2013.
وانتشرت مقاطع فيديو على مواقع التواصل الاجتماعي 27 أبريل/نيسان الماضي، تظهر فرار مئات السجناء السياسيين من السجون وذلك في ظل استمرار الاشتباكات بين الجيش وقوات الدعم السريع.
ويشهد السودان نزاعا منذ منتصف الشهر الماضي بين الجيش وقوات الدعم السريع التي ترفض خطة لدمجها في صفوفه.
وأوقعت المعارك منذ اندلاعها نحو ألف قتيل غالبيتهم مدنيون ودفعت أكثر من مليون سوداني إلى النزوح أو اللجوء إلى بلدان مجاورة، بينما انهارت المنظومة الصحية التي تعاني أصلا جراء نقص الإمدادات، وتردى الوضع الأمني والإنساني.
aXA6IDMuMTI4LjE5OC45MCA= جزيرة ام اند امز