الإخوان وفصام التطبيع مع إسرائيل.. منصور عباس نموذجا
وقف مبتسما بجوار نفتالي بينيت الزعيم اليهودي المدافع عن الاستيطان لتلتقط الكاميرات صورة تفضح زيف وكذب الإخوان وفكرهم المتضارب.
منصور عباس، سليل الإخوان، صنع أسوأ حدث بتاريخ الجماعة، وقدم للعالم دليلا على أن جميع الخطوط الحمراء التي يضعها التنظيم، والتي من بينها التطبيع مع إسرائيل، ليست سوى حواجز وهمية يستثمرها في تحقيق الكسب المالي والسياسي، بحسب مراقبين.
صعد عباس، رئيس القائمة العربية الموحدة، إلى المسرح السياسي؛ وحقق أغلبية بسيطة للأحزاب اليهودية الساعية للإطاحة ببنيامين نتنياهو، أكثر رؤساء حكومات إسرائيل بقاء بالمنصب.
بدا النشاز مطبقا على الصورة وردهتها الخلفية.. فالرجل المنتمي للجناح الجنوبي للحركة الإسلامية، سليلة الإخوان، والتي انشقت عام 1996 إلى تيارين، يدخل اليوم حكومة إسرائيلية.
فتاريخيا، دأبت الأحزاب العربية -إلا في حالات نادرة- على عدم التعاطي الإيجابي مع أي حكومة إسرائيلية من منطلق أنها "صهيونية" على حد تعبيرهم ولا تعترف بحقوق الشعب الفلسطيني، وترفض إنهاء الاحتلال.
نهج كسره عباس معلنا صراحة استعداده للتفاوض مع الأحزاب الإسرائيلية الكبيرة، بذريعة إيجاد حلول لمشاكل العرب الكبيرة "القانونية والمعيشية"، ليعري بذلك حقيقة التنظيم الأم الذي ينتمي إليه والذي لم يغادره كما يروج.
فكر خبيث
استفهامات غزت مواقع التواصل عقب انتشار الصورة تحاول استيعاب الحدث.. كيف لعباس أن يبرر الانتماء لحكومة يقول الفكر الذي يعتنقه إنها تفرض احتلالا عسكرياً على الفلسطينيين في الضفة وحصارا على غزة؟
تساؤلات يطرحها النشاز المنبثق عن حيثيات الصورة بأكملها.. انتماء عباس للفكر الإخواني (حتى في حال التسليم بمزاعم انشقاقه عن التنظيم)، وخلافاته السابقة مع بينيت، ويده الممدودة حاليا إلى رئيس الوزراء المقبل في الحكومة الجديدة والزعيم السابق لأكبر تنظيم يدافع عن المستوطنات اليهودية ويطالب بضم معظم الضفة الغربية.
لكن ورغم حالة الجدل التي غرقت فيها مواقع التواصل، فإن محللين لم يستغربوا صورة أكدوا أنها تختزل الفكر الإخواني الخبيث، القائم على التضارب والزيف والتلاعب بقضايا الأمة لتحقيق أجندات مدمرة.
لا يختلف عباس كثيرا عن جميع المتشبعين بالفكر الإخواني، بل يختزلهم جميعا ويقدم "نموذجا" صادقا عنهم بلا رياء ولا شعارات زائفة، فهم تلك الصورة المنقسمة إلى نصفين يفصلهما خيط رفيع بين الخفاء والعلن، نصف يتاجر بفلسطين ونصف ثان يقدمها قربانا من أجل منصب أو سلطة، بحسب متابعين.
تعلو أصواتهم تنديدا بسلام أعلنته دول عربية مثل الإمارات والبحرين والسودان والمغرب، ويجندون أبواقهم الإعلامية لتشويهها وتأليب الرأي العام ضدها رغم مساعيها الصادقة لحماية الحق الفلسطيني ووقف الضم الإسرائيلي.
وفي الغرف المظلمة، يتفاوضون ويتنازلون بحثا عن موقع، يبيعون القضايا ويشترون المناصب، غارقين في ذات النشاز القاتل والفصام المستشري بعقول أوهنها التلاعب والرياء.
على نفس الوتيرة، تدخل القائمة العربية الموحدة كأول حزب منتَمٍ للأقلية العربية يشارك في حكومة إسرائيلية، ليكسر بذلك "التقليد" كما تصطلح على تسميته أبواق الإخوان.
وينتمي عباس إلى بلدة المغار التي يتألف سكانها من المسلمين والدروز والقريبة من بحيرة طبرية، ويقول إنه يأمل في تحسين أوضاع المواطنين العرب الذين يشكون من التمييز وإهمال الحكومة لهم.
وقال في رسالة إلى أنصاره بعد توقيع اتفاق الائتلاف مع بينيت وزعيم المعارضة يائير لابيد إن فصيله قرر الانضمام إلى الحكومة "من أجل تغيير توازن القوى السياسية في البلاد".
وقالت القائمة العربية الموحدة إن الاتفاق يقضي بتخصيص أكثر من 53 مليار شيكل (16 مليار دولار) لتحسين البنية التحتية والتصدي لجرائم العنف في المدن العربية.
كما يتضمن الاتفاق أيضا بنودا لتجميد هدم البيوت التي بنيت دون تراخيص في قرى عربية ومنح بلدات البدو في صحراء النقب، والتي تعتبر معقلا للدعم الإسلامي، وضعا رسميا.
وحزب عباس منشق عن التحالف العربي الرئيسي في إسرائيل، وهو القائمة المشتركة، قبل انتخابات 23 مارس/آذار، وذلك عقب دعوته إلى العمل مع نتنياهو وفصائل يمينية أخرى لتحسين الأوضاع المعيشية للعرب، دون أن يحقق أي نجاح.
منشق؟
مصطلح عادة ما يستخدمه الإخوان حين يدفع بهم إلى مهام معينة، حيث يقول خبراء في شؤون التنظيمات الإرهابية إن التنظيم عادة ما يختلق قصصا ملفقة أو صراعات وانشقاقات وهمية داخله، ضمن سياسة إعلامية تهدف للتضليل.
فيديو لعباس تداوله نشطاء على نطاق واسع بمواقع التواصل الاجتماعي، ظهر فيه وهو يتحدث عن الرئيس المصري المخلوع محمد مرسي وينعته بـ"الشهيد"، ويؤكد أنه "يمثل رمزا لكل الشباب العربي"، وأن "استشهاده يمثل محطة مهمة"، بحسب تعبيره.
وبغض النظر عن صحة المقطع من عدمه، لكن الثابت هو أن عباس كغيره مثل حركة "النهضة" في تونس، وخالد المشري في ليبيا؛ جميعهم إخوان لكنهم يدعون الانشقاق عن التنظيم، وهذا تكتيك لا يعتبر غريبا عن جماعة تنتهج جميع الطرق الملتوية للتخفي والتضليل.
الرئيس التركي رجب طيب أردوغان؛ الرجل الذي حول تركيا لحاضنة للتنظيم الإرهابي ومنح عناصرها الهاربة الجنسية، سبق أن استقبل وفدا من الأعضاء العرب في الكنيست الإسرائيلي، كان بينهم أعضاء من حزب عباس.
حدث ذلك في سبتمبر/أيلول 2015، وحينها قال إعلام تركي رسمي إن اللقاء جرى بعيدا عن وسائل الإعلام، واستغرق أكثر من ساعتين، لكن السؤال الذي راج بقوة: هل كان الرئيس التركي ليستقبل أعضاء من حزب عباس لو كان الأخير منشقا فعلا عن الجماعة؟
فالمؤكد أن اللقاء تضمن أمورا لم يرد أردوغان أن تخرج للعلن، واكتفى بتسريب مخرجات له على مقاسه على لسان "مصادر في الرئاسة التركية"، كما يحدث في كل مرة، ولذلك فمن المستبعد أن يكون الحاضرون من غير "توجهاته" أو منشقين عنها.
aXA6IDMuMTQzLjIzNy4xNDAg جزيرة ام اند امز