الإخوان بجنوب أفريقيا.. قاعدة لبث السموم في القارة السمراء
لا يكف تنظيم الإخوان عن محاولاته لاختراق الدول، لبث سمومه والسيطرة على مفاصلها لخدمة أهدافه.
ورصد تقرير لمركز "تريندز" للبحوث والاستشارات نشأة ووجود تنظيم الإخوان في جنوب أفريقيا، التي اتخذها التنظيم نقطة انطلاق للتغلغل في القارة السمراء، من باب المنظمات الدعوية والخيرية كغطاء للتمويه على النشاط الإرهابي المشبوه للتنظيم.
وبحسب التقرير فإن وجود الإخوان في جنوب أفريقيا نشأ بوصفه تيارا فكريا بالأساس، قبل أن يتحول إلى كيان حركي له هياكله الإدارية والتنظيمية، ولعل من أبرز الأمثلة على ذلك رئيس مجلس القضاء الإسلامي (الأسبق) الإمام عبدالله هارون، الذي يُوصف بأنه واحد من أشهر الرموز الإسلامية الحركية في تاريخ جنوب أفريقيا.
وتأثر هارون بأفكار وأطروحات الإخواني سيد قطب، وبمؤسس الجماعة الإسلامية في شبه القارة الهندية أبوالأعلى المودودي، وعلى مستوى الحركة عارض نظام الفصل العنصري "الأبارتهيد"، كما دعم حزب المؤتمر الوطني في نضاله من أجل إنهاء هذا النظام، مع أنه لم ينضمَّ إلى الحزب.
ومن الشواهد على وجود ارتباط أيديولوجي وتماهٍ بين أفكار عبدالله هارون وأيديولوجيا جماعة الإخوان، حالةُ الاحتفاء التي تتعامل بها الجماعة عند الحديث عنه في منصاتها الرسمية، فضلا عن تلقيبه بـ"الإمام الشهيد"، وذلك في مقاربة هادفة لتشبيهه بمؤسس جماعة الإخوان حسن البنا، الذي يُطلق عليه اللقب ذاتُه.
ولا تُفصح جماعة الإخوان عن تاريخ وجودها وطبيعته في الكثير من الدول التي تنشط فيها، لكن هناك العديد من الشواهد التي تشير إلى أن بدء الوجود التنظيمي في جنوب أفريقيا يعود إلى تسعينيات القرن الماضي، ومن هذه الشواهد انتقال عدد من دعاة الإخوان وكوادرها إلى البلاد واستقرارهم فيها، ومن أبرزهم الداعية عبدالسلام بسيوني، وذلك ضمن خطة التمدد والانتشار في القارة السمراء.
وتعتمد جماعة الإخوان على استغلال العمل الدعوي للتغلغل في المجتمعات الإسلامية المحلية في الدول غير المسلمة، وتلجأ إلى العمل تحت ستار المنظمات الدعوية والاجتماعية والإغاثية وغيرها، كما تتماهى مع المنظمات القائمة بالفعل، في بعض الأحيان، وذلك بشكل مؤقت حتى تجد لنفسها فرصة إنشاء منظماتها وجمعياتها الخاصة.
وكانت الجماعة الإرهابية قد أجرت عام 1994 تعديلا على نظامها العام ولائحتها الخاصة بالتنظيم العالمي، وعلّلت هذا التعديل باتساع نشاط الجماعة ورغبتها في صورة أكثر اكتمالا، وهو ما أتى في وقت متزامن مع نشاط الإخوان في جنوب أفريقيا، لذا فمن الممكن افتراض أن فرع جنوب أفريقيا كان أحد هذه الأفرع الجديدة وقتها.
ومنذ عام 2011 أخذ نشاط الإخوان في دولة جنوب أفريقيا منحنى جديدا، مستفيدا من حالة الزخم التي اكتسبتها الجماعة في مصر والمنطقة العربية، وجرى إنشاء العديد من الجمعيات والمؤسسات التي تعمل كشبكة مظلّية للجماعة في هذا البلد الأفريقي.
وعلى صعيد آخر استخدمت جماعةُ الإخوان جنوبَ أفريقيا كقاعدة انطلاق لنشر دعوة الإخوان في عدد من دول جنوب القارة، ومن بينها موزمبيق وزيمبابوي وحتى مالاوي وجزر القمر، وغيرها التي ضُمت إلى قطاع جنوب أفريقيا وشرقها، وهو القيادة الإقليمية لجماعة الإخوان في المنطقة، وفق وثائق مسربة من أرشيف جماعة الإخوان بمصر تعود إلى سنة 2012.
وقامت جماعة الإخوان بتصعيد اثنين من القادة ليشغلا منصبي نائبي مسؤول المكتب عام 2012، وهما ناصر منصور مسؤول قطاع غرب أفريقيا ونيجيريا، ومحمد هلال مسؤول قطاع شرق وجنوب أفريقيا.
ونجحت الجماعة في تأسيس وجودها وتعزيزه في جنوب أفريقيا، حتى إنها أنشأت مكتبا لرابطة الإخوان المصريين بالخارج في هذه الدولة، وهو واحد من 12 مكتبا للرابطة، تعمل بوصفها كيانا إداريا وتنسيقيا يتولى مسؤوليات التسكين والرعاية والإشراف على شؤون الإخوان المصريين الذين انتقلوا إلى خارج مصر، سواءً للعمل أو القيام بمهمات تنظيمية للإخوان، والتي تُعرف في أوساطها بالمهام الدعوية، ويُفرض على أعضاء الإخوان في البُلدان التي توجد بها مكاتب للرابطة أن يعملوا تحت قيادتها.
شبكة للتمويه
واستطاعت جماعة الإخوان تكوين شبكة واسعة من الجمعيات والمراكز الإسلامية، كما دشنت استثمارات خاصة بها وافتتحت مصنعا تبلغ قيمته السوقية نحو 2 مليون دولار (أي ما يزيد على 38 مليون راند جنوب أفريقي)، فضلا عن امتلاكها مجموعة من الاستثمارات العقارية وغيرها.
على أن هذه الشبكة بقيت ظاهريًا غير متصلة بالإخوان، إذ إن الجماعة تتبع مبدأها العتيق "علانية الدعوة وسرية التنظيم"، ولذا فإنها تنشئ كيانات عديدة يديرها قادة الجماعة وأعضاؤها، لكن دون أن تُعلن أنها تابعة لها، وتضمن هذه الطريقة لها توسيع نشاطها والوصول إلى فئات مختلفة دون الاصطدام بعائق الأيديولوجيا، كما تستطيع عبرها تضليل أجهزة الأمن وتشتيت الجهود الرامية إلى الكشف عن طبيعة هذه الشبكة التي تبقى كجبل جليدي لا تظهر منه إلا قمته في الغالب.
وتُدار شبكة الإخوان في جنوب أفريقيا عن طريق قيادة تنفيذية/مكتب تنفيذي يضم قيادات مصرية بالجماعة، ويتولى هؤلاء القادة الإشراف على الفرع بما في ذلك الجمعيات والمراكز والكيانات التابعة له، والتنسيق مع الجماعة الأم (إخوان مصر) والتنظيم العالمي، كما يتحكمون في إدارة الملف المالي وعملية جمع الاشتراكات الشهرية (تُعرف بسهم الدعوة)، وهي مبالغ مالية ثابتة يدفعها كل أعضاء التنظيم وتتراوح نسبتها من 7 إلى 10% من راتب العضو الشهري.
وسبق أن شغل عضو مجلس الشورى العام بالإخوان محمد البحيري، منصب مسؤول مكتب أفريقيا لسنوات عدة، ولعب "البحيري"، قبيل مغادرته منصبه لِكِبَر سنّه، دورا في اختيار المسؤول الحالي لمكتب أفريقيا، وهو ناصر منصور الشهير بـ"الشيخ ناصر".
وبموجب منصبه يصبح مسؤول مكتب أفريقيا عضوا في قيادة التنظيم العالمي للإخوان، وفقًا للائحة الداخلية للجماعة، ويبدو أن هذه العضوية سمحت للقيادي ناصر منصور أن يلعب دورا بارزا في محاولات الصلح بين جبهتي (لندن وإسطنبول) المتنازعتين عن طريق التنظيم الدولي.
ولا يمكن الجزم بما إذا كان أعضاء المكتب التنفيذي للإخوان في جنوب أفريقيا هم أنفسهم أعضاء مكتب رابطة الإخوان المصريين في ذلك البلد، غير أن الأدوار التي يلعبها هؤلاء القياديون تلمح إلى احتمال أن يكون المكتب التنفيذي ومكتب رابطة الإخوان المصريين بالخارج كيانا واحدا يضم الأعضاء أنفسهم.
ومن الجدير بالذكر أن هناك اتصالا وتنسيقا مباشرا بين مسؤولي المكتب التنفيذي/مكتب رابطة الإخوان بجنوب أفريقيا ورئاسة رابطة الإخوان المصريين بالخارج بجبهة إسطنبول والموجودة، حاليا في إسطنبول التركية، ويترأسها المهندس محمد الدسوقي، القيادي بجبهة إسطنبول، والذي تولى منصبه خلفا للقيادي محمد عبدالوهاب، بعد انتخابات أجرتها جبهة إسطنبول لاختيار أعضاء الهيئة الإدارية العليا (بديل مؤقت لمكتب الإرشاد) ومسؤولي الرابطة بالخارج.
ويبدو واضحا أن مكتب رابطة الإخوان في جنوب أفريقيا اختار أن ينحاز لجبهة إسطنبول وعلى رأسها محمود حسين، عضو مكتب الإرشاد الوحيد المتبقي والقائم بأعمال المرشد في الجبهة، وهو واحد من بضعة مكاتب أعلنت في بداية الأزمة، أواخر 2020، موقفها المنحاز لـ"حسين".
ومن أبرز الجمعيات التابعة للإخوان في جنوب أفريقيا "مؤسسة الإيمان" التي يرأس مجلسَ إدارتها القياديُّ محمد هنداوي والتي تأسست منذ عام 2011.
وراج حديث داخل الإخوان، في الأشهر الأخيرة، مفادُه أن هنداوي سيَرحل إلى تركيا وسيحل محله القيادي إيهاب صالح، بيد أن هذا الأمر غير مؤكد، ولا سيما أن التغيرات في المناصب القيادية تتم بصورة سرية.
ومن ضمن الجمعيات كذلك "الرابطة الإسلامية في جنوب أفريقيا" التي تأسست عام 2018، ويتولى محاسب من أصول مصرية هو محمد أسلم عمر منصب المسؤول المالي في الرابطة، وهو صاحب شركة استشارات مالية تعمل في جنوب أفريقيا أيضا.
وتضم جمعيات الإخوان أيضا "رابطة المحامين المسلمين "، التي تأسست عام 2013، والتي دائما ما تعبر عن معارضتها مواقف الدولة المصرية.
وأسست جماعة الإخوان كذلك شبكات إعلامية في جنوب أفريقيا، منها شبكة "ميديا ريفيو" وشبكة "الهلال تي في" وشبكة "سلامة ميديا".
وعلاوة على كل الكيانات السابقة ترتبط جماعة الإخوان بمنظمات إسلامية أخرى تُوصف بأنها قريبة من الجماعة، منها مجلس القضاء الإسلامي، ووكالة مسلمي أفريقيا/جمعية العون المباشر، وهيئة الإغاثة الإسلامية في جنوب أفريقيا، التي توصف بأنها واجهة للإخوان.
ومن اللافت أن كل الجمعيات التابعة للإخوان تقريبا، وحتى الكيانات الإعلامية، تعمل في جمع التبرعات بحجة أنها توظفها في "العمل الإسلامي" والمساعدات الإنسانية في جنوب أفريقيا، مع أن هذه الأموال تُستخدم في تمويل أنشطة الجماعة وواجهاتها التي أنشأتها في الدولة الأفريقية.
الموقف من الصراعات التنظيمية
انحاز فرع الإخوان في جنوب أفريقيا لمحمود حسين وجبهة إسطنبول عندما وقعت الخلافات التنظيمية، وهو ما لم يُرْضِ المحسوبين على جبهة لندن، الذين اتهموا خصومهم في جبهة إسطنبول بالاستحواذ على أملاك الجماعة ومؤسساتها وتوزيع إرثها على أنصارهم.
وعلى الرغم من أن محسوبين على جبهة لندن ادعوا أن المكتب بايع الجبهة، فإن هذا الادعاء ليس إلا زعما غير دقيق، بل إن فرع الإخوان في جنوب أفريقيا ما زال على ولائه لجبهة إسطنبول حتى الآن.
ولكن انحياز الفرع لجبهة إسطنبول لم يمنع القيادي البارز بالإخوان ناصر منصور من تقديم مبادرة للصلح بين الجبهتين تحت مظلة التنظيم الدولي، فتم اختيار 9 أشخاص (3 يمثلون كل جبهة، و3 من التنظيم العالمي) للقيام بالتفاوض والعمل على إنهاء الخلافات التنظيمية وإعادة توحيد الجماعة مرة أخرى، لكن تلك المبادرة فشلت.