في عالم متخبط يختنق بالصراعات يميناً ويساراً حتى أصبح أرضاً خصبة لتدفق أفكار العنف والتطرف، يظهر دوماً شعاع مضيء من الأمل ينبعث من أرض دولة الإمارات العربية المتحدة.
تلك البقعة النابضة بالتسامح والتعايش والأمن والعدالة، أرض اللامستحيل والمقاربات الوضاءة الفريدة، حيث تبرز جهود حاسمة لمواجهة الإرهاب بكل أشكاله دون المساس بحرية الأفراد وحقوق الإنسان، وهو ما يحقق المعادلة الأصعب التي عجزت كبرى الدول عنها حلها.
لذلك ليس من الغريب أن تكون الإمارات رائدة في محاربة الإرهاب والتطرف، لا سيما الذي يقوده تنظيم الإخوان، من خلال إجراءات ردع وحزم للتصدي لتهديدات تلك الجماعة التخريبية وضمان استقرار المجتمع، استناداً إلى استراتيجية أساسها مبادئ قوية تهدف إلى حفظ الأمن الوطني من جهة وتحقيق عدالة لا تجير على حقوق الإنسان من جهة ثانية.
فمنذ اللحظة التي تصدت فيها الإمارات لهذا التحدي صاغت -بحبكتها المتميزة الخاصة- قصة نجاح في بناء الأمن والاستقرار والعدالة؛ حيث تقوم بتوفير بيئة آمنة للمواطنين والمقيمين من أكثر من 200 جنسية، وتعزز روح التعايش والتسامح والتعاون الدولي.
ولعل القرار الأخير بإحالة 84 متهماً أغلبهم من أعضاء تنظيم الإخوان الإرهابي إلى محكمة أمن الدولة بتهمة إنشاء تنظيم سري آخر بغرض ارتكاب أعمال عنف وإرهاب على أراضي الدولة، وكان المتهمون قد أخفوا هذه الجريمة وأدلتها قبل ضبطهم ومحاكمتهم في القضية رقم (17) لسنة 2013 "جزاء أمن الدولة"، وكما نعلم بأن جرائم الإرهاب لا تسقط بالتقادم، ومهما مر الوقت عليها وحاول مرتكبها إخفاءها لا بد أن يحاسب، وهذا ما يؤكد بما لا يدع مجالاً للشك نجاح هذه الاستراتيجية؛ حيث جاء هذا القرار بعد قرابة 6 أشهر من البحث والتحقيق وكشف تفاصيل الجريمة وجمع الأدلة الكافية على ارتكابها، ولمزيد من تحقيق العدالة الكاملة تم ندب محام لكل متهم لم يتمكن من توكيل محام للدفاع، لتثبيت أعمدة العدالة كافة.
ما سبق يعكس التزام دولة الإمارات بالتوازن بين تحقيق الأمن والأمان، وحقوق الأفراد والقيم الإنسانية والعدالة، في ظل تعاملها الفعال في مواجهة تنظيم الإخوان الإرهابي، وذلك من خلال سلسلة من الإجراءات القانونية والأمنية التي تستند إلى قوانين وتشريعات تكفل تحقيق التوازن بين الحقوق والواجبات، تحت مظلة نظام قضائي قوي ومستقل يُعزز مفهوم العدالة وتطبيق القوانين بشكل عادل على الجميع.
وإذا كانت المعادلة الإماراتية الخاصة في مكافحة الإرهاب قد تُدهش البعض، إلا أن الواقع يؤكد أن ذلك نبع متأصل في دولة الإمارات التي تأسست على قيم التسامح والاحترام المتبادل، ولها سجل حافل في تعزيز التعددية والتنوع الثقافي، ومع ذلك تشكل الأنشطة التخريبية لتنظيم الإخوان تحدياً لهذه القيم، ما دفع دولة الإمارات إلى اتخاذ كل ما يحفظ ويصون استقرار الدولة.
وبالعودة إلى صلب القضية التي أحيل فيها 86 متهما للمحاكمة، لا بد من البحث في أصولها عبر الخوض في تاريخ تنظيم الإخوان الإرهابي في دولة الإمارات، والذي يعود إلى فترة الستينيات والسبعينيات، حيث كانت أنشطته تركز في البداية على العمل الاجتماعي والتوعية الدينية، لكن مع مرور الوقت اتضح غرضه التخريبي وأجندته المزعزعة للاستقرار، وهو ما دق ناقوس الخطر لتقوم الدولة في أوائل الثمانينيات باتخاذ إجراءات صارمة وحازمة للتصدي للخطر المتزايد لهذا التنظيم إلى أن تم حظره.
ولم تقف عند هذا الحد، بل استمرت دولة الإمارات في مواجهة التنظيم وفق استراتيجية متعددة الرؤى، ووفق قراءة دقيقة للتنظيم وتحولاته المستمرة؛ حيث اتخذت أيضاً مزيداً من الإجراءات من خلال تعزيز الرصد الأمني، وتشديد الرقابة على تمويل الجماعات الإرهابية، وتكثيف التعاون الدولي في مجال مكافحة الإرهاب.
وبالإضافة إلى ذلك قامت الإمارات بتعزيز التوعية العامة حول طبيعة التهديدات الناجمة عن تنظيم الإخوان، بهدف تعزيز الوعي لدى المجتمع، وفي هذا الإطار أنشأت العديد من مراكز الدراسات، وقامت بتنقيح المناهج الدراسية وتركيزها على ما يفيد ولا يضر، وأيضاً أنشأت مراكز للمناصحة والهداية لاستهداف فكر التنظيم، عن طريق التوعية التي ترسم خط رجعة لمن يتوبون عن هذا الفكر المريض، وكرست إعلامها لمحاربة التطرف، والدعوة إلى التسامح والعيش المشترك، من منطلق أن الإرهاب ليس مجرد عمليات تفجير واعتداءات، بل هو فكر منحرف يستهدف العقول قبل الأجساد، ومن هنا كان نقطة الانطلاق لمواجهة هذا الخطر.
واستكمالاً لذلك اتبعت دولة الإمارات نهجاً قوياً في محاربة التطرف والتنظيمات الإرهابية، واتخذت قرارات جريئة لمواجهة أي نشاط مهدد للأمن الوطني والاستقرار الداخلي وحتى الإقليمي والعالمي، وسنت قوانين صارمة لمكافحة الإرهاب وتمويله، وتطبق هذه القوانين بحزم على الأفراد والكيانات التي يتضح تورطها في أنشطة إرهابية، بما في ذلك تنظيم الإخوان.
هذه الخطوات الراسخة تبرز الإصرار القوي لدولة الإمارات على مكافحة التطرف والإرهاب، وتعزيز الشراكات الدولية في هذا السياق، والدفع قدماً حيال أهمية تعزيز تعاون المجتمع الدولي في مكافحة التنظيمات الإرهابية.
فعلى الصعد كافة، الوطني والإقليمي والعالمي، تعزز دولة الإمارات دورها الريادي في المحافل كافة، من خلال تقديم مبادرات ومساهمات فعّالة تهدف إلى تعزيز الأمن الإقليمي والدولي من خلال تحقيق تعاون دولي لمواجهة الإرهاب ومصادر تمويله وتجفيف منابعه.
وفي هذا الإطار تقوم دولة الإمارات بالتعاون مع الدول الشقيقة والصديقة لضمان أمان المنطقة، ولا تدخر جهداً في سبيل ذلك من خلال تبادل المعلومات الاستخباراتية وتنسيق الجهود الأمنية، وهو ما يسهم في تحقيق استقرار أوسع نطاقاً، لا سيما بعد الأحداث الإرهابية التي شهدتها عدة دول بالمنطقة، وكان سببها تنظيم الإخوان التخريبي.
وتحديداً بعد ما يعرف بـ«الربيع العربي» الذي كان متنفساً للتنظيم لينفث سمومه شرقاً وغرباً، والأحداث التي مرت بها مصر وتونس وليبيا والسودان وغيرها خير مثال على ذلك.
في النهاية، هذا التنظيم لا يعترف بالحدود، ولا مفهوم "الوطن"، الذي يعتبره فقط حفنة من التراب ينثره وقت ما يشاء لتحقيق مآربه التخريبية، فمن يأوي الإخوان كمن يمسك بجمرة ستحرقه آجلاً أم عاجلاً.. حفظ الله دولة الإمارات العربية المتحدة والأمتين العربية والإسلامية.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة