يبدو من تعاملنا مع تنظيم الإخوان المسلمين الإرهابي أنه ينبغي لنا ألا نتفاجأ من أي فعل قد يسيء لاستقرار الدول والحكومات يمكن أن يخرج منهم خاصة في مسألة إخفاء المعلومات وعدم الوضوح فيها.
فهم في الواقع من أصحاب الأوجه المتعددة في التمويه والمراوغة وهذا يعرفه أغلبنا؛ الحالة الوحيدة التي "يمكن" أن نتفاجأ فيها هي أن يعلن أحد أفراد هذا التنظيم التوبة النهائية عنه وهذا من نوادر الأشياء.
هذا الواقع يشرحه قرار النائب العام الإماراتي المستشار الدكتور حمد الشامسي، يوم السبت الماضي، بإحالة 84 متهماً إلى محكمة أمن الدولة معظمهم من الإخوان؛ لاتهامهم بجريمة إنشاء تنظيم سري بغرض ارتكاب أعمال عنف وإرهاب على أراضي الدولة. ومصدر المفاجأة التي أصابت الكثيرين، أن معظم هؤلاء المتهمين أنفسهم خضعوا من قبل للمحاكمة في القضية رقم (17) لسنة 2013. وكشفت التحريات والمعلومات الأمنية أن تلك القضية لم تكن النشاط المجرم الوحيد لهم، وأنهم باشروا جريمة تأسيس التنظيم السري الآخر قبل ضبطهم ومحاكمتهم في قضية عام 2013.
في التحليل السياسي المراقب دائماً يكون مستعداً للمفاجآت بانتظار غير المتوقع من الأحداث، لكن في الحقيقة أن منطق هذا المراقب قد يعجز أو يفشل في تقدير قدرات أفراد تنظيم الإخوان المسلمين العالية على التلاعب والكذب وتزييف الحقائق والتظاهر بغير حقيقتهم على الأقل في مجتمعاتنا الخليجية وبالأخص دولة الإمارات التي تتصف بخصوصية العلاقة بين الحاكم والمحكوم. فمكان الاستغراب هنا، إصرار هذه "الفئة" على إخفاء المعلومات حول التهم الموجهة لهم بدلاً من التخلي بالكامل عن التنظيم.
إن أحسنت الظن بأعضاء هذا التنظيم وصدقت توبتهم وتخليهم عن أفكارهم التدميرية ونزعاتهم الشريرة ضد استقرار أوطانهم وتخريب المجتمعات الآمن، فعليك إذا ألا تتفاجأ بأنهم كانوا يتظاهرون عليك بالندم ويدّعون البراءة. بينما هم يبيتون سوء النوايا ويدبرون شراً. ولا تقتصر هذه القاعدة على أولئك المتهمين في القضية التي أُعلن عنها قبل يومين في دولة الإمارات، فهي ظاهرة يشترك فيها كل منتمٍ لهذا التنظيم وما فعله قرار النائب العام الإماراتي أنه ذكرنا وأعاد لنا التنبيه لحقيقة ذلك التنظيم واشتراك عناصره والمنتمين إليه في تلك الصفات الخبيثة في كل مكان.
الواقع المؤلم في التعامل مع أصحاب هذا الفكر، أن "الطبع يغلب التطبع"، فبما أن الانتماء إلى ذلك التنظيم الخبيث لا يكون إلا لذوي خصائص وسمات معينة متشابهة في كل مكان، فالنتيجة المباشرة لذلك أن ما يمكن وصفه بالهوية و"الأصل" الإخواني يُلغي أي انتماء آخر ويغير جوهر هؤلاء الأشخاص فينزع منهم إنسانيتهم ووطنيتهم ويبدل لهم مرجعياتهم الدينية وتتحول كل حياته بتفاصيلها، إخوانية.
فمن المفارقات الغريبة في القضية التي نحن بصددها على الأقل إماراتياً، أن تلك السنوات العشر التي مرت منذ عام 2013 وحتى الآن، كانت كفيلة بكشف الحقائق وربما تصحيح فكر وسلوك تلك المجموعة التي خرجت عن السمة العامة لمجتمع دولة الإمارات وثقافته السياسية. خاصة بعد أن انكشفت أكاذيب ونواياهم في العديد من الدول العربية وانفضح قادتهم وبانت مؤامراتهم ضد الإنسانية وظهرت وقائع فساد بينهم، حيث يعيشون ويوجدون. وبالتالي كان المفترض أن تكون تلك الأعوام العشرة فترة مراجعة وفرصة للوقوف مع النفس، ليس فقط لتلك المجموعة التي أحيلت إلى المحاكمة مؤخراً، لكن لكل من ينتمي إلى ذلك التنظيم الخبيث أو حتى يتعاطف معه في أي مكان بالعالم.
لكن المفاجأة التي فجرتها الأجهزة الإماراتية الأمنية والقضائية، تؤكد بوضوح وربما بشكل نهائي، أن الفكر المسيطر على عقول وتوجهات وسلوك أعضاء تلك الجماعة في كل مكان، سرطاني بالكامل، أي لا شفاء منه، ولا حل له سوى البتر الكامل.
سيسجل التاريخ الوطني الإماراتي للجهات الرسمية والمؤسسات المعنية بمواجهة هذا الخطر المدمر الكثير من المواقف أهمها موقفان اثنان؛ هما الموقف الأول: أنه بتحليل طريقة تعامل أجهزة الدولة مع تلك الظاهرة السرطانية، يتضح أن القائمين على أمن واستقرار الإمارات كانوا على أعلى مستوى من الذكاء والوعي بطبيعة وحقيقة هذا التنظيم من ناحية التحايل وإخفاء المعلومات، وربما هذا يظهر هنا جانبا من عبقرية واحترافية العمل الأمني في الدولة. فرغم تغليب لغة الحوار وإعمال العقل والتعامل الهادئ المتزن مع ذلك الخطر المستمر طوال الأعوام الماضية، كان أولئك المتهمون يخضعون في الوقت نفسه إلى متابعة دقيقة ومستمرة لاستكشاف ما يبطنه عناصر الإخوان من نوايا وشرور.
الموقف الثاني: أنه رغم الثقة الكاملة بدقة وصحة ما توصلت إليه التحريات والمتابعة الأمنية، فإن القضاء الإماراتي والجهات العدلية أفسحت المجال واسعاً لتأخذ التحقيقات وقتها ولتخرج في النهاية بملف شامل ومحكم للقضية وسمحت بأن تتم محاكمة المتهمين علنية وأن يتم تخصيص محامين للدفاع عنهم تأكيداً لمبدأ أن القضاء هو الفيصل في الإمارات.
في هذا التعامل المتوازن الذي يجمع بين الحزم والموضوعية، رسالة واضحة لمن يريد أن يفهم ويعقل، بأن التريث والهدوء لا يعنيان بالمرة الغفلة أو سوء التقدير.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة