إسرائيل قبل السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي ليست كما هي بعده، وكذلك قطاع غزة والضفة الغربية، والعالم أجمع.
لقد عاث اليمين الإسرائيلي فسادا، في الدولة التي يتغنى الإعلام الغربي عموما وفي الولايات المتحدة بشكل أخص، بكونها الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط.
لكن ملامح إسرائيل حتى قبل السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي كانت آخذة نحو استبداد اليمين، بعد التعديلات القضائية التي حاولت حكومة بنيامين نتنياهو تمريرها، في محاولة لتعزيز سلطته وقوة ائتلافه الحاكم.
وفي ظل احتجاجات عصفت بالبلد لشهور صدّق الكنيست في يوليو/تموز الماضي على قانون إلغاء حجة المعقولية، من خلال تعديل قانون أساس القضاء، والذي يلغي صلاحية المحكمة العليا في التدخل والرقابة على قرارات الحكومة الإدارية.
لكن المحكمة العليا قررت إلغاء هذا القانون قبل أيام في ظل الحرب القائمة، في قرار يؤكد الانقسام الداخلي في إسرائيل، لكنه لم يلق صدى كبيراً بسبب أحداث السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي.
وجد الصراع الداخلي الإسرائيلي منذ استيلاء نتنياهو على السلطة هو وائتلافه، ضالته في هجوم حماس لفتح جبهة خارجية، لكن الجبهة التي فتحت أثبتت فشلا استخباراتيا وعسكريا، وظهرت إسرائيل وكأنها بطل من ورق.
ورغم ذلك إلا أن هذا الهجوم قدّم خدمةً جليلة لليمين المتطرف الحاكم لإشغال الداخل الإسرائيلي بعدو خارجي.
نقل وليام سيمبسون في كتابه «الأمير» عن الأمير بندر بن سلطان قوله إن الرئيس العراقي الأسبق صدام حسين كان يعتزم «تلقين الإيرانيين درسا»، فتشاور مع الملك فهد بن عبدالعزيز آل سعود (ولي العهد آنذاك)، فقال له الملك فهد «ابتعد عن القتال، فإيران في حالة فوضى بعد الثورة، دعها وشأنها، الإيرانيون منهمكون في مقاتلة بعضهم بعضاً». مضيفاً «لكن إذا دخلت أرضهم، فإنك ستوحد الإيرانيين»، وهذا ما حدث، فقد توحد الإيرانيون.
لقد صنعت حماس معروفا لإسرائيل، وبرأيي أنها عقّدت أي عملية سلام قد يرغب فيها المجتمع الدولي. لأن الحديث عن أي عملية سلام في الفترة القادمة لن يحضر في أروقة القرار الإسرائيلي، فحتى لو سقط نتنياهو بسبب الانقسامات، والتقارير التي تؤكد فشله في توقع هجوم حماس، والاستطلاعات التي تشير إلى تفوق خصمه بيني غانتس، إلا أن الشعب والمستوطنين يتجهون نحو سياسات وأفكار أكثر يمينية.
في لقاء له، تحدث الدكتور فوزي البدوي، أستاذ الدراسات اليهودية ومقارنة الأديان بأن جميع الحروب التي خاضتها إسرائيل خصوصا حرب أكتوبر/تشرين الأول 1973، آلت إلى تديّنٍ أكبر وتشددٍ أكثر لدى الداخل الإسرائيلي، باعتبار أن الرب هو الذي حمى إسرائيل، وذلك باستغلال الطبقة الدينية للحرب في ترويج أفكارها المتطرفة، فيما نهض على الجانب المقابل (العربي) فكرة تخلي الله عن المسلمين، لتخليهم عن دينهم، مما أفسح المجال أمام الإسلام السياسي ممثلًا بالإخوان المسلمين للصعود شيئا فشيئا.
إن إسرائيل ومن خلال ممارساتها من قتل وتشريد أهالي قطاع غزة، وبروز تقارير عن بحثها مع دول عدة إمكانية استيعاب الفلسطينيين فيها، يؤكد أن ما تلقته تل أبيب من صفعة في هجوم أكتوبر/تشرين الأول لن يمر مرور الكرام، فهي ماضية في خطتها.
كما يؤكد أن نتنياهو وحلفاءه في الائتلاف يعلمون أن ما بعد الحرب قد يعني النظر في إسقاطهم ومحاكمتهم، قبل النظر في مستقبل غزة والذي تعددت السيناريوهات بشأنه.
تزامن ذلك مع ضبابية في الموقف الأمريكي تجاه ما هو قائم، فواشنطن تدعم حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها، لكنها تحذرها من استهداف المدنيين، لذا يرى بعض المحللين أن الولايات المتحدة تتقاسم مع إسرائيل الهدف نفسه؛ وهو القضاء على حماس.
لكن يبدو أن نتنياهو يبحث عن مكسب سياسي عبر إطالة أمد الحرب، إلى فترة الانتخابات الأمريكية المقررة في نوفمبر/تشرين الثاني القادم، ليحدد موقفه بشأن الحرب بناءً على من يكسب رئاسة الولايات المتحدة، أو تحقيق مكسب من نوع آخر كما تحدث عنه المبعوث الأمريكي الأسبق للشرق الأوسط، دنيس روس «إذ يمكن لرئيس الوزراء الإسرائيلي أن يحقق مكاسب سياسية من خلال الوقوف في وجه رئيس أمريكي يُنظر إليه على أنه لا يفهم المنطقة».
وهذا أمر فعله نتنياهو عندما ظهر في جلسة مشتركة للكونغرس في مارس/آذار 2016، قبل أسبوعين من الانتخابات في إسرائيل، لمعارضة نهج أوباما في المفاوضات مع إيران بشأن برنامجها النووي، وكان نتنياهو في ذلك الوقت متأخرًا في استطلاعات الرأي.
إن المنطقة تتجه نحو مستقبلٍ مجهول، كُتب ذلك عليها منذ أمد طويل. ففي ظل استمرار هذه الحرب، والتصعيد الأكبر في لبنان ممثلًا باغتيال القيادي في حماس صالح العاروري، والمسيرات والقذائف التي تستهدف التحالف الدولي في سوريا والعراق، والرد باغتيال أحد قادة النجباء في العراق، إلى مضيق باب المندب واستفزازات الحوثي، وإرسال إيران للمدمرة «ألبرز» يبدو للمتابع أن حربًا أوسع تلوح في الأفق، وهذا ما لا تحمد عقباه.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة