يتعاظم الدور الذي يؤديه الإعلام بشكل عام في بلورة الرأي العام لدى الأفراد والجماعات والشعوب، وتأطير الاتجاهات وإرساء الأولويات وصولاً للتأثير في أنماط السلوك الاجتماعي والسياسي للجمهور.
ويتفق علماء الاجتماع والسياسة على أن الإعلام بوسائله المختلفة يؤدي أدوارا بارزة في بلورة تصورات الجمهور الداخلي والخارجي، وعمليات التغيير الاجتماعي وصياغة الأفكار التي تتحول لاحقاً إلى دوافع وممارسات سلوكية مختلفة.
ومع ازدهار أنشطة الإعلام الجديد (الرقمي) زاد التأثير الذي يحدثه الإعلام بشكل عام في السلوك السياسي والاقتصادي والثقافي والاجتماعي للأفراد والجماعات، الأمر الذي انتبهت له القوى العاملة في عالم السياسة والحروب والأزمات، حيث باتت تخصص جهوداً وتفرز موارد وتصوغ استراتيجيات لاستخدام أدوات الإعلام الجديد في تحقيق أهدافها.
ولأن تباينات القوى كانت حاكماً رئيسياً للصراعات العسكرية وأعمال القتال والعنف على مدى التاريخ، فقد رأت بعض القوى الأضعف والأقل في الموارد والتنظيم في الإعلام الجديد النافذة المؤثرة، طاقة ومرتكزاً وأدوات قتال جديدة، وهذا ما ذهب إليه مركز البحوث التابع لحلف شمال الأطلسي الناتو في التعبير الموحي: تسليح الإعلام الجديد.
ومع تطور أشكال الحرب وظهور ما يعرف بحروب الجيل الرابع والحروب اللامتماثلة والحروب الهجينة والحروب السيبرانية وحروب القرن الحادي والعشرين، زاد الدور الذي يمكن أن يؤديه الإعلام الجديد في عالمي الحروب والأزمات والعمليات، خاصة تلك الحروب التي تتخذ أشكالاً حديثة تتسم بأن جبهتها غير محددة، وأن نطاقها واسع وغير محدد، وأنها تعول بشكل كبير على دور الرأي العام في حسم العمليات القتالية.
لذلك برزت أدوار جديدة للإعلام الجديد بأدواته ووسائله المختلفة في هذا النوع من العمليات القتالية، ومن تلك الأدوار جمع المعلومات الاستخبارية وعمليات التجنيد والاستقطاب والأنشطة اللوجستية والاتصال الشخصي والعمليات السيبرانية والتحكم والسيطرة والدفاع، وصولاً إلى إعطاء التكليفات وتسهيل شن الهجمات، فضلاً عن تقويض الروح المعنوية للدول والحكومات والجمهور المستهدف العسكري والمدني وغيرها.
لقد شكل عالم الإعلام الجديد فرصاً وتحديات للمؤسسات العسكرية في مختلف دول العالم، ولن يكون بوسعها تحويل هذه التحديات الخطيرة إلى فرص إلا من خلال بناء استراتيجية متكاملة لمواجهة المخاطر الناجمة عن تلك الوسائط والاستفادة من الميزات النوعية التي تتمتع بها.
وتستلزم تلك الاستراتيجية تنسيقاً فعلياً مع مختلف الأجهزة والمؤسسات الرسمية في الدولة، كما تستلزم صناعة وتأسيس إدارة مركزية للجهود عبر وسائط الإعلام الجديد.
وينبغي أن تعتمد استراتيجية المؤسسات العسكرية بشكل عام على تأسيس وحدة ضخمة تعنى بإدارة منظومة الإعلام الجديد (الإعلام الرقمي) وأنشطته المختلفة، تعمل على توفير آليات الرصد والمتابعة باستخدام أدوات وأنظمة وبرامج جديدة ومتطورة، واستخدام صلاحيات السيادة في إغلاق وتحجيم المنصات المعادية، وتطوير آليات جديدة لإنتاج محتوى نوعي ومختلف، وتشكيل فرق إلكترونية، وممارسة إجراءات تزويد أكثر كثافة من تلك التي تبثها كافة الوسائط المعادية، مع صياغة رسائل محكمة تستهدف الدفاع والهجوم في آن واحد، وتركيز البث عبر المنصات التابعة والمؤيدة والمتعاطفة والمنصات التي سيتم إنشاؤها عبر أسلوب التعهيد.
لقد فرضت التطورات التي طرأت استخدام الإعلام الجديد/الرقمي ودورها في عمليات الاستهداف وشن الأعمال العدائية، تحديات كبيرة على المؤسسات العسكرية في مختلف دول العالم، وفي المقابل فإن تلك التطورات تمنحها فرصاً عبر الاستخدام الجيد لتلك المنصات النافذة والمؤثرة، بعمليات تدريب مكثفة، تكون من خلالها العناصر والكوادر البشرية قادرة على إدارة النشاط الاتصالي عبر الإعلام الجديد بطريقة فعالة.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة