دولة الإمارات من أهم الدول التي نجحت في مواجهة جماعة الإخوان المسلمين، سواء على مستوى تفكيك التنظيم أو تفكيك أفكاره المؤسسة، التي انتشر من خلالها في العديد من العواصم العربية وغير العربية.
تعاملت دولة الإمارات مع الإخوان وكل تنظيمات العنف والتطرف وفق استراتيجية ما زالت هي الأهم في المنطقة؛ فلم يعد للتنظيم وجود على أرض دولة الإمارات، إلا أنه (الإخوان) لم يغب طموحه، فيحاول بين الوقت والآخر العودة من خلال تنظيم سري، مما يدل على عمق التجربة وبعد نظر القيادة السياسية والأمنية التي استشعرت خطره فواجهته بقوة وصرامة معًا.
إصرار دولة الإمارات على تفكيك تنظيم الإخوان يُؤكد عمق وقوة المواجهة وأهمية الاستراتيجية التي صاغتها الدولة لمواجهة كل الأفكار المتطرفة والمحرضة على العنف على حد سواء، وهذا ربما يُفسر قرار إحالة النائب العام المستشار الدكتور حمد سيف الشامسي لـ84 متهما أغلبهم من تنظيم الإخوان لمحكمة أمن الدولة العليا بتهمة إنشاء تنظيم سري، هدفه تقويض نظام الحكم وممارسة العنف.
وعلى الرغم من أن المتهمين بحوزة المحكمة وبعضهم يقضي العقوبة المقررة، إلا أنه تبين للسلطات القضائية جريمة أخرى ارتكبها هؤلاء المتهمون تتعلق بإنشاء تنظيم سري بغية قلب نظام الحكم وممارسة العنف، وهنا تبدو أهمية المواجهة التي أخذت الشكل الأمني والعسكري والقضائي والفكري، وهذه ملامح استراتيجية الإمارات في المواجهة.
تواجه دولة الإمارات التنظيم وفق استراتيجية متعددة الرؤى، ووفق قراءة دقيقة للتنظيم وتحولاته المستمرة؛ ولذلك واجهته داخل أراضيها وخارجها، إدراكًا منها بأنّه يمثل خطرًا على الأمن القومي للبلاد، كما يمثل نفس الخطر على أمن المنطقة العربية بأكملها، بل أمن العالم، لأن التنظيم ذات امتدادات خارجية، فوجوده في بقعة جغرافية ما يجعله يؤثر على أمن الدول المجاورة، فهو متشعب وينتشر في أوصال كل الدول كما ينتشر الورم السرطاني في كل الجسد بنفس السرعة والخطر.
وهنا أدركت دولة الإمارات خطر التنظيم ليس فقط على أمنها لكن على أمن العالم بأكمله، فواجهت الإرهاب نيابة عن العالم، ومن هنا بذلت جهودًا في مواجهة التنظيم في كل مكان، كما أنها بشرت برؤيتها هذه لإقناع العالم بضرورة مواجهة هذا الخطر، وهذا ربما يكون الدافع وراء إصرار التنظيم على اختراق دولة الإمارات وإنشاء تنظيم سري بداخلها.
وهنا يمكن الإشارة إلى ما بذلته دولة الإمارات من جهود في تفكيك تنظيم الإخوان، حيث نجحت هذه الجهود، وما يتكشف بين الوقت والآخر عن محاولات التنظيم الجديدة والدؤوبة لإنشاء تنظيم سري هدفه اختراق دولة الإمارات والعبث بأمنها، خاصة أنها تسعى لنشر قيم التسامح والتي تمثل خطرًا على أفكار الإخوان والتنظيمات المتطرفة.
وهذا قد يُفسر إصرار الإخوان على محاولات الاختراق، كما يُفسر إصرار دولة الإمارات على مواجهة التنظيم على كافة الأصعدة سواء الأمنية أو العسكرية أو حتى المواجهة الفكرية، حيث تفكيك الأفكار المؤسسة مع تفكيك بنية التنظيم؛ لذلك استشرفت دولة الإمارات هذا الخطر ووجهت ضربات وقائية على قدره وعلى مستوى الجرائم التي يرتكبها أيضًا وفق ما تتيحه القوانين المعمول بها.
وكانت دولة الإمارات صاحبة السبق في قراءة خطر التنظيم، كما أنها كانت كذلك -أيضًا- في وضع الخطط المعنية بمواجهة المؤامرة، وكانت الأقدر في ذات الوقت في تحقيق النتائج من وراء هذه المواجهة؛ فيُنظر لتجربة دولة الإمارات باهتمام شديد من قبل الباحثين والمراقبين والمتخصصين، لأنها تُعبر عن التصور الصحيح للمواجهة المفتقدة للتنظيم العنقودي المنتشر في عدد غير قليل من العواصم العربية وغير العربية.
نجحت دولة الإمارات في قراءة التنظيم قراءة دقيقة تُعبر عن واقعه الحقيقي عبر تدشين عدد كاف من المراكز البحثية المتخصصة التي نجحت في مهمتها، وبالتالي كانت المواجهة دقيقة بعد قراءة أخرى دقيقة لتحولات التنظيم الدائمة والمستمرة؛ فمواجهة تنظيم الإخوان تستلزم قراءة عميقة ودقيقة من جانب، كما أنها تستلزم مراجعة التحولات الدائمة والمستمرة من جانب آخر وهو ما تحقق بالفعل.
استنساخ تجربة دولة الإمارات في مواجهة التنظيمات المتطرفة على وجه العموم والإخوان على وجه الخصوص أمر يبدو في غاية الأهمية؛ فنحن نتحدث عن تنظيم متعدد الأذرع ويتواجد في عدد كبير من الدول، وبعض العواصم قد لا تُدرك خطره أو قد تفتقد إلى المواجهة ذات التأثير الكبير على التنظيم، وبالتالي ينجح التنظيم في هذه الدول في معاودة الظهور رغم المواجهة عبر إنشاء تنظيم سري يتولى هذه المهمة، وهنا تبدو أهمية التجربة الإماراتية.
هذه التجربة لابد أنّ يُتاح حولها نقاش واسع داخل المؤسسات المجتمعية والأممية التي لابد أنّ تحتضن هذه التجربة التي تبدو رائدة بين تجارب مختلفة لدول كثيرة تضع على كاهلها فكرة المواجهة، لكن ليست بنفس ذات التأثير والأثر، كما لا بد أنّ تُعمم هذه التجربة فيستفيد منها العالم بأكمله، فخطر الإخوان لا يقل عن خطر الكربون والانبعاث الحراري وغيرها من الموضوعات التي تُثير اهتمام كل دول العالم وتحتضنها المؤسسات الأممية فتجتمع عليها كل الدول.
الإخوان لا يمكن ترويضهم، كما لا يمكن أنّ يصطفوا لصالح أوطانهم أو يعملون لها، وهو أمر بديهي يفهمه المختصون والباحثون في تنظيمات الإسلام السياسي؛ ما يستلزم قراءة تاريخ الإخوان القديم والحديث، وفهم سلوك التنظيم وقراءة دلالات خطابات الإخوان وتحليل أدبيات التنظيم، ومقارنة ما جاء فيها بسلوكه الحالي والسابق، مع عدم الاكتفاء بمراجعة التصريحات التجميلية التي يعتمد فيها التنظيم على تبيض صورته أمام الرأي العام وبعض الأنظمة السياسية.
قرار النائب العام الأخير في دولة الإمارات دليل على تعزيز قيم المواجهة التي ربما تخلت عنها بعض الدول الكبيرة التي قد تستخدم هذه التنظيمات لتحقيق مصالح سياسية ضيقة الأفق، وبالتالي فإن هذا القرار يدل على قوة الجهاز القضائي وعلى إصرار دولة الإمارات على مواجهة الإرهاب بكل صوره، ويوضح أبعاد المؤامرة وعبقرية المواجهة أيضا.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة