ينبغي للمصريين التنادي واستدعاء الوعي العام والحذر إلى أعلى درجاته، فإن المرء لا يملك سوى أن يوجه التحية للشرطة
وقت كتابة هذه السطور كان الضباب الذي خيم على الأجواء الإعلامية في مصر بشأن الانفجار الذي وقع بالقرب من معهد الأورام على كورنيش النيل في قلب القاهرة مساء الأحد قد انجلى، وذلك بعد أن أعلنت وزارة الداخلية المصرية عن الخلفية الإرهابية للحادث البشع الذي أودى بنحو عشرين شخصا غير المصابين والجرحى.
ما جرى في مصر ليس حادثة، بل كارثة من منطلق أنه أصاب المرضى المعذبين بالأورام السرطانية القاتلة في المشفى الخاص بهم، وربما لا يزال الوقت مبكرا لنعرف بقية التفاصيل، وما إن كان المكان مقصودا بعينه، أم أنها مصادفة حمقاء أوقعت هؤلاء المساكين ضحية للمرة الثانية، فباتوا محاصرين بين سرطانين، سرطان الجسد وسرطان الإرهاب.
تدمع العين وتكاد الأطراف أن تتجمد، والحبر لا يجري على الأوراق، من جراء الألم المضاعف الذي شعر به المصريون في الساعات القليلة الفائتة، غير أن هذا كله لا ولن يفت في عضد أم الدنيا، بل يزيدها عزما وتأكيدا على اجتثاث الإرهاب الأسود المختبئ حتى الساعة في حنايا الأضلع وثنايا الصدور الإخوانية.
السيارة التي تم ارتكاب الحادث الأثيم بها هي سيارة تمت سرقتها من محافظة أخرى "المنوفية"، ولاحقا سوف يعرف الجميع من كان وراء السرقة أولا، ومن قادها إلى عمق القاهرة ثانية، وما هو الهدف الرئيسي لها.
على أنه مهما يكن من أمر فإن الأصابع الأولى تشير إلى جماعة إرهابية تطلق على نفسها "حركة ساعد مصر"، والاسم المختصر لها "حسم"، وهي إحدى تشظيات حركات المقاومة الإسلاموية التي نشطت في مصر، بل ازدهرت في ظل المد الإخواني خلال السنوات القليلة الماضية.
فيما ينبغي للمصريين التنادي واستدعاء الوعي العام والحذر إلى أعلى درجاته، فإن المرء لا يملك سوى أن يوجه التحية لرجالات الداخلية المصرية، أولئك الذين سارعوا الزمن ليعلنوا الحقائق للشعب المصري، ولا يخشون من اللوم أو التقريع
الحركة معروفة بعملياتها الإرهابية، ومنها محاولة اغتيال مفتي مصر السابق علي جمعة، واستهدافها لنقاط تفتيش للشرطة المصرية، والسعي إلى اغتيال عدد من الرموز القضائية المصرية، ولإرهابها الشديد فقد حظرتها الحكومة البريطانية في 22 ديسمبر 2017، وقامت الحكومة الأمريكية بدورها بحظرها في 13 يناير 2018 باعتبارها منظمة أجنبية إرهابية.
عدة نقاط ينبغي التوقف أمامها وتأملها بحكمة وتدبر في مواجهة هذا الخطر الكبير، وفي المقدمة منها التأكيد على أن الجذور الإخوانية الأيديولوجية هي السبب وراء كل الخراب والدمار الذي أصاب مصر في العقود الماضية، وأن الصدور المحتقنة بالكراهية على هذا النحو لن تترك مصر ولا المصريين في حال سبيلهم، وإنما سوف تسعى إلى إرهابهم، أو هكذا يخيل لها، وفي الطريق قد يضحى مؤلما القول إن الضحايا سيقعون من جراء الأعمال الإجرامية، ضحايا لا ذنب لهم في المشهد سوى أنهم وُجِدُوا في هذا أو ذاك المكان وقت وقع العمل الإرهابي.
الأمر الآخر هو أن ما حدث يقودنا إلى القطع بأن المعركة مع قوات الظلام الإخوانية ومن لف لفها لم تنته بعد، فهي معركة عقول بداية، رغم النجاحات الأمنية التي قلصت من أعداد تلك العمليات، والتي انتشرت على الصعيد العالمي وليس في مصر فحسب.
تقودنا لفظة العالمية إلى مسألة تدويل القضية، بمعنى أن محاربة الإرهاب لم يعد نقاشا محليا مصريا أو عربيا، إنما إشكالية أممية، لا سيما ونحن نرى خطابات الكراهية تنتشر حول العالم، وكل بما ملكت يداه يروع الآمنين، وعلى غير المصدق أن ينظر إلى ما جرى في الولايات المتحدة الأمريكية أيام السبت والأحد، من مجازر بشرية في تكساس وأوهايو، والتي لم تكن سوى إفرازات شريرة لأجندات فكرية شيطانية، قادت وتقود العالم إلى فقدان أمنه وأمانه في الحال والاستقبال.
وهنا لا بد من أن ننبه ونحذر من جزئية بعينها، وهي أن اللعب على المتناقضات الإرهابية من قبل بعض الدول الغربية أمر سيلحق بهم شديد الأذى على المديين القريب والمتوسط، وبصراحة فائقة يمكننا القول إن بعض الدول الأوروبية لا سيما بريطانيا وألمانيا، كانتا قد قامتا بمناورة ما الأيام الماضية، تمثلت في وقف الطيران لمصر لبضعة أيام، وساعتها تساءل الجميع عن السبب، والآن يتساءل المحللون السياسيون هل كان للأمر علاقة بما جرى، وهل مثل تلك الجماعات التي تتلقى تمويلا ماليا ودعما لوجستيا من قوى خارج مصر على صلة بأطراف خارجية ما وفر لأجهزة استخبارات أجنبية معلومات عنها؟
إذا كان الأمر في الواقع يناسب هذه النظرية السابقة، فإن في الأمر خيانة للإنسانية وللآدمية دفعة واحدة، وستكون الدماء البريئة التي سفكت في رقبة من امتلك المعلومات، وأخفاها عن أجهزة الأمن المصرية وترك الإرهاب ينتعش على هذا المثال السيئ الذكر.
جزئية أخرى ينبغي التنبه لها والصراخ بأعلى صوت للمجتمع الأممي بداية والأوروبي بنوع خاص، تلك المتمثلة في ليبيا وما يجري على أراضيها؛ إذ تتحول يوما تلو الآخر إلى أكبر حاضنة للإرهاب في المنطقة وفي حوض البحر الأبيض المتوسط، ومن الطبيعي أن تكون مصر الجار الأقرب جغرافيا في مقدمة النقاط المتعرضة لتسرب بعض من تلك العناصر الإرهابية القائمة والقادمة هناك، وفيما تركيا وقطر تدعمان الجماعات الإخوانية والقاعدية والداعشية، وجميع المجموعات الظلامية على أرض ليبيا، نجد المجتمع الدولي يصم آذانه عن نداءات دعم الجيش الليبي بالسلاح والمعلومات لإنهاء معركته، وكأن هناك من يود أن تبقى الأوضاع قائمة على هذا النحو إلى أجل غير مسمى، ولأغراض لا تخفى عن القاصي والداني.
يحزن قلب الإرهاب والإرهابيين أن تنتصر مصر، وأن تتقدم بسواعد أبنائها، إنهم سارقو الأفراح، الكارهون للنور، والقائمون في الظلمة وظلال الموت، وقد توقعنا أن يحدث شيء ما بعد النجاح الكبير للمؤتمر الذي جمع شباب مصر مع الرئيس السيسي، وبدا أن هناك مرحلة تخطيط وهي كذلك بالفعل لمصر القوية المنتصرة غير المنكسرة، مصر الواعدة والمتجاوزة الصعاب.
بائع الشموع يكره عودة التيار الكهربائي، إنه يود للجميع البقاء في غياهب الجب، وربما كان سير المركبة الإرهابية في اتجاه معاكس لحركة السير محاولة يائسة للإفلات من براثن قوى الأمن المصرية المطبقة على الإرهاب والإرهابيين في جميع بقاع وأصقاع مصر المحروسة.
وفيما ينبغي على المصريين التنادي واستدعاء الوعي العام والحذر إلى أعلى درجاته، فإن المرء لا يملك سوى أن يوجه التحية لرجالات الداخلية المصرية، أولئك الذين سارعوا الزمن ليعلنوا الحقائق على الشعب المصري، ولا يخشون من اللوم أو التقريع، ذلك أنها معركة عموم المصريين وليست معركة الشرطة فقط مع هذا الفصيل المنحرف وتلك الفئة الباغية.
على بعد أيام من عيد الأضحى هناك من حاول -وأخشى أنه سيحاول من جديد- إرهاب المصريين، وفاته ما قاله المفكر الفرنسي الكبير "جاك بيرك": "إن مصر لا تنكسر أبدا" ولله الأمر من قبل ومن بعد.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة