يُخطئ بعض الباحثين في وصف تنظيم الإخوان الإرهابي وشكل علاقة التنظيم بالعنف.
فهناك من يرى أن بداية العنف لديهم كانت مع فهم أتباع مؤسس الإخوان، حسن البنا، للأفكار التي تركها ميراثا لهذا التنظيم، وبالتالي تم ترجمتها في شكل عنف سياسي وجنائي.
وهناك من يرى أن التنظيم راجع نفسه فيما طرح من أفكار ولّدت فيما بعد عنفًا.
من يقرأ تنظيم الإخوان يُدرك أن علاقته بالعنف بدأت منذ اللحظة الأولى التي طرح فيها "البنا" دعوته في ربيع عام 1928، ففكرة "البنا" نفسها مسلحة، أي تتسم بكل مظاهر العنف، وأن ما حدث فيما بعد من ممارسة للعنف كان مجرد ترجمة لهذه الفكرة، التي طرحها على أنصاره.
من هنا يمكن التأكيد أن العنف بدأ مع حسن البنا، وأن أنصاره لم يفعلوا شيئًا غير أنهم طبقوها على الأرض، فساروا على نهجه.
أنصار "البنا" كانوا أوفياء لفكرة مرشدهم الأول، فعملوا عليها، وبالتالي فإن أي مليشيات مسلحة هي ترجمة للأفكار العنيفة التي طرحها وعبر عنها "البنا" في رسائله وبنائه التنظيمي، والتي استقاها منظّرو العنف في الإخوان، مثل سيد قطب.
ما فعله "قطب" فعله مفكّرو التنظيم الذين شرعنوا العنف وأصّلوا له وفق القواعد التي طرحها "البنا".
والحديث عن فكرة العنف يدفعنا لاستحضار المليشيات المسلحة، التي أنشأها تنظيم الإخوان في مصر بعد عام 2013، وهنا تتأكد لنا الأهداف الحقيقية وراء نشأة "النظام الخاص" أو "الذراع العسكرية" للإخوان في نهاية ثلاثينيات القرن الماضي.
وبالمناسبة، فإن العمل المسلح كان حاضرًا عند المؤسس الأول للتنظيم منذ بداية دعوته، لكنه آثر الإعلان عنه بعد مرور 10 سنوات من إنشاء التنظيم لأسباب سوف نذكرها لاحقًا، فكانت أول ترجمة لهذه الأفكار في المؤتمر الخامس، الذي عقد عام 1939.
من أهم المليشيات المسلحة، التي خرجت من رحم الإخوان في العصر الحديث، وهنا نتحدث عن الحالة المصرية، مليشيات "سواعد مصر"، "حسم"، "لواء الثورة"، "العقاب الثوري"، "المقاومة الشعبية"، وغيرها من المليشيات التي أعلنت عن نفسها بعد 2013، ما يدل على أن العنف كان حاضرًا في أفكار التنظيم ولم يغب عنه يومًا.
ونجد أن كل التنظيمات المتطرفة، التي مارست عنفًا، كان تنظيم الإخوان دليلها، وهنا يُنظر إلى التنظيمات التي مارست العنف في العصر الحديث إما بأنها خرجت من رحم الإخوان، أو رضعت من التنظيم أفكاره، ومن هنا تبدو خطورة الإخوان كتنظيم وفكرة.
ومن واقع أدبيات الإخوان، نستشهد على تأصل العنف لديهم، فهم يعترفون بإيمانهم بالعنف، ولا يجدون غضاضة في التعبير عن ذلك، بل هو مصدر فخر واعتزاز لهم، يتباهون به وبكل منْ يمارسه.
يقول محمود الصباغ، أحد قادة "النظام الخاص"، ذراع الإخوان المسلحة، في كتابه "حقيقة التنظيم الخاص":
"عرفني مصطفى مشهور على أخي في الله المرحوم الأستاذ عبد الرحمن السندي، بصفته المسؤول عن إعداد هذا الجيش المسلم في تنظيم الإخوان... وسريعًا ما استقر عزمنا على ضرورة وضع القواعد التنظيمية لهذا الجيش المسلم... خاصة أن الأمر جد لا هزل فيه، وأن القوانين التي تحكم مصر قد صيغت كلها لتحريم أي عمل يستهدف المقاومة المسلحة للعدو".
هنا يعترف أحد قيادات الذراع المسلحة للإخوان بأن الهدف من وراء نشأة "النظام الخاص" ليس مواجهة الاحتلال الإنجليزي كما كانوا يدعون، ولكن حتى يكون "نواة لجيش مسلم"، وهنا يمكن القول إن مفهوم الوطن بالنسبة للإخوان غائب منذ زمن النشأة، فلا يرى التنظيم الوطن، لكنه يرى نفسه بديلًا لهذا الوطن.
لذلك كان العنف أداة الإخوان في هدم الوطن، أو وسيلته نحو تنفيذ ما أراد من أفكار، وضعها في أطر عدة وأعطى لها تسمياته، ولكن في النهاية لا يمكن قراءة هذا العنف إلا في زاوية العنف نفسها، فما معنى "الجيش الإسلامي" الذي تحدث عنه الإخوان في دولة لها جيش؟ وما أصل وصف الجيش بـ"الإسلامي"؟.
كل هذه شعارات زائفة غرضها الأساسي تبرير استخدام العنف، وهي دليل على أن الإخوان دعاة عنف، وأن الإرهاب والدم أصل دعوتهم.
لا يمكن لنا أن نواجه تنظيم الإخوان دون أن نفهمه فهمًا دقيقا، ودون أن تكون لدينا دراية بأهدافه الحقيقية وخططه، دراية تصل بنا إلى توقع سلوكه وخطره، من هنا تبدأ المواجهة الحقيقية لأفكاره الدموية، التي باتت أشد خطرًا من كل التحديات التي تمر بها أوطاننا العربية.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة