علاقة الإخوان بالعنف والكراهية ارتبطت بنشأة التنظيم الأولى على يد مؤسسه حسن البنا في ربيع عام 1928، فكما أنّ هذا الارتباط كان وثيق الصلة بسلوك التنظيم ارتبط أيضًا بالأفكار المؤسسة للجماعة.
ومن هنا نفهم أن سلوك الإخوان المنحاز للعنف مرتبط بالأفكار الأيديولوجية التي يؤمن بها؛ وبالتالي لا يمكن تغيير هذا السلوك أو تحييده أو حتى تهذيبه، لأنه مرتبط بمجموعة من الأفكار العنيفة التي يؤمن بها. والفترات الزمنية التي استخدام فيها الإخوان العنف كانت منطلقاتهم عدداً من الأفكار التي ما زالوا يؤمنون بها، فسلوك الإخوان العنيف هو ترجمة لأفكارهم المنحازة للعنف دائمًا.
قرار استخدام الإخوان العنف جاء على يد المؤسس الأول عندما أعلن ذلك بالمؤتمر الخامس في فبراير/شباط 1929، مؤكدًا أنه سيستخدم العنف حين لا يُجدي غيره، مسميًا إياه «القوة العملية». وكتب رسالة لمن ألحقهم بالجناح العسكري للجماعة، أطلق عليه وقتها النظام الخاص، فعمل على إعداد الجيل الأول من المتطرفين!
وقال المؤسس الأول في المؤتمر الخامس: سأرد على المتسائلين عن استخدام الإخوان القوة، إن الإخوان المسلمين سيستخدمون القوة العملية حيث لا يجدي غيرها، وحيث يثقون بأنهم قد استكملوا عدة الإيمان والوحدة، وهم حين يستخدمون هذه القوة سيكونون شرفاء صرحاء وسينذرون أولاً، وينتظرون بعد ذلك ثم يقدمون في كرامة وعزة، ويحتملون كل نتائج موقفهم هذا بكل رضا وارتياح.
الاقتباس السابق من أقوال المؤسس الأول في المؤتمر المشار إليه، يؤكد أنّ خلافه ليس على استخدام العنف لكن على وقت استخدامه، مدعيًا أنه صريح في قوله وعمله، وأن دافعه لذلك هو فهمه للدين، وأنّ جماعته تستخدم هذا العنف عن رضا وارتياح!
وهذا رد على أولئك الذين ما زالوا يرون أنّ الإخوان المسلمين فصيل سياسي أو جماعة دعوية وألا علاقة لهم بالعنف؛ فها هو مؤسس الجماعة يعترف باستخدامه العنف بعد 10 سنوات فقط من نشأة التنظيم في المؤتمر الخامس للجماعة، الذي يُعد أهم حدث بعد نشأة الجماعة، وبعد أن اطمأن لانضمام عدد كبير من الأنصار والحواريين.
اعترف حسن البنا بأنه سوف يستخدم العنف مسميًا إياه القوة العملية، وأن هذا الاستخدام سيكون عن رضا وارتياح، كما أنه عقب قائلاً: "وسوف نتحمل النتائج التي تترتب على ذلك" فلماذا يُجادل البعض في علاقة الإخوان بالعنف بعد مائة عام من الممارسة والتأصيل؟
المتطرفون من الإخوان تربوا على أفكار التنظيم التي أرساها حسن البنا وما زالوا يعيشون عليها، وهي التي استقى منها أبناء التنظيم بعد عام 2013 أفكار العنف، فتم إنشاء مليشيا "سواعد مصر.. حسم" و"لواء الثورة" وعدد آخر من المليشيات المسلحة سواء قبل أو بعد عام 2013، فقط الجماعة اختارت توقيت استخدام العنف فكان أعضاؤها مهيئين لذلك بحكم التربية التي تلقوها في محاضن الجماعة التربوية.
وهنا تبدو أزمة الإخوان في الأفكار التي يؤمنون بها وليس في سلوك الجماعة العنيف؛ لأن الجماعة مهما تم ترويضها فسوف تستخدم العنف، لأن سلوكها مرتبط بالأفكار المؤسسة، التي لا يصح انتماء عضو الجماعة إلا بها أو من خلالها، وهذا يبدو الأخطر في ارتباط الجماعة بالعنف.
وهنا تجدر الإشارة إلى نقطتين في غاية الأهمية؛ أولهما أن المؤسس الأول حسن البنا، كان أكثر دهاءً في عدم الإعلان عن نيته استخدام العنف إلا بعد 10 سنوات من نشأة التنظيم أو دخول عالم السياسة، وقد تم ذلك في عام 1939 أي بعد عقد من النشأة، حيث اطمأن إلى وجود عدد كبير حوله وقد بايعوه جميعاً على السمع والطاعة، وبالتالي سوف يقبلون كل ما يأتي منه.
وهنا سمى المجموعة المسلحة التي شكلها النظام الخاص، وابتعد عن أي تسمية ترتبط باستخدام العنف، كما أنه لم يسمها جناحاً عسكرياً، رغم أنها كانت كذلك بالفعل. النقطة الثانية، أن الجماعة لم تبقِ عمل هذا النظام بشكل دائم لكنها قامت بحله في فترات زمنية وإعادة عمله في فترات أخرى، لكن الأخطر هو أنها أبقت على الأفكار المحفزة لاستخدام العنف كانت وما زالت تُدرس للأتباع داخل المحاضن التربوية.
مع هذا وذاك وضع حسن البنا رسالة التعاليم وهي من أخطر رسائله، ودعاهم إلى استخدام العنف وقد سمى هؤلاء في رسالته "المجاهدين"؛ فجاء فيها، هذه رسالتي إلى الإخوان المجاهدين من الإخوان المسلمين الذين آمنوا بسمو دعوتهم، وقدسية فكرتهم، وعزموا صادقين على أن يعيشوا بها، أو يموتوا في سبيلها، إلى هؤلاء الإخوان فقط أوجه هذه الكلمات، وهي ليست دروساً تُحفظ، لكنها تعليمات تُنفذ، فإلى العمل أيها الإخوان الصادقون.
سمى من أوعز لهم باستخدام العنف المجاهدين، وقال إنّ لهم برامج وليست دروسًا ومحاضرات وكتب ومقالات ومظاهر وإداريات، حتى يفصل بين المليشيات المسلحة داخل الجماعة وأولئك الذين يُمارسون الدعوة عبر الدروس والكتب والمقالات، معلقًا: "ولكل وجهة هو موليها فاستبقوا الخيرات". وهنا أصّل المؤسس الأول للعنف من خلال إنشاء جناح عسكري ثم وضع لهم برامج تربوية تُعلي من مفهوم العنف والكراهية.
هناك مجموعة مميزة من الأعراض والعلامات لكل الإخوان على مر الأجيال؛ تتفق هذه الأجيال في صفة واحدة تميزهم، فجميعهم يؤمنون بالعنف ويُشارك سلوكهم في الوقت نفسه، فمتلازمة العنف والكراهية جزء من التكوين النفسي والشرعي والفقهي لكل الإخوان منذ النشأة وحتى الآن.
العنف ظاهرة أحيتها جماعة الإخوان المسلمين، على اعتباره التنظيم الأقدم في النشأة، فهو أول من مارسه حديثًا، كما أنه أول من أصّل له على المستوى الفكري أيضًا، فباتت أفكاره ملهمة لكل التنظيمات الدينية التي نشأت بعده، فمتلازمة الكراهية التي تبثها الجماعة هي المسؤولة عن أفكار العنف والإرهاب التي ضربت العالم، وبالتالي مواجهة هذا العنف لا بد أن تكون من خلال تفكيك أفكار الإخوان أولاً، وألا يقتصر ذلك على مواجهة السلوك فقط.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة