مجاهرة منصور عباس بالمشاركة في ائتلاف حكومي مع اليمين المتطرف في إسرائيل.
لم نسمع لها أي صدى أو أي تعليق، ولو همساً، من قيادات "الإخوان" في شتى بقاع الشتات في العالم، حول تشكيلة الحكومة الإسرائيلية التي تكونت بتركيبة مفاجئة للجميع، من حيث الشكل والمضمون، وهي التي في ظاهرها جمعت التناقضات، بينما واقعها التاريخي يؤكد أنها مجرد مجاهرة بما كان يجري في الخفاء بين جماعة "الإخوان" والإسرائيليين.
فجماعة "الإخوان" التي اعتادت الفجور في الخصومة، واتهامات التخوين والعمالة للآخرين، صمتت أمام خطوة الإخواني منصور عباس بعقد اتفاق شراكة وتشكيل حكومة مع يمين متطرف، بل إن مجلس شورى الحركة الإسلامية الجنوبية هو مَن سمح لمنصور عباس بالمشاركة، مما يؤكد أنها ليست خطوة أحادية الجانب وفردية من عباس، بل إنها سياسة مجلس شورى جماعة "الإخوان"، الذي دأب على الأضاليل سرّاً وجهراً، وما مجاهرة منصور عباس إلا غيضٌ من فيض، فالمطلع على أبجديات تنظيم جماعة الإخوان والبيعة والطاعة للمرشد، يعرف أن محمود عباس ما كان له أن يقوم بهذه الخطوة منفرداً، بل لا يمكن أن يخالف مجلس شورى الجماعة، وإلا فسيكون مصيره الطرد والردة عن الجماعة، بل ويمكن إهدار دمه، فالتنظيم وعجائزه ومجالس شورى الجماعة السرية منها والعلنية، لا يمكن أن تتسامح مع أي خطوة فردية، ولو كانت الترشح في انتخابات، من دون إذن الجماعة؛ فما بالك بالمشاركة في ائتلاف حكومي.
عباس منصور قفز من خانة طبيب أسنان مغمور ينتمي لجماعة "الإخوان"، تحت اسم "الحركة الإسلامية"، إلى سياسي مشهور. وفي صورة استفزازية قام الإخواني منصور عباس يصلي بعد توقيعه اتفاق الشراكة مع الصهيوني المتطرف نافاتالي بنيت، واليساري يائير لابيد زعيم حزب "هناك مستقبل"، مما يكشف حقيقة تنظيم جماعة "الإخوان"، ومتاجرتهم بالقضية الفلسطينية.
عباس الذي استغل حالة الكراهية المطلقة لشخص نتنياهو ومحاولات الانقلاب عليه من خصومه الذين كان شعارهم التحالف مع الشيطان للتخلص من نتنياهو، قدم نفسه لهذا التحالف باسم "القائمة العربية"، طبعاً بعد أخذ الإذن من مجلس شورى الجماعة والحركة الإسلامية الجنوبية التي ينتمي إليها. عباس الذي سقطت من خطاباته ومحادثاته ومفاوضاته كلمتا "الاستيطان والتهويد" للوصول للسلطة، فكيف لمن تجاهل الاستيطان والتهويد والهوية أن يعيد الحقوق ويدفع المظالم بتحالف مع مَن يؤمن بها حقوقاً له دون سواه؟!
عباس التزم الصمت أثناء قصف إسرائيل لغزة وهدم أبراجها السكنية على رؤوس سكانها. هو عباس الذي يزعم أنه بخطوته هذه "سيعيد" الحقوق للبلدات العربية في إسرائيل، وتناسى أن حليفه اليميني المتطرف نفتالي بنيت هو أحد أهم المدافعين عن المستوطنات والمطالبين بضم معظم الضفة الغربية لأراضي إسرائيل الكبرى، بل إن نفتالي بنيت حليف عباس لا يؤمن بتعدد القوميات في إسرائيل، بل إنه يؤمن بيهودية دولة إسرائيل؛ فكيف سيفسر لنا عباس منصور هذا التناقض في ائتلاف الحكومة التي رئيسها نفتالي بنيت، وإن كان زيّنها بجندرة بعض الوزرات بنساء يهوديات من أصول عربية؟!
سعي جماعة "الإخوان" المستمر للسلطة، أينما كانت وحلّت، في أي مكان وبأي ثمن، هو ما يفسر هذا الائتلاف وهذا التناقض في سياسات التنظيم البراغماتية، وما يرفعه من شعارات حول تحرير فلسطين والقدس ما هي إلا للخداع والتضليل، فالجماعة من خلال من ينتمي إليها ويدور في فلكها، لا هدف لها سوى الوصول للسلطة حتى بالتحالف مع الشيطان.
"حماس" و"الإخوان" الذين أنكروا في الماضي على ياسر عرفات اتفاق غزة وأريحا، ورفضوا "اتفاقية كامب ديفيد" "وقتَل أفراد من "الإخوان" السادات" رغم أنها جلبت لهم حل الدولتين، ورفضوا بعدها "اتفاقية وادي عربة" وجميع الاتفاقات العربية المتتالية، التي وصفتها "حماس" جميعها بـ"الخيانة" و"العمالة" و"خذلان" القضية، نجدهم يلتزمون الصمت حيال خطوة الحركة الإسلامية الجنوبية؛ فرع "الإخوان" في الداخل الإسرائيلي، مما يعكس حالة الكذب والفصام السياسي عند "حماس" و"الإخوان".
نقلا عن الشرق الأوسط
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة