منذ نهاية الحرب العالمية الأولى والشعوب العربية تسعى إلى قيام دول مستقلة والتخلص من الاستعمار بأشكاله.
وأيضا تسعى إلى تحقيق وحدة الأراضي أو مصالحة ووئام بين الطوائف والأقاليم.
أيا كان الأمر فقد كانت قضية قيام الدولة احتكاراً كاملاً لشعبها، الذي كما هو معلوم أدرى بشعابها، بينما تكون مهمة الشعوب والدول العربية الأخرى أن تؤيد ما استطاعت بالمال أو السلاح أو الدبلوماسية والسياسة في العموم. كانت في هذه الأخيرة تسعى من خلال المنظمات الدولية، سواء كانت عُصبة الأمم أو الأمم المتحدة، ومن خلال إقامة تحالفات مع دول أخرى، أو من خلال الإعلام والدعوة إلى تعاطف عالمي مع الدولة العربية المعنية.
كانت النهاية أن الدول العربية جميعها استقلت بعد كفاح مسلح أو بالسياسة والدبلوماسية أو بكل ذلك معاً، وحصلت كل منها على دولتها المستقلة، وبات عليها أن تحدد ماذا سوف تفعل بهذا الاستقلال من تنمية وازدهار ومكانة.
الشعب الفلسطيني وحده من بين الشعوب العربية، وربما من بين كل شعوب العالم، هو الذي لم ينجح حتى الآن في إقامة الدولة المستقلة.
ولا شك أن هناك قائمة طويلة من أسباب ذلك، تقع في مقدمتها طبيعة الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، كما لا يمكن استبعاد وجود فشل سياسي فلسطيني داخل النخبة السياسية الفلسطينية.
جرى الفشل أولاً في عدم التعلم من العدو ذاته الذي بدأ طريقه منذ عام ١٨٩٧ مع دعوة هيرتزل لإقامة الدولة، وحتى إقامة إمبراطورية صغيرة على الأرض الفلسطينية وأجزاء من دول عربية أخرى.
وثانيها أنه لم يكن هناك تعلم يذكر من حركة التحرر الوطني في الدول العربية، التي مزجت بين المقاومة بأشكالها المختلفة، والعمل الدبلوماسي والسياسي الخلاق، الذي يبني خطوة وراء الأخرى حتى يصل إلى كامل الدولة المستقلة.
وبالمثل لم يتم ثالثاً التعلم من التجربة العالمية في هذا الشأن. الفلسطينيون وحدهم، وهم الذين حصلوا على مكانة "قضية العرب المركزية"، ورغم نزيف الكثير من الدماء في الصدام، وكثير من الأحبار في ملفات التفاوض، كانوا هم الذين لم ينجحوا في تحقيق هذا الهدف الغالي.
حرب غزة الرابعة الأخيرة تعطي مثالاً ناصعاً وحديثاً للتجربة الفلسطينية، ورغم ما كان جارياً في القدس من مواجهات، فإن الانقسام الفلسطيني كان على أشده.
ورغم انتهاء الحرب بتدمير غزة، وحصول الفلسطينيين على الكثير من التعاطف العربي والدولي، وسعي الدول العربية إلى إعادة تعمير غزة للمرة الرابعة، فإن محاولات "المصالحة" ما لبثت أن دخلت في طريق مسدود.
كان الفلسطينيون يعيشون تناقضهم التاريخي ما بين الحديث عن الدولة الفلسطينية المستقلة في الوقت الذي لا يسير فيه الفلسطينيون تحت علم واحد وسلطة واحدة تحتكر الاستخدام الشرعي للسلاح.
استعار الفلسطينيون أكثر النماذج العربية في الدولة تواضعاً، وهو النموذج اللبناني، حيث توجد سلطة الدولة وإلى جوارها سلطة "حزب الله" الذي يتخذ قرارات الحرب والسلام للدولة كلها، وفي القرارات الأخرى فإنه يمثل "الثلث" المعطل الذي يسمح أو لا يسمح للقرار بالصدور.
منظمة حماس هي "حزب الله الفلسطيني"، الذي لا يقيم "الفيتو" على الشعب فحسب، وإنما يعتنق أيديولوجية الإخوان المسلمين، ويحتضن إيران وتوابعها.
في الحالة الفلسطينية، فإن الصراع يدور حول الإيذاء للإسرائيليين بأي شكل ومهما كان ذلك محدوداً ويبعد الأصدقاء والحلفاء، وفي استطلاعات مختلفة لحروب غزة فإن الجمهور الفلسطيني يحتاج عادة إلى ستة أشهر لكي يفيق من الغفلة التي ذهب إليها، بعد أن يكون الواقع قد تغير في غير صالح القضية الفلسطينية.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة