قبل شهرين، أبلغ قادة السياسة الخارجية بالحزب الجمهوري في الكونجرس، إدارة "بايدن" رسميا أنهم لن يكونوا ملزمين بأي اتفاق جديد مع إيران.
ويُفهم من هذا أن أي صفقة إيرانية جديدة سوف تعاني من نقاط الضعف ذاتها في اتفاق 2015، الذي لم تقدمه إدارة أوباما إلى الكونجرس للموافقة عليه، ما يعني أن الصفقة لم يتم التصديق عليها قط كمعاهدة رسمية، وبالتالي مهدت الطريق لإدارة ترامب لإلغائها بسهولة في عام 2018.
ومن خلال هذا يرسل المشرِّعون، كما هو واضح، رسالة إلى طهران مفادها أن أي شيء وعدت به إدارة بايدن يمكن التراجع عنه في المستقبل القريب.
منذ ذلك الوقت الذي كانت تجري فيه واشنطن مباحثات غير مباشرة مع إيران، وهناك مشرعون جمهوريون يبحثون عن استراتيجيات لتثبيط توجهات إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن لإعادة إحياء الاتفاق النووي، بل إن مشرّعين جمهوريين أعلنوا عن رغبتهم في "خنق" أي وعود يمكن أن تقدمها إدارة بايدن لطهران، خاصة إذا لم يكن هناك "اتفاق شمولي يعالج دعم إيران للإرهاب وأعمالها الأخرى".
بمعنى أن الجمهوريين في الكونجرس يريدون اتفاقاً شاملاً يمنع إيران من دعم الإرهاب، ويعتبرون رفع العقوبات عنها دون مقابل أمراً خطيراً، وأن محاولة "بايدن" الناشئة لإحياء الاتفاق النووي الإيراني من أجل اتفاقية دبلوماسية أطول وأقوى تواجه بالفعل شكوكا عميقة وعقباتٍ محتملة في الكونجرس، بما في ذلك من جانب الديمقراطيين أيضا.. بل إن الكلام يكثر هنا في واشنطن ومنذ أسابيع عدة عن أن صقور الحزب الجمهوري يهدفون لـ"حق نقض فعال" بشأن أي محاولة من جانب إدارة بايدن للتراجع عن العقوبات الصارمة، التي فرضها الرئيس السابق دونالد ترامب، على طهران بعد الانسحاب من حظر انتشار الأسلحة النووية لعام 2015.
كذلك، قال موقع "واشنطن فري بيكون" الأمريكي، إن نواباً من الحزب الجمهوري يعترضون على رفع إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن العقوبات عن إيران دون إخطار الكونجرس، وكما قلنا فإن قادة السياسة الخارجية من الحزب الجمهوري بالكونجرس أبلغوا إدارة بايدن رسميا في وقت سابق أنهم لن يكونوا ملزمين بأي اتفاق جديد مع إيران يعد بالتخفيف من العقوبات الاقتصادية عليها.
قادة الجمهوريين في لجنتي الشؤون الخارجية والعسكرية بمجلس النواب أعلنوا أن أي ضمانات تقدمها إدارة بايدن، بما في ذلك تخفيف العقوبات، ستكون باطلة.
ومن أولئك النائب الجمهوري جيم بانكس وجو ويلسون، اللذان قالا: "بصفتنا أعضاء في الكونجرس، وهو فرع متكافئ من الحكومة الفيدرالية، فإننا لا نعتبر أنفسنا ملزمين بالاتفاقيات التنفيذية التي تهدف إلى تقديم التزامات نيابة عن كونجرس الولايات المتحدة".
وحذر النائبان بانكس وويلسون الإدارة من أن الجمهوريين في الكونجرس سوف "يعارضون، وسيعملون على إلغاء، أي تخفيف للعقوبات المفروضة على إيران"، ما قد يجعل أي اتفاق جديد ميتاً عند الوصول إليه وغير قابل للتنفيذ على المدى الطويل.
كذلك أعلن كبير الجمهوريين في لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ، السيناتور جيم ريش، انضمامه إلى هذه الجهود ودعم مشروع القانون الذي طرح بعنوان "قانون مراجعة إعفاء إيران من العقوبات".
وقال "ريش" في بيان: "بات من الواضح أن وعود الإدارة الأمريكية لتمديد الاتفاق النووي، وتقويته هي مجرد محاولة للعودة إلى اتفاق ملأته العيوب مهما كان الثمن"، وأضاف: "لهذا فقد انضممت لدعم مشروع القانون الذي سيتطلب موافقة الكونجرس على جهود إدارة بايدن لرفع العقوبات عن النظام الإيراني".
من جهته، قال السيناتور الجمهوري بيل هاغرتي: "إذا كانت إدارة بايدن تريد اعتماد سياسة تحظى بدعم الحزبين وتتجاوز التغيير في الإدارات مع إيران، إذاً عليها أن تتوقف عن الانحناء للتخلي عن العقوبات الاقتصادية والمالية، وأن تستعمل هذه العقوبات لوقف طموحات إيران النووية وتهديدات أسلحتها الباليستية ودعمها للإرهاب والاعتداءات على المنطقة".
الحديث هنا في واشنطن هو أن سياسة بايدن تجاه إيران تواجه معارضة جمهورية واسعة، ولا شك أنها ستخلق تأثيراً مخيفاً على العقود طويلة الأجل مع إيران والاستثمارات فيها، كذلك فإن سياسة بايدن تمنح إيران مسارات مستقبلية للأسلحة النووية، وهو ما يواجهه الجمهوريون في الكونجرس بمعركة شاقة مع الديمقراطيين، الذين يسيطرون على مجلسي النواب والشيوخ.
لكن الأسابيع القليلة الماضية أوضحت شيئاً يجب التوقف عنده، وهو أنه لن يمنع أي شيء إدارة "بايدن" من رفع العقوبات عن إيران على المدى القصير، حتى وإن ذكرت أعلى هيئة رقابة نووية في العالم أن إيران تخفي أنشطة ومواد نووية غير معلنة، وأيضا ما توصلت إليه "المحكمة الكندية" من أن إيران أسقطت عن عمد طائرة ركاب في 2019، وتواطؤ إيران في تسليح المنظمات الإرهابية، ودعم الهجمات العنيفة ضد المدنيين في كل العالم.
كان لافتاً هنا ما نشره جوزيف كلارك، عبر تقرير نشرته صحيفة "واشنطن تايمز" تحت عنوان "الجمهوريون في مجلس النواب يطالبون الكونجرس بمراجعة أي اتفاق نووي إيراني جديد"، أشار في مستهله إلى أن النواب الجمهوريين في لجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب بعثوا برسالة إلى وزير الخارجية أنتوني بلينكن يطالبون فيها بمراجعة الكونجرس لأي اتفاق نووي يتم التوصل إليه مع إيران.
ويلفت التقرير إلى أن هذا الخطاب تخلله انتقاد الجمهوريين لمحاولة الإدارة العودة إلى اتفاق شبيه بخطة العمل الشاملة المشتركة (JCPOA)، التي انسحبت منها إدارة ترامب في مايو 2018.
وكتب النواب، بقيادة النائب مايكل ماكول، في رسالتهم: "أي اتفاق محتمل يتعلق بالبرنامج النووي لإيران يُلزم الولايات المتحدة باتخاذ إجراء يشكل بوضوح اتفاقاً جديداً يجب إحالته إلى الكونجرس لمراجعته للتأكد من أنه يعالج التهديدات النووية وغيرها من التهديدات التي تشكلها إيران على الولايات المتحدة وحلفائنا وشركائنا".
يُذكر أن المفاوضين الأمريكيين والأوروبيين انخرطوا في الجولة الأخيرة من المحادثات النووية مع إيران في فيينا بعد انتهاء المناقشات السابقة في مايو الماضي.
وقد دعا بلينكن إلى إعادة الدخول في اتفاق مماثل لخطة العمل الشاملة المشتركة، التي تتطلب الامتثال المتبادل من كلا البلدين، لكنه دعا إلى شروط أقوى وأطر زمنية أطول من الاتفاق السابق.
من جانبهم، جادل الجمهوريون بأن العودة إلى مثل ذلك الاتفاق لن توقف تقدم وسعي إيران نحو السلاح النووي، ويقولون إن انتهاكات إيران للاتفاق السابق يجب أن تمنع أي محاولات للعودة إلى خطة العمل الشاملة المشتركة.
وقالوا: "حتى لو تخلت إيران عن جميع المكاسب المادية لانتهاكاتها -مثل أجهزة الطرد المركزي والمواد النووية غير المتوافقة- فإنها لا تستطيع التخلي عن القدرات التقنية والمعرفة التي اكتسبتها من الأنشطة النووية المحظورة التي قامت بها.. إنها على الطريق نحو امتلاك السلاح النووي بصورة أقرب مما كانت عليه عندما تم إبرام خطة العمل الشاملة المشتركة الأصلية".
خلاصة الأمر، فإن كل ما سبق يؤكد تحذير قادة السياسة الخارجية الجمهوريين لإدارة بايدن من أن أي صفقة جديدة ستواجه مصيراً مشابهاً في ظل الإدارة الجمهورية القادمة. كما يرسل المشرعون رسالة إلى طهران مفادها أن أي شيء وعدت به إدارة بايدن يمكن التراجع عنه في المستقبل القريب، وأن أي ضمانات تقدمها إدارة بايدن، بما في ذلك تخفيف العقوبات، ستكون باطلة ما لم يتم عرضها على الكونجرس للموافقة عليها وسيبقى "قانون الضغط الأقصى" حديث الأشهر المقبلة في الصراع بين إدارة بايدن والجمهوريين مهما كان هو ذلك "الإرهابي الجديد" الذي سيتولى رئاسة إيران.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة