بوركينا فاسو والمنظمات الغربية.. صراع الثقة المفقودة

تصعيد جديد بين بوركينا فاسو والمنظمات الغربية العاملة في أراضيها يعكس مناخًا من الشك السياسي وانعدام الثقة.
وبحسب خبراءَ تحدثوا لـ"العين الإخبارية"، فإن اعتقالَ ثمانية من موظفي منظمة إنسانية دولية في بوركينا فاسو، بينهم أربعة أجانب، بتهمة "التجسس والخيانة"، يعكس تصاعدَ التوتر بين الحكومة العسكرية في واغادوغو والمنظمات الغربية العاملة في البلاد.
وقال فرانكلين نيامسي، رئيس معهد إفريقيا للحريات، وأستاذ الفلسفة السياسية في فرنسا، لـ"العين الإخبارية"، إن "هذه القضية تكشف عن تصاعد الحساسية لدى السلطات في بوركينا فاسو تجاه أي نشاط أجنبي يُنظر إليه على أنه تدخلٌ في الشؤون الأمنية الداخلية".
وأضاف أن "البلاد تمرّ بمرحلة انتقالية صعبة، والجهاز العسكري الحاكم يسعى لحماية البلاد على مستوى المعلومات الميدانية، خصوصًا في ظل الحرب المستمرة ضد الجماعات المسلحة".
وأشار نيامسي إلى أن "السلطات في بوركينا فاسو باتت تخشى أن تكون المنظمات الإنسانية تعمل كغطاء لجمع المعلومات لصالح دول غربية، وهو ما يبرر -في نظرها- فرضَ قيودٍ شديدةٍ على المنظمات الدولية"، لكنه حذر من أن "هذا التوجه قد يعقّد وصول المساعدات الإنسانية إلى ملايين المدنيين الذين يعيشون في مناطق النزاع".
أما يوسفو ويدراوغو، المفكرُ السياسي البوركيني، ومؤلف كتاب اليسار الوطني، وعضو سابق في الأكاديمية للعلوم والسياسات العامة في بوركينا فاسو، فقد دافع عن موقف المجلس العسكري، معتبرًا أن ما جرى "خطوة سيادية ضرورية لحماية الأمن القومي من اختراقاتٍ استخباراتية متزايدة تحت غطاء العمل الإنساني".
وقال ويدراوغو لـ"العين الإخبارية" إن "محاولاتِ بعضِ المنظمات الأجنبية جمعَ معلوماتٍ ميدانيةٍ حساسةٍ تتعلق بتحركات الجيش ومناطق عملياته قد تكررت خلال العامين الماضيين، وهذا لا يمكن أن يُعتبر عملًا إنسانيًا مشروعًا".
وأضاف ويدراوغو أن "المجلس العسكري يتحرك في بيئةٍ إقليميةٍ معقدة، حيث تتعرض البلادُ لحربٍ غير متكافئةٍ مع جماعاتٍ إرهابيةٍ مدعومةٍ خارجيًا، وبالتالي فإن أيَّ نشاطٍ غيرِ منسقٍ مع السلطات يمكن أن يشكّل خطرًا مباشرًا على الأمن الوطني".
وأكد أن "قرار الحكومة باعتقال المشتبه بهم يجب أن يُفهم في إطار حماية السيادة، وليس كقمعٍ للمنظمات الدولية"، مشددًا على أن "الجيش يسعى إلى تنظيم العمل الإنساني بطريقةٍ تضمن الشفافية وتحمي المصالح العليا للدولة، بعيدًا عن أي تدخلٍ أجنبيٍّ في الشؤون الداخلية للبلاد".
من جانبه، قال مامادو أليو ديالو، الباحثُ في مركز الدراسات الأفريقية للأمن والتنمية في باماكو بمالي، والمتخصصُ في التحولات السياسية في منطقة الساحل وغرب أفريقيا، لـ"العين الإخبارية"، إن "الاعتقالاتِ الأخيرةَ تعبّر عن مرحلةٍ جديدةٍ من القطيعة بين واغادوغو والعواصم الغربية، خصوصًا باريس".
وقال إن "السلطات العسكرية تسعى لإعادة تشكيل علاقاتها الخارجية بالاعتماد على شراكاتٍ جديدةٍ مع روسيا وبعض الدول الإفريقية المجاورة".
وأوضح ديالو أن "اتهامَ منظمةِ (INSO) بالتجسس يعد سابقة خطيرة، لأنها منظمةٌ متخصصةٌ تقليديًا في تقديم الدعم الأمني للمنظمات الإنسانية، وليس في جمع المعلومات العسكرية"، معتبرًا أن "الخطاب الرسمي الذي يربط العمل الإنساني بالتجسس يعكس حالةَ التوتر وانعدامَ الثقة بين النظام العسكري والمنظمات الدولية".
وتابع الخبير الفرنسي أن "التصعيدَ الحالي قد يؤدي إلى انسحابٍ جماعيٍّ للمنظمات الدولية من بوركينا فاسو، ما سيضاعف الأزمة الإنسانية ويضعف قدرة المجتمع الدولي على مساعدة هذا البلد الذي يعيش إحدى أخطر مراحله الأمنية والسياسية منذ عقود".
aXA6IDIxNi43My4yMTYuMjUg جزيرة ام اند امز