جراء أزمتي"فاروشا" وليبيا.. لا خطوات عملية للتقارب بين القاهرة وأنقرة
"لا خطوات عملية للتقارب" في الوقت الحالي بين القاهرة وأنقرة، مؤشرات أظهرها الرد المصري الأخير حيال الإعلان التركي بشأن إعادة فتح مدينة فاروشا القبرصية.
كما أظهر الرد المصري كذلك أن العلاقات مع تركيا ربما ستعود إلى التأزم من جديد مع "تعقد الاتصالات" بين الجانبين، كما كشف عن غضب القاهرة واستيائها من الخطوات التركية في عدة ملفات المنطقة.
ويخطط الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى إعادة فتح مدينة فاروشا، وهي المدينة التي تعد رمزا لتقسيم قبرص، وتقع في الجزء الشمالي الذي تسيطر عليه سلطة موالية لتركيا.
وقام أردوغان بخطوة "استفزازية" بزيارة شمال قبرص الثلاثاء الماضي، وإعلان "بدء عهد جديد" في فاروشا، زاعما أنه" سيستفيد منه الجميع" وأطلق اسما تركيا على المدينة "ماراس".
وتقع المدينة حاليا في أراضي "جمهورية شمال قبرص التركية" المعلنة من طرف واحد منذ 1983 ولا تعترف بها سوى تركيا.
ويأتي المخطط التركي في مسعى لإعادة التفاوض حول الملف القبرصي على أساس إقامة دولتين، الأمر الذي ترفضه قبرص والاتحاد الأوروبي والقوى الدولية والأمم المتحدة.
وفور إعلان أردوغان، استبق البيان المصري كافة الدول في إدانة التصرف التركي.
وقالت الخارجية المصرية،حينها ، إن "مصر تعرب عن عميق القلق إزاء ما تم إعلانه بشأن تغيير وضعية منطقة فاروشا بقبرص من خلال العمل على فتحها جزئياً، وذلك بما يخالف قرارات مجلس الأمن ذات الصلة".
وأضاف البيان: "تؤكد مصر مطالبتها بضرورة الالتزام بقرارات مجلس الأمن في هذا الشأن، وتجنُب أي أعمال أحادية قد تؤدي إلى تعقيد الأوضاع وتُزيد من مقدار التوتر، مع ضرورة الالتزام الكامل بمسار التسوية الشاملة للقضية القبرصية وفقاً لقرارات الشرعية الدولية".
تعقد مساعي التهدئة
الرد الرسمي المصري على تحركات أنقرة الأخيرة في فاروشا القبرصية "مؤشر هام على أن الأزمة مستمرة رغم المساعي التركية للتهدئة مع مصر، ويشير إلى تعقد الاتصالات بين الجانبين لعدم استجابة أنقرة لشروط القاهرة"، بحسب ما أكده الدكتور أحمد يوسف أحمد، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة.
وقال في حديث خاص لـ"العين الإخبارية" إن "القاهرة مازالت حريصة على ألا تضيع مساعي التقارب، لكن في نفس الوقت فإن الرسالة أنه "ما لم تستجب أنقرة للشروط المصرية، فلا مستقبل لاتصالات التهدئة بين الجانبين".
ووصف الخبير والمحلل السياسي المصري، استئناف العلاقات والمصالحة بين مصر وتركيا في ظل استمرار سياسات أنقرة بـ"الصعبة".
وأوضح: "تتحفظ مصر على مجمل المشروع التركي فى المنطقة، حيث تطالب بوقف التدخلات التركية في الشؤون الليبية والعراقية، وإنهاء احتلالها في سوريا، ووقف البلطجة التي تمارسها فى شرق المتوسط".
وفي هذا الصدد، نبه أستاذ العلوم السياسية إلى أن السياسة التركية كانت تتصور أن النظام المصري سيكتفي بمسألة إسكات قنوات الإخوان التي تبث سمومها حيال مصر من إسطنبول، مشيراً إلى أن ذلك "تصور سطحي وساذج؛ لأن هذه القنوات لم تكن تشكل أي تهديد للبلاد".
لا تغييرات جوهرية
وشدد يوسف أحمد، على أنه ليس مستغربا عدم حدوث خطوة في طريق استئناف العلاقات بين الجانبين عقب ذلك، لاسيما عقب تسرب أنباء مفادها أن الجانب التركي لا ينوي إحداث تغييرات جذرية في بعض الملفات المهمة لمصر، وأبرزها؛ الملف الليبي وسحب المرتزقة من هذا البلد الأفريقي.
ونوه إلى أن الاجتماع الدبلوماسي الوحيد مطلع مايو/ أيار الماضي بين الجانبين التركي والمصري في القاهرة، تكشفت خلاله هذه الاختلافات، وهو ما بدا من البيان الصادر عن الاجتماع الذي تحدث عن أن هناك تبادل صريح لوجهات النظر، وأن كل طرف سيقيم الأمر.
وفي تفسيره للتحرك التركي الجديد باتجاه قبرص رغم معارضة المجتمع الدولي، قال يوسف "إن ما يجري دليل على عودة تركيا لسياسة الحد الأقصى من المشاكل مع المحيط الإقليمي ودول الجوار بدلا من سياسة صفر مشاكل، وهي بالتأكيد تعلم أن هذه الخطوة ستكون موضع إدانة أوروبية وأمريكية".
وزعم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، في تصريحات صحفية اليوم الأحد، أن أنقرة ستواصل الدفاع عن حقوقها النابعة من القانون الدولي دون أي إذعان لتهديد وترهيب وابتزاز بعض الدوائر.
وقال أردوغان: "عازمون على دخول عام 2023 الذي نحيي فيه مئوية جمهوريتنا كدولة قوية ومستقلة تنعم بالرفاه اقتصاديا وعسكريا وسياسيا ودبلوماسيا".
وفتحت خطوة فتح فاروشا، على تركيا جبهات رفض كبرى من واشنطن وبروكسل وباريس ولندن، وأثينا المجاورة، ما ينسف التقارب الأخير بين أنقرة وهذه العواصم، وتجعل أردوغان حبيس عزلة دولية كاد يخرج منها في اجتماعات مؤخرا مع تلك الأطراف.
وأدان مجلس الأمن الدولي، الجمعة الماضية، مواقف الرئيس التركي بشأن قبرص. ووافق على إعلان بالإجماع يدعو إلى تسوية النزاع القبرصي "على أساس نظام فدرالي بمجتمعين ومنطقتين مع مساواة سياسية".
كما أدان الإعلان "الأفعال أحادية الجانب" للرئيس التركي رجب طيب أردوغان.
لا خطوات عملية للتقارب
ومن جهتها، قالت الدكتورة دلال محمود، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة في حديث لـ"العين الإخبارية" إن مصر تدرك جيدا الأهداف التركية، ولم تنخدع منذ البداية بالتحركات الظاهرية لنظام أردوغان الذي حاول أن يظهر رغبته في التقارب واستئناف العلاقات، لكن لم تكن هناك خطوات عملية تدعم تلك التحركات.
وقالت "محمود" إن "مساعي التقارب بين الدولتين لم تكلل بالنجاح حتى الآن، وهذا كان واضحا من إصرار مصر على تسمية المباحثات التي تمت مع الجانب التركي بأنها استكشافية".
وفي قراءتها للتحرك التركي بشأن مدينة "فاروشا" القبرصية، أكدت أن أنقرة تستهدف محاولة فرض وجودها على منطقة شرق المتوسط، والضغط من أجل عدم استبعادها من المنطقة.
وأردفت: "النظام التركي يسعى للحصول على نصيب من اكتشافات الغاز الجديدة، وما لم ينجح هذا الهدف فقد يمكنها مساومة قبرص أو دول أوروبا للحصول على بعض المكتسبات في شرق المتوسط".
وشهدت الفترة الماضية محاولات تركية لرأب الصدع في علاقاتها مع مصر التي وصلت حد المقاطعة عقب ثورة 30 يونيو/ حزيران 2013، والإطاحة بحكم جماعة الإخوان الإرهابية التي دعمتها أنقرة واستضافت عناصرها.
وبدأت تركيا في الآونة الأخيرة في تغيير لهجتها حيال علاقاتها مع مصر، بعد كانت ذات نبرة متوترة، وتحدثت عن وجود اتصالات استخبارية ودبلوماسية مع مصر.
فيما تحدثت تقارير إعلامية عن تعثر هذه المحادثات، وتعليقها بشكل مؤقت.
وكررت تركيا محاولات التودد إلى مصر، أكثر من مرة، برسائل مغازلة وجهها مسؤولون أتراك بهدف إعادة العلاقات بين البلدين.
غير أن مصر قابلت هذه المحاولات بشروط حددها وزير الخارجية سامح شكري في كلمته في وقت سابق، خلال اجتماع لجنة العلاقات الخارجية بمجلس النواب المصري، حين قال إنه: "إذا ما وجدنا أفعالا حقيقية من تركيا وأهدافا تتسق مع الأهداف والسياسات المصرية التي تسعى للاستقرار في المنطقة وعدم التدخل في شؤون الدول والاحترام المتبادل.
صفحة ربما تغلقها أنقرة للأبد - إن أرادت - بعد جولة استكشافية عقدها فريقان مصري وتركي بدأت في 5 مايو/أيار الماضي كمحاولة لإنهاء قطيعة دامت لأكثر من 8 أعوام.
aXA6IDMuMTQuMTMwLjIwNSA=
جزيرة ام اند امز