لماذا قرر أردوغان نبش أزمة "فاروشا" القبرصية؟
لا يتردد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان عن النبش في الأزمات، ورفع منسوب التوتر في مناطق مختلفة في العالم، دون تفكير
ويخطط الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى إعادة فتح مدينة فاروشا، وهي المدينة التي تعد رمزا لتقسيم قبرص، وتقع في الجزء الشمالي الذي تسيطر عليه سلطة موالية لتركيا.
وقال خبراء في الشأن التركي لـ"العين الإخبارية" إن نظام أردوغان يسعى لاستخدام "فاروشا" القبرصية كورقة ضغط ومساومة مع الأوروبيين والولايات المتحدة لتحقيق مكاسب اقتصادية وتجارية.
وأكد الخبراء في الوقت ذاته، أن نظام أردوغان يسعى إلى خلط الأوراق وإرباك الحسابات الأوروبية، بدفع الأخيرة إلى الجلوس والتفاوض معه في ملفات حول شرق المتوسط وعلاقاته مع اليونان، مقابل التراجع عن طرح تقسيم قبرص لدولتين، وهو مقترح ترفضه أوروبا وأمريكا.
يذكر أن أردوغان قام بخطوة "استفزازية" بزيارة شمال قبرص أمس الثلاثاء، وإعلان "بدء عهد جديد" في فاروشا، "سيستفيد منه الجميع" مطلقا الاسم التركي للمدينة "ماراس".
ورقة ضغط
بشير عبد الفتاح ،الخبير في الشؤون التركية بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، قال في حديث لـ"العين الإخبارية" إن التحرك التركي في مدينة فاروشا القبرصية هو ورقة ضغط ومساومة مع الأوروبيين في العديد من الملفات؛ أبرزها؛ الانضمام المتعثر للاتحاد الأوروبي، والأوضاع في شرق المتوسط وأزمة الطاقة، وملف العلاقات مع اليونان.
ونبه عبد الفتاح إلى أن أنقرة "حين ترتب أوراقها السياسية، فإنها تنقب في أوراق إثنية ودينية وطائفية كمسألة القبارصة الأتراك"، وتستغلها في علاقاتها الإقليمية والدولية، وتوظفها من أجل ابتزاز أوروبا.
ولفت إلى أن أردوغان يطرح أمام أوروبا وأمريكا مقترحات مزعجة في قبرص، تتعلق بمسألة التقسيم وحل الدولتين بديلا عن توحيد الجزيرة، وذلك من أجل خلط الأوراق وإرباك حسابات أوروبا، لدفع الأخيرة بالقبول بما يطرحه مقابل التراجع عن طرح حل الدولتين في الجزيرة القبرصية.
وأوضح الخبير المصري في الشأن التركي، أن: "أردوغان يضغط بالورقة القبرصية وتصدير فكرة مستحيلة تتعلق بتقسيمها لدولتين؛ سعيا إلى حلحلة جمود المساعي التركية لعضوية الاتحاد الأوروبي، وإعادة صياغة "الاتحاد الجمركي" بينه وبين أوروبا، للحصول على مزايا تجارية واقتصادية أكبر".
ومضى قائلا :"يسعى أردوغان أيضا إلى محاولة تحسين موقفه في ملف غاز شرق المتوسط، عبر الضغط من أجل السماح له بمساحات للتنقيب، أو مشاركة قبرص اليونانية في بئر للغاز، أو الحصول على غاز في المنطقة بسعر منخفض جدا".
وكان الرئيس التركي أعلن في وقت سابق الأربعاء أن "بلاده ستسعى لضمان اعتراف دولي واسع النطاق بجمهورية قبرص التركية".
وقال أردوغان في كلمة خلال تبادله تهاني عيد الأضحى مع أعضاء حزبه "العدالة والتنمية" عبر تقنية الفيديو كونفرانس، إنه: "سنبذل قصارى جهدنا لجعل دولة قبرص التركية تحظى باعتراف واسع النطاق بأسرع ما يمكن".
وأضاف: "أصبح المطلب الوحيد للقبارصة الأتراك على طاولة المفاوضات الدولية هو الاعتراف بوضعهم كدولة ذات سيادة"، متابعا: "أما جميع المقترحات الأخرى، فقد فقدت صلاحيتها".
يشار إلى أن تركيا وحدها هي التي تعترف بإعلان استقلال القبارصة الأتراك وتحتفظ بأكثر من 35 ألف جندي في الشطر التركي من الجزيرة.
من جهته، اتفق المحلل السياسي التركي، جواد غوك مع قراءة الخبير السياسي المصري ودلالات التحركات التركية من أجل إعادة فتح مدينة فاروشا القبرصية.
وقال غوك في حديث لـ"العين الإخبارية" إن أنقرة تحاول استخدام فاروشا كورقة ضغط مع أوروبا للحصول على مكاسب اقتصادية وتجارية في مقابل تراجعه عن طرح حل الدولتين في قبرص.
كما أشار المحلل السياسي التركي إلى أن صمت الأتحاد الأوربي وأمريكا عن تحركاته في فاروشا سيدفع اردوغان إلى محاولة جذب اعتراف دول مجاورة مثل اذربيجان، بدولة قبرص التركية الشمالية.
رفض دولي واسع
وأعرب المجتمع الدولي رفض خطوة أردوغان بإعادة فتح المدينة، رافضين الطرح التركي وحل الدولتين الذي يريده أردوغان بشأن المدينةالتي تعد رمزا لتقسيم قبرص، وتقع في الجزء الشمالي.
وفي وقت سابق الأربعاء، أعلنت قبرص، تقديم شكوى لمجلس الأمن، حول خطط تركيا لإعادة فتح حي فاروشا.
وسبق أن أعلن وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان، في وقت سابق اليوم أن باريس ستطرح قضية إعلان تركيا إعادة فتح حي فاروشا بقبرص، في الأمم المتحدة.
أما مصر، فأعربت عن قلقها إزاء أزمة فتح منطقة فاروشا بقبرص، مؤكدة ضرورة الالتزام بقرارات مجلس الأمن في هذا الشأن.
وقالت الخارجية المصرية، في بيان، إن "مصر تعرب عن عميق القلق إزاء ما تم إعلانه بشأن تغيير وضعية منطقة فاروشا بقبرص من خلال العمل على فتحها جزئياً، وذلك بما يخالف قرارات مجلس الأمن ذات الصلة".
كما فتحت خطوة فتح فاروشا، على تركيا جبهات رفض كبرى من واشنطن وبروكسل وباريس ولندن، وأثينا المجاورة، تنسف التقارب الأخير بين أنقرة وهذه العواصم، وتجعل أردوغان حبيس عزلة دولية كاد يخرج منها في اجتماعات مؤخرا مع تلك الأطراف.
ونددت وزارة الخارجية اليونانية بهذه الخطوة "بأشد العبارات"، بينما قالت بريطانيا، العضو الدائم في مجلس الأمن الدولي، إنها ستناقش القضية على وجه السرعة مع أعضاء المجلس الآخرين، موضحة أنها "تشعر بقلق عميق".
وقال متحدث باسم وزارة الخارجية البريطانية إن "لندن تدعو جميع الأطراف إلى عدم اتخاذ أي إجراءات تقوض عملية التسوية القبرصية أو تزيد التوتر في الجزيرة".
وأبدى مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيف بوريل قلقه العميق أمس الثلاثاء، وقال على تويتر إن "القرار الأحادي الذي أعلنه اليوم الرئيس أردوغان و(زعيم القبارصة الأتراك إرسين) تتار يخاطر بإثارة توترات في الجزيرة وتقويض العودة إلى المحادثات بشأن التوصل لتسوية شاملة للقضية القبرصية".
وأكد الاتحاد الأوروبي الخميس الماضي أيضاً رفضه القاطع لتلك الخطوة على لسان رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، التي زارت قبرص، وقالت: "أريد أن أكرر أننا لن نقبل على الإطلاق حل الدولتين. نحن مصرون على ذلك ومتفقون تماما".
كما أن واشنطن وجهت هي الأخرى انتقادات لاذعة لمحاولات تركيا إعادة فتح مدينة فاروشا القبرصية؛ وقال وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، إن الولايات المتحدة تدين "إعلانا صدر ونص على نقل أجزاء من بلدة مهجورة في قبرص إلى سيطرة القبارصة الأتراك".
معضلة فاروشا
ومنذ 1974 وغزو الجيش التركي للثلث الشمالي من قبرص ردا على انقلاب نفذه جنرالات قبارصة يونانيون بهدف ضمها إلى اليونان، خلت مدينة فاروشا الساحلية من سكانها وأصبحت منطقة عسكرية مطوقة بالأسلاك الشائكة تقع تحت السيطرة المباشرة للجيش التركي.
وتقع المدينة حاليا في أراضي "جمهورية شمال قبرص التركية" المعلنة من طرف واحد منذ 1983 ولا تعترف بها سوى تركيا.
ويأتي المخطط التركي في مسعى لإعادة التفاوض حول الملف القبرصي على أساس إقامة دولتين، الأمر الذي ترفضه قبرص والاتحاد الأوروبي.
aXA6IDQ0LjIxMC4xNDkuMjE4IA== جزيرة ام اند امز