لهذه الأسباب.. انتعاش سوق "أدب الرعب" في مصر (خاص)
انتعش سوق "أدب الرعب" في مصر وازدهر خلال السنوات الماضية، وتُرجم ذلك في تصدره مبيعات معرض القاهرة الدولي للكتاب 2022 لدى دور نشر عديدة.
اهتمام القراء المصريين بأدب الرعب ليس جديدا، لكن تضاعف الإقبال عليه خلال السنوات الأخيرة كان ملاحظا ويدعو للبحث وراء أسباب ذلك، وفقل لرؤية عدد من كتاب الرعب والنقاد الأدبيين.
ومع انطلاق النسخة الأحدث من معرض القاهرة الدولي للكتاب، كشفت العديد من دور النشر عن ضمها قائمة بروايات الرعب باعتبارها مثار اهتمام القراء ومطلب شريحة واسعة منهم.
وتنطلق فعاليات معرض القاهرة الدولي للكتاب في دورته الـ54 يوم 25 يناير/كانون الثاني حتى 6 فبراير/شباط المقبل بمركز مصر للمعارض الدولية، تحت شعار "على اسم مصر- معا: نقرأ.. نفكر.. نبدع".
"العين الإخبارية" تحدثت إلى نقاد أدبيين ودور نشر وكتاب متخصصين في هذا اللون من الأدب؛ لرصد أسباب تصدر "الرعب" قائمة اهتمام القارئ المصري.
أسباب صعود نجم روايات الرعب في مصر
الناقد الأدبي الدكتور حسين حمودة تحدث عن قدم مجال كتابات الرعب ورؤيته لاتساع رقعة محبيه في مصر مؤخرا، وتقييمه للأعمال الموجودة بالساحة.
وقال حمودة لـ"العين الإخبارية": "أتصور أن روايات الرعب ترتبط بجذر قديم في السرد والحكايات، وتعتمد على قيمة فنية كانت ولا تزال تلقى قبولا واسعا، وهي التشويق".
ورأى أن الملاحظة حول صعود روايات الرعب في السنوات الأخيرة، خصوصا لدى الشباب، ملاحظة صحيحة.
وأضاف: "ربما يمكن تفسير هذا في المجالات المتعددة التي يمكن أن تتصل بها روايات الرعب، ومساحة الخيال فيها، وقدرتها المتجددة على أن تتفاعل مع متلقييها".
عن تقييمه لأعمال الرعب الموجودة بالسوق المصرية حاليا، رأى الدكتور حمودة أن هناك بعض الروايات التي ترتبط بهذه الظاهرة تمثل قيمة فنية ما، وليس كل هذا النتاج الغزير، وهذا أمر مفهوم في روايات الرعب وفي غيرها.
وتابع: "ودائما هناك نتاج أدبي وروائي بشكل خاص يحتاج إلى نوع من الغربلة تتحقق مع الزمن، بحيث يبقى من هذا النتاج ما يستحق البقاء، ويتوارى ما يمكن أن يتوارى".
بشأن ارتباط اهتمام المصريين بأدب الرعب بالراحل أحمد خالد توفيق، علق الناقد الأدبي: "أتصور أن هذه الظاهرة لا ترتبط بأحمد خالد توفيق وحده، وليست كل أعماله تنتمي إلى مجال الرعب، كما أن مجال كتابات الرعب سواء قصة أو رواية قديم جدا".
واختتم: "باختصار، روايات الرعب خط إنتاج قديم ومتجدد في الكتابة الروائية والقصصية بشكل عام".
أمر واقع
الدكتورة آية محمد حسين، مدرس مساعد بكلية دار العلوم جامعة الفيوم، رأت أن الواقع نفسه بات يفرض على القراء اختيار قراءة "الرعب" كأحد أهم أنواع الأداب حاليا.
وقالت حسين لـ"العين الإخبارية"، إن القارئ المصري يميل لهذا النوع من الأدب لأنه يسعى للتحرر من مخاوفه الداخلية بعكسها على الواقع، لذا بات يقرأ أدب الرعب ليساعده على إخراج مشاعر الخوف.
وشرحت صاحبة ماجستير بعنوان "أثر أدب الرعب القوطي في روايات أحمد خالد توفيق"، كما أن أدب الرعب يستخرج المشاعر والطاقات المدفونة في داخل القارئ، مضيفة: "داخل كل إنسان مخاوف دفينة فيعمل على إخراجها بعكسها على الواقع في صورة رواية رعب".
وتابعت: "ضغوط الحياة حاليا أحد الأسباب التي دفعت القارئ المصري للاهتمام بأعمال الرعب، كونها تفرغ طاقاته وتتماشى مع طبيعة الوضع في المجتمع المصري الآن".
ورأت أن اتجاه كتاب كثر لإنتاج أعمال يطغى عليها الرعب ليس الدافع فيه سهولة الكتابة في هذا الصنف الأدبي، لكن لأنه بات الأكثر مبيعا وقراءة.
وعن أعمال خالد توفيق في هذا الإطار، قالت حسين إن الراحل كان يميل لتقديم روايات رعب تتميز بالسهولة بهدف تشجيع المزيد من القراء على الاهتمام بالقراءة، لكن ليس لأن الكتابة في الرعب سهلة.
الطاقات المكبوتة
محمد إبراهيم طعيمة، مدير النشر بدار "حابي" للنشر والتوزيع، كشف أن الأكثر مبيعا في معرض القاهرة الدولي للكتاب العام الماضي كانت هي روايات الرعب.
وقال طعيمة لـ"العين الإخبارية": "لكن في النهاية تفضيلات القراء متغيرة وليست ثابتة، وبالتالي وارد ألا يسيطر الرعب على مبيعات المعرض في نسخة هذا العام".
ورأى الروائي صاحب 3 أعمال تشارك في معرض القاهرة للكتاب 2023 أن "إقبال المصريين على روايات الرعب يرجع لرغبة من يقرأ هذا النوع من الأعمال في إخراج طاقاتهم المكبوتة فيه".
عن طرح "حابي" روايات رعب في معرض القاهرة، قال طعيمة إن "العام الماضي طرحت الدار روايتين رعب وثالثة سيكودراما، وهذا العام حرصت على توفير عدد أكبر لذا أطرح 4 روايات رعب".
وأضاف: "السبب في ذلك أن الإقبال على هذا النوع من الأعمال بات حالة عامة، لذا يجب أن أقدم السلعة المطلوبة من القارئ وألا أتخلف عن السوق".
"الأب الروحي" لأدب الرعب
الكاتب الراحل الدكتور أحمد خالد توفيق يعتبره بعض الكتاب أنه "الأب الروحي" لأدب الرعب، كونهم تربوا على مؤلفاته التي تطرقت لهذا النوع من الأدب خاصة سلسلة "ما وراء الطبيعة" التي نشرت عام 1993.
وقالت كاتبة روايات الرعب منة شفيق، مدير النشر بدار "العليا" للنشر والتوزيع، إن أحد أهم أسباب انتعاش سوق روايات الرعب في مصر هو أعمال الراحل الدكتور أحمد خالد توفيق، فهو من جعل الشباب يقرأون.
ووصفت شفيق لـ"العين الإخبارية" حب القراء لأدب الرعب بفضل كتابات أحمد خالد توفيق بأنه "من ربانا على هذا النوع من الأدب، بما في ذلك أعمال الرعب التي تتضمن فانتازيا".
وتابعت: "أعتقد أنه لم يتخلف أحد من هذا الجيل من الشباب المصري عن قراءة أعماله، لذا أرى أنه قيمة وقامة كبيرة، جعلنا نقرأ ونحب مجال الرعب قراءة وكتابة أيضا".
ورأت أن العالم بأسره يفضل أدب الرعب وليس السوق المصري فقط بفضل "جرعة الأدرنالين المرتفعة التي يمد القارئ بها" وفقا لوصفها، مشيرة إلى أن كل دولة لديها أسطورتها المرعبة، فمثلا في مصر هناك النداهة، وفي المغرب هناك عائشة قنديشة، والكتابات الغربية هناك الدراكولا والمستذئبين وغيرهما.
شفيق صاحبة 3 روايات رعب بدأت بـ"مذكرات فتاة مسحورة"، قالت إن اختيارها هذا النوع من الأدب جاء نتيجة الأحداث والمواقف الحقيقية التي عشتها وشهدت خلالها خيانة أقرب الأشخاص لي وهم أهلى، فقررت أن أنبه الآخرين وأشاركهم تجربتي لأقول لهم خذوا حذركم حتى من أقرب الناس لكم".
اللذة في عقول القراء
أحمد دياب، كاتب في هذا النوع من الأدب ومحاضر في علم النفس، رأى أن انتعاش سوق روايات الرعب في مصر مؤخرا يعود لسببين مهمين جدا وبينهما ترابط.
وقال مؤلف رواية "هابيل" لـ"العين الإخبارية"، إن أول سبب هو حب بعض الناس للرعب بشكل كبير منذُ زمن، بداية بتأثير البيئة المحيطة (الأهل) الذين كونوا داخل عقول أبنائهم الرعب من بعض القصص والخيالات، فنتج عن ذلك حبهم لأدب الرعب بعد نضجهم دون وعي لذلك.
ورأى أن السبب الثاني هو كثرة أعمال الرعب المطروحة في السوق، مضيفا: "عندما كثر كُتاب الرعب أصبح هناك انتشار كبير جداً لهذا النوع".
وتابع: "يلجأ البعض لكتابة روايات الرعب لأنها من أسهل الطرق، فأي شخص يمكن أن يستخدم خياله ويؤلف أعمال رعب، لكن ليس كل الأشخاص لديهم القدرة على الإبداع حقاً والتأثير في القارئ".
وأكمل: "باستثناء فكرة الرعب، أين الحبكة القوية؟ أين السرد المتقن؟ أين خلق شخصياتك؟ أين الفكرة المختلفة؟"، ورأى أن هذا ما يفتقده أغلب كُتاب الرعب في مصر، لذا أصبح الوضع مُمل وفقا لوصفه.
واستطرد: "أصبحت روايات الرعب أسهل طريق لدخول الكاتب عالم الكتابة ودخول القارئ عالم القراءة، وهناك فقر إبداعي وساعد الكُتاب على ذلك الإقبال المُبالغ فيه على روايات الرعب".
واعتبر أن بعض القراء باتت أعمال الرعب لديهم سبباً رئيسياً للاستمتاع دون غيره، مضيفا: "أصبح في عقول الأشخاص ترابط شرطي بين الرعب والاستمتاع الذي لا فائدة منها، وباتت القراءة للأسف لا تأخذ أهميتها الحقيقية".
واختتم: "بعد إصدار الآلاف من أعمال الرعب على مدار سنوات مضت، باتت أغلبها دون المستوى ولا تضم جديدا، والمبالغة في طرح هذا النوع من الأدب أفقدته قيمته".
الشباب الصغار
أحمد يوسف، كاتب روايات غموض وإثارة، رأى أن وراء انتعاش سوق روايات الرعب هم الشباب الصغار الذين يميلون لقراءة هذا النوع من الأدب، وهذا دفع دور النشر لاستقطاب كتاب يغذون هذا اللون لديها.
وقال يوسف لـ"العين الإخبارية"، إن "الرعب" هو أدب عتيق وله الكثير من صناعه، ويهتم القارئ حاليا به لأن الخيال في هذا اللون هو المحرك الرئيسي للرعب.
وتابع صاحب الـ5 روايات يغلب عليها طابع الغموض والإثارة: "القارئ هو الذي يستعد لاستقبال مؤثرات الكاتب ويجد لذة في تخيل أمور ما وراء الطبيعة، مثلا هل سبق لأي شخص ورأى شبحا يطل برأسه من المقابر؟ بالتأكيد لا لكن بمجرد تخيل المشهد تقشعر أجسادنا ونسعى لكشف النقاب عن هذا الأمر".
وأضاف: "بشكل عام لكل لون أدبي قارئ يهتم به، ومن الملاحظ أن أدب الرعب يستمر في تصدر المشهد هذا العام أيضا، ويليه الأدب البوليسي ثم أدب الجريمة".
عن كفاءة أعمال الرعب التي طرحت في السوق المصرية خلال السنوات الماضية، قال صاحب رواية "قصر المنياوي" إن "من الواضح أن جميع أقلام الرعب حاليا تحقق نجاحات عظيمة، وهذا دليل قوي على جودة العمل وبالتالي سرعة انتشاره".
aXA6IDE4LjIxNi40Mi4xMjIg جزيرة ام اند امز