دبلوماسية مصر تضمد الجراح في فلسطين وسوريا
السياسة المصرية تتسم بقدر كبير من الثبات تجاه القضايا الرئيسية وأهمها التقدم على مسارات التسوية السلمية وتحقيق الاستقرار في المنطقة.
من قلب العاصمة المصرية القاهرة، أعلن الخميس عن اتفاقيتي المصالحة الفلسطينية ووقف إطلاق النار في سوريا.
ومصر إحدى القوى الفاعلة في النظام العربي، نظراً لما تتمتع به تاريخياً وسياسياً من قدرة مؤثرة، حيث تعتبر مصر أن علاقتها مع الدول العربية هي علاقات استراتيجية بالغة الأهمية من منظور الأمن القومي العربي المتكامل.
وتولي السياسة المصرية قدراً كبيراً من الأهمية تجاه القضايا الرئيسية وأهمها التقدم على مسارات التسوية السلمية وتحقيق الاستقرار في المنطقة والالتزام بتنفيذ القرارات الصادرة عن المنظمات الدولية خصوصاً ما يتعلق بالقضية الفلسطينية والأزمة السورية.
وتبذل القاهرة جهوداً على المسارات المختلفة لتحقيق الأهداف العربية وربما تكون الجهود التي بذلتها مصر للحفاظ على وحدة الشعب الفلسطيني وإنهاء الانقسام، بالإضافة إلى محاولة تخفيف المعاناة على الشعب السوري وإنهاء الأزمة في إطار الحفاظ على وحدة سوريا ومقومات الدولة السورية أكبر دليل على ذلك.
- قيادي بمعارضة سوريا لـ"بوابة العين": اتفاق القاهرة لوقف تبديل السكان
- "بوابة العين" تكشف تفاصيل اتفاق فتح وحماس على الملفات الصعبة
إنهاء الخلاف الفلسطيني
وبعد جلسات من الحوار والنقاش بين حركتي فتح وحماس الفلسطينيتين، تمكنت القاهرة من إقناع الثانية بضرورة الاستجابة لجهود المصالحة وإنهاء الخلاف الفلسطيني، وبالفعل أعلنت الحركة حل اللجنة الإدارية، التابعة لحماس، وتمكين حكومة الوحدة الوطنية من ممارسة مهامها في قطاع غزة الذي تسيطر عليه "حماس" منذ 2007.
وثمنت حركة حماس عالياً الدور المصري في هذا الإطار الذي يستهدف بالأساس تخفيف المعاناة عن الفلسطينيين خاصة سكان قطاع غزة وتركيز الجهود على الوصول لتسمية سلمية مع إسرائيل تحفظ حقوق الشعب الفلسطيني.
عقب الإجراءات التي اتخذتها حركة حماس تجاوباً مع الجهود المصرية اجتمعت الحكومة الفلسطينية في قطاع غزة، لأول مرة منذ عام 2014، حيث تعهد رئيس الحكومة رامي الحمد الله، بوضع حد للخلافات المستمرة مع الحركة.
وفي محاولة لإتمام مناقشة القضايا الخلافية بين الحركتين، استضافت القاهرة، الثلاثاء، اجتماع لحركتي حماس وفتح استمر حوالي 10 ساعات في مباحثات وصفت بالإيجابية من قبل الحركتين.
الاجتماع بين حركتي حماس وفتح، الذي بدأ الثلاثاء وامتد حتى الأربعاء، انتهى إلى اتفاق برعاية مصرية، أعلنته الحركتان في بيان مشترك، اليوم الخميس.
البيان أشار إلى اتفاق الحركتين على "تسهيل إجراءات تمكين الحكومة الفلسطينية من الإشراف الكامل على التراب الفلسطيني في غزة والضفة الغربية بموعد أقصاه 1 ديسمبر/كانون الأول، مع العمل على إنهاء جميع مظاهر الانقسام وتمكينها من ممارسة مهامها ومسؤوليتها على قطاع غزة".
وفي وقت سابق، قالت مصادر فلسطينية مطلعة على سير المباحثات بين الحركتين لـ"بوابة العين" الإخبارية إن فتح وحماس توافقتا على حلول لملفات الموظفين والمعابر والأمن، وتركتا ملفي تشكيل حكومة الوحدة وموعد الانتخابات إلى اجتماع لاحق ينعقد في القاهرة نهاية الشهر الجاري.
وأضافت المصادر، التي فضلت عدم الكشف عن هويتها، أنه فيما يخص معبر رفح الحدودي بين قطاع غزة ومصر، فقد تم التوافق على أن يكون تحت مسؤولية مصر من الجانب المصري، وتحت مسؤولية السلطة الفلسطينية ممثلة بمدير عام هيئة المعابر من الجانب الفلسطيني.
وعن ملف الموظفين، تابعت المصادر أن الموظفين الذين عينتهم حماس في الحكومة بقطاع غزة منذ سيطرتها على القطاع وطرد موظفي السلطة عام 2007، فإن لجنة قانونية ستعمل على إيجاد حل لهذه القضية في غضون 120 يوماً، على أن يتلقى هؤلاء الموظفون دفعات من خلال مساهمات من دول مانحة.
وفيما يخص الأجهزة الأمنية الفلسطينية، فقد تم الاتفاق على الشروع في إعادة هيكلة جهازي الشرطة والأمن الوطني، على أن يقوم رئيس المخابرات العامة الفلسطينية، اللواء ماجد فرج، بإعادة هيكلة جهاز المخابرات العامة في غزة، وفقاً للمصادر.
وتسهم جمهورية مصر العربية بشكل كبير في محاولة لحل القضية الفلسطينية، سواء من خلال الضغط على إسرائيل بوقف حروبها ضد قطاع غزة كما في 2008 و2012 و2014، أو بالدخول في مفاوضات سلام مع السلطة الفلسطينية.
كما استضافت الدولة المصرية العديد من المباحثات وأصدرت الكثير من المبادرات لإنهاء الانقسام الفلسطيني- الفلسطيني؛ ولعل "اتفاق القاهرة" 2011 من أبرز تلك المبادرات.
ونص "اتفاق القاهرة" على تشكيل حكومة وحدة وطنية، وإجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية، وانتخابات للمجلس الوطني لمنظمة التحرير الفلسطينية، إضافة إلى إعادة هيكلة الأجهزة الأمنية، وتمكين الحكومة الفلسطينية من ممارسة مهامها في قطاع غزة.
وقف إطلاق النار في سوريا
ومن فلسطين إلى الشمال الشرقي حيث سوريا التي تشهد حرباً أهلية مستعرة منذ أكثر من 6 سنوات. تحاول القاهرة بذل ما تستطيع لإنهاء الأزمة بما يحافظ على وحدة الأراضي السورية.
ومن المحاولات المصرية، توصل الأطراف السورية، اليوم الخميس، إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في جنوب دمشق خلال اجتماع عقد برعاية القاهرة.
ووفق تصريحات محمد علوش، مسؤول الهيئة السياسية في تنظيم "جيش الإسلام" السوري المعارض لصحيفة "الأهرام" المصرية، فقد "تم الاتفاق في الاجتماع الذي عقد بالقاهرة على فتح المعابر، ورفض التهجير القسري لسكان المنطقة، مع التأكيد على فتح المجال أمام أي فصيل للانضمام للاتفاق".
وبدوره، تعهد الجانب المصري بفك الحصار عن الغوطة الشرقية لإدخال المساعدات بكميات كافية، وفق ذات المصدر.
وفي تصريحات خاصة لـ"بوابة العين" الإخبارية، اليوم الخميس، أوضح فراس الخالدي، رئيس منصة القاهرة لمفاوضات جنيف، أن اتفاق "جنوب دمشق" هو "مبدئي يحتاج لجهد تقوم به القاهرة لضمان وقف التغيير الديمغرافي في منطقة جنوب دمشق وعودة أهالي المنطقة لمنازلهم ومحاربة تنظيم داعش الإرهابي الموجود أيضاً في تلك المنطقة".
وأوضح الخالدي أن إتمام هذا الاتفاق "يحتاج إلى عوامل كثيرة نعمل عليها مع الإخوة في مصر، وهم يعملون جاهدين كي يحققوا مطالبنا، أي مطالب الشعب السوري بوقف التغير الديمغرافي".
ولم يكُ اتفاق وقف إطلاق النار في جنوب دمشق هو الأول الذي تم بوساطة مصرية؛ فسبق أن توسطت القاهرة بين المعارضة السورية وروسيا، حليف النظام الأبرز، في 22 يوليو/تموز الماضي، ما أسفر عن اتفاق لوقف إطلاق النار (منطقة وقف التصعيد) في عدد من مناطق الغوطة الشرقية بريف دمشق.
وبموجب ذلك الاتفاق تم تسيير أول قافلة مساعدات إنسانية إلى الغوطة، وإجلاء أول دفعة من المصابين والجرحى اعتباراً من 22 من يوليو/تموز، يوم الإعلان عن الاتفاق ذاته.
ومنذ بداية الأزمة السورية في 2011، أكدت الدولة المصرية حرصها على وحدة وسلامة الأراضي السورية مع احترامها لتطلعات الشعب السوري.