التسامح يوجد فطريا لدى الأفراد أو مجموعات بشرية لكنه غالبا قيمة نادرة ومن أجل ترسيخها نحتاج إلى التعليم والتدريب والمواظبة
تتمتع شعوب بعض المناطق العربية والإسلامية -لنكن أكثر صراحة ونقول أغلبها- بانفتاح مغلق.
وأعني بالانفتاح المغلق الانفتاح في الاتجاه الخطأ أو العكسي، ويعود هذا خاصة لغياب الوعي، وإخفاق المنظومة التعليمية في ترسيخ مبادئ الحضارة المعاصرة، والأوضاع الاجتماعية والاقتصادية، وغياب الأمن، والإحساس بعدم الاستقرار.
حاولت كل الحركات الدينية المتشددة، بداية من الإخونجية إلى نظام الملالي الإيراني، بناء جسر عماده "الدين" لهروب الشعوب من واقعها نحو أركان مظلمة في العقل وحبسوهم فيها
ومع تطور وسائل التواصل الاجتماعي، وتوفر وسائل النقل نحو كل دول العالم، كان من المفترض ومن الأجدر بشعوبنا استثمار كل هذه الأدوات للتقارب مع الآخرين، والاستفادة من ثقافاتهم وعلومهم، وبناء صداقات مباشرة.
فأهم ما وفرته وسائل التواصل الاجتماعي هي إمكانية تعزيز علاقاتهم ببعضهم كأفراد، خارج الإطار الرسمي وهو الدور الذي كان مناطاً بعهدة الدبلوماسيين والجهات الحكومية.
وإخفاق شعوبنا في تقبل الآخر باختلافه يعود لعدة عناصر، أهمها الثقافية والاجتماعية التي تكونت عبر عقود من الزمن، وجعلت بعض العادات وتقاليد بعض الأماكن تكبل عمل العقل كليا.
وغياب أسس التوعية التي تستوجب بدوره تعاوناً بين كل الأطراف لبناء أركانها التي ركيزتها الأساسية التسامح.
التسامح يوجد فطرياً لدى الأفراد أو مجموعات بشرية، لكنه غالبا قيمة نادرة، ومن أجل ترسيخها نحتاج إلى التعليم والتدريب والمواظبة.
التسامح تمرين صعب..
ولأن التسامح تمرين صعب، ولأن عقلية مجتمعاتنا وللأسف على مستوى الأفراد والجماعات قائمة على رفض الاعتراف بالخطأ والاعتذار للآخرين، فآليا تم التوجه للخيار الأسهل.
الخيار الأسهل الذي يقوم على منظومة من العوامل، أهمها تحميل الآخرين مسؤولية الأوضاع السيئة.
وبدأت الشعوب -التي تعيش الآن أسوأ حالاتها من اقتتال وتشتت، وتدمير ذاتي لبلدانها وبنيتها- بتحميل حكوماتها الإحباط الجماعي والشخصي وحتى النفسي.
وتحميل حكومات خارجية المسؤولية أيضا، وهذا عن جهل بحقائق العلاقات الدولية والمصالح السياسية والاقتصادية.
لكن ومع متابعة الأحداث في العشرية الأخيرة، بدا واضحا أن شعوبنا تعيش حالة من الاستسلام الذي مكن المتشددين دينيا من استثماره على أحسن وجه.
كما عززوا العناصر المتوفرة من مواقف ضد الحكومات، وضد الآخرين ورفضهم الاختلاف، ولم يعززوا هذا على المستوى الثنائي، بمعنى حكمة/شعب، مسلم/غير مسلم، عربي/أجنبي.
بل تعدوا هذا لخلق خلافات طائفية لم تكن موجودة أساسا.
الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية والنفسية، إضافة إلى التواكل الذي شهدته بلدان الأزمات ورفض الآخرين والاختلاف، خلق حالة من "قابلية التأرهب". والتي سبق أن شرحتها في كتابات سابقة منذ سنوات.
في مرحلة سابقة من القرن الماضي، عاشت أغلب دول المنطقة حالة مشابهة من الضعف والرضوخ، ما خلق لدى الشعوب "قابلية الاستعمار"، وهذا ما شجع دول الغرب على استغلال الفرصة واستعمار مجموعة من الدول العربية والإسلامية، استعمار انتهى برسم خريطة جديدة للمنطقة.
ومنذ سنوات خاصة بعد قيام "الثورات" تعيش الدول التي عاشت حالة من الاستسلام الشعبي واليأس الشخصي، ما سهل عودة قوى الظلام بإيديولوجياتها الدفينة واستغلال حالات الشعوب بخطابات عقلية ونفسية تعدهم بأن الحياة الحقيقية تبدأ بعد الموت، وأن تقبل الآخر والتعامل معه كفر، وأن القتل "جهاد في سبيل الله".
حاولت كل الحركات الدينية المتشددة، بداية من الإخونجية إلى نظام الملالي الإيراني، بناء جسر عماده "الدين" لهروب الشعوب من واقعها نحو أركان مظلمة في العقل وحبسوهم فيها.
حولوا ديننا إلى دين رفض وكره وتواكل، وحالة من حفلات الحزن التي تعزز الكراهية ورفض الآخر.
استنفار النخبة والبحث عن العقول المستنيرة والقوى الفعالة هو بداية الحل، والطريق يحتاج إلى سنوات من الجهود والمثابرة.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة