تقنيات احتجاز الكربون وتخزينه.. تقرير خطير على طاولة "بون"
التقرير يرد على ادعاءات المشككين بشأن الفعالية والتكلفة
قال تقرير، تقدم به فريق من الخبراء للأطراف في مفاوضات بون المناخية المنعقدة الآن، إنه يمكن الاعتماد على تقنيات احتجاز الكربون.
كذلك تخزينه بشكل رئيسي لتحقيق تخفيضات الانبعاثات العالمية، والوصول إلى الصفر الصافي في 2050، ومن ثم تحقيق الهدف العالمي بالحد من الاحترار عند 1.5 درجة مئوية.
حمل التقرير، الذي ناقشه برنامج عمل التخفيف لاتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ، نتائج مهمة فيما يخص هذه التقنيات ومدى انتشارها وفاعليتها، وعددًا من التوصيات بهدف التوسع في استخدامها عالميًا.
لطالما جادل نشطاء ومنظمات المناخ والبيئة بشأن جدوى تقنيات احتجاز الكربون وتخزينه في معالجة الاحترار العالمي وتغير المناخ، وزعموا إنها ليست سوى تبرير لاستخدام الوقود الأحفوري.
دأب هؤلاء، طوال سنوات، على اتهام هذه التقنيات بالفشل في تحقيق خفض الانبعاثات المطلوب، والادعاء بأنها عملية مكلفة للغاية وأموالها يجب أن تضخ في مصادر الطاقة المتجددة.
جاء التقرير الجديد، اطلعت "العين الإخبارية" على نسخة منه، ليضرب بهذه الادعاءات عرض الحائط، ويؤكد انتشار التقنيات ونجاحها في تحقيق الغرض منها على نطاق واسع، مع تطور وتوسع مستقبلي ملحوظ، بجانب التأكيد على أن تكلفة تطبيقها أقل من البدائل الأخرى.
ما هي تقنية احتجاز الكربون وتخزينه؟
يؤدي حرق الوقود الأحفوري، مثل النفط والغاز والفحم، في محطات توليد الكهرباء وغيرها من القطاعات والصناعات إلى انبعاث ثاني أكسيد الكربون، وهي المحرك الرئيس لتغير المناخ والاحترار العالمي.
طوال السنوات الماضية، وحتى الآن، يعتمد العالم على طرق طبيعية لامتصاص ثاني أكسيد الكربون من خلال عملية التمثيل الضوئي، الذي تقوم به الغابات والأراضي العشبية والتربة والأراضي الرطبة.
للاعتماد على الخيار الطبيعي وحده، نحتاج لزراعة المزيد من الأشجار وإنشاء الغابات، وهو أمر غير ممكن، لأنها تستغرق عدة أعوام أو عقود حتى يكتمل نموها، بجانب أن مساحات شاسعة من الغابات الموجودة بالفعل احترقت بسبب موجات الحر الشديدة، أو تم التعدي عليها بواسطة البشر لاستخدام خشبها أو تحويلها لأراضي زراعية ومراعي لإنتاج اللحوم.
لذا لجأ العالم إلى تطوير بعض الحلول الاصطناعية لخفض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون، مثل التحول نحو استخدام الطاقة المتجددة، وهي منتشرة بالفعل وفعالة من حيث التكلفة، إلا أن التجربة أثبتت أن معالجة الانبعاثات يتطلب مجهودًا أكبر وأسرع لمنع درجة الحرارة من الارتفاع.
نتيجة لذلك، أصبحت هناك حاجة ملحة لاستخدام تكنولوجيا تمنع ثاني أكسيد الكربون المنبعث من نشاطاتنا وتحتجزه قبل الوصول للغلاف الجوي، أو إزالة وامتصاص ما هو موجود بالفعل بالغلاف الجوي، ومن ثم تخزينه في باطن الأرض.
تسمى هذه التكنولوجيا بإزالة ثاني أكسيد الكربون (CDR)، والمعروفة أيضًا بعملية إزالة الغازات الدفيئة، وتشير إلى الطرق البشرية لإزالة الكربون من الغلاف الجوي وعزله لفترات طويلة باستخدام تقنيات اصطناعية، بحيث يُعزل في العملية أكثر مما ينبعث، وتوازن انبعاثات الكربون من ممارسات مثل حرق الوقود الأحفوري.
توصل العالم إلى طريقتين شائعتين لإزالة ثاني أكسيد الكربون، الأولى تسمى بتقنية احتجاز "التقاط" الكربون وتخزينه (CCS) والتي تعمل على التقاط ثاني أكسيد الكربون المنبعث نتيجة للعمليات الصناعية وتوليد الطاقة، ثم ضغطه ونقله وتخزينه تحت الأرض.
تسمى الثانية بتقنية احتجاز الكربون واستخدامه وتخزينه (CCUS) وتعمل على التقاط ثاني أكسيد الكربون ثم تحويله إلى منتجات ذات جدوى تجارية.
يعد الفرق بين الأثنين في التعامل المحدد مع الكربون الملتقط، حيث يشير المصطلح الأول إلى الالتقاط ثم التخزين في أعماق الأرض، بينما يشير الثاني إلى التقاط الكربون واستخدامه، أي إعادة تدويره لمزيد من الاستخدام في منتجات أخرى، ومن ثم تخزينه داخلها، مثل الاستخلاص المعزز للنفط (EOR)، أو صنع وقود سائل، أو تصنيع سلع استهلاكية، مثل البلاستيك.
في العادة، تمر عملية احتجاز الكربون بثلاثة مراحل: التقاط ثاني أكسيد الكربون الناتج عن توليد الطاقة أو النشاط الصناعي، مثل صناعة الصلب أو الإسمنت؛ ثم نقله بطرق آمنة عن طريق السفن أو النقل البري أو في خطوط الأنابيب إلى مواقع التخزين، ثم تخزينه في أعماق الأرض عبر حقن ثاني أكسيد الكربون في التكوينات الصخرية الجيولوجية العميقة تحت الأرض للتخزين الدائم وإبعاده عن دورة الكربون التي تساهم في تسخين الكوكب.
سيناريو الانبعاثات
يحدد التقرير، المقدم للأطراف في اجتماعات بون، أربعة مسارات تستخدم بالفعل تقنيات التقاط الكربون وتخزينه، بهدف الوصول إلى صافي صفر انبعاثات في 2050، وهي قطاع الكهرباء، وقطاع الصناعة، وإمدادات الوقود، ويشمل المسار الرابع والأخير باقي القطاعات التي تصدر انبعاثات كربونية.
ووفق التقييم السادس للهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ عن هدف 1.5 درجة مئوية، تتضمن المسارات الأربعة، سالفة الذكر، إزالة كبيرة لثاني أكسيد الكربون، بينما تتضمن ثلاثة منها استخدامًا رئيسيًا لتقنيات احتجاز وتخزين ثاني أكسيد الكربون.
فيما يخص المسارات الثلاثة، الكهرباء والصناعة وإمدادات الوقود، يجب التقاط ما بين 350 و1200 جيجا طن من ثاني أكسيد الكربون وتخزينه خلال هذا القرن.
ووفق سيناريو صافي صفر انبعاثات لوكالة الطاقة الدولية، يجب التقاط 7.6 جيجا طن من ثاني أكسيد الكربون سنويًا من مصادر متنوعة بحلول عام 2050، بما في ذلك 2.4 جيجا طن عبر تقنيتين.
الأولى هي الطاقة الحيوية مع احتجاز الكربون وتخزينه (BECCS)، وهي تكنولوجيا لتخفيف غازات الدفيئة تنتج انبعاثات سلبية من ثاني أكسيد الكربون من خلال الجمع بين الطاقة الحيوية (الطاقة من الكتلة الحيوية) واستخدامها مع التقاط الكربون الجيولوجي وتخزينه.
والثانية هي تقنية التقاط الهواء المباشر، وهي تقنية تلتقط ثاني أكسيد الكربون مباشرة من الغلاف الجوي باستخدام نظام ميكانيكي مصمم هندسيًا.
في سيناريو وكالة الطاقة الدولية أيضًا، تزداد أهمية تقنيات التقاط الكربون واستخدامه وتخزينه CCUS في قطاعي الصناعة وإمداد الوقود حاليًا، لكن يجب أن تصل لـ 20٪ فقط في عام 2050.
الوضع العالمي لاحتجاز ثاني أكسيد الكربون وتخزينه
يقول التقرير المقدم للأطراف في مفاوضات بون إن تقنيات التقاط الكربون وتخزينه CCS تعمل بأمان منذ السبعينيات.
وفق التقرير، يوجد حاليًا 37 مرفقًا تجاريًا تستخدم هذه التقنيات، بقدرة استيعاب وتخزين 50 مليون طن من ثاني أكسيد الكربون سنويًا، وهناك أكثر من 200 منشأة تجارية قيد التطوير، بطاقة تراكمية تبلغ 0.3 جيجا (300 مليون) طن سنويًا.
بجانب أنه تم تطبيق تقنيات التقاط ثاني أكسيد الكربون وتخزينه في مجموعة واسعة من القطاعات، بما في ذلك صناعة الإيثانول، والأسمدة، وإنتاج الهيدروجين والصلب، ومعالجة الغاز، وتوليد الطاقة.
كما يقول التقرير إن المتانة الطويلة جدا للتخزين الجيولوجي، والتي قد تصل إلى آلاف السنين، جنبا إلى جنب مع القدرة على قياس ورصد تخفيضات الانبعاثات، تجعل من التقاط الكربون وتخزينه أكثر جاذبية للباعثين ومصادر الانبعاثات وكذلك للقطاع المالي.
ويشير إلى أن هناك سعة تخزين عالمية كافية لتحقيق الأهداف المناخية، مستشهدًا بتقرير IPCC التجميعي الأخير الذي قال نصًا: "تقدر سعة التخزين الجيولوجي التقنية عالميًا في حدود 1000 جيجا طن من ثاني أكسيد الكربون، وهو أكثر من متطلبات العالم لتخزين ثاني أكسيد الكربون حتى عام 2100، للحد من ظاهرة الاحتباس الحراري إلى 1.5 درجة مئوية.
في حين أن معظم تقنيات التقاط وتخزين الكربون مرتبطة باستخلاص المعزز للنفط اليوم، أي استخدام الكربون وتخزينه في المنتجات، إلا إننا نشهد تحولًا نحو التخزين الجيولوجي الدائم في باطن الأرض، وفق التقرير.
اقتصاديات نشر تقنيات احتجاز وتخزين الكربون
يؤكد التقرير أنه من أجل الوصول إلى صافي الانبعاثات الصفرية، هناك حاجة إلى جميع خيارات إزالة الكربون.
يلعب التقاط ثاني أكسيد الكربون وتخزينه دورًا مهمًا في تقليل الانبعاثات إلى صافي الصفر والحد من التكلفة الإجمالية للنظام لإزالة الكربون.
هناك مجموعة من التكاليف تعتمد على القطاع الذي يتم فيه تطبيق التقاط ثاني أكسيد الكربون وتخزينه، وعلى نطاق واسع، تتراوح تكلفة الالتقاط والتخزين للطن الواحد بين 20 دولارًا و150 دولارًا أمريكيًا.
بشكل عام، لا توجد تكلفة واحدة لـ التقاط ثاني أكسيد الكربون وتخزينه، لكن في العديد من القطاعات، تكون تكلفة تطبيقها أقل من البدائل الأخرى.
يقول التقرير إن الالتقاط هو المكون الأعلى تكلفة في الغالب داخل سلسلة القيمة الخاصة بالتقاط ثاني أكسيد الكربون وتخزينه، وتتحدد التكلفة وفق تركيزات ثاني أكسيد الكربون في تيار غاز المداخن.
لكنه عاد ليؤكد أن التكاليف تنخفض مع النشر الواسع للتقنيات، من خلال وفورات الحجم والتعلم بالممارسة.
تعمل مشاركة البنية التحتية من خلال نماذج الأعمال المحورية والعنقودية على تقليل تكلفة نقل وتخزين ثاني أكسيد الكربون، وهناك اتجاه عالمي نحو تطوير محاور أكبر، متصلة بالبنية التحتية المشتركة مع التخزين الجيولوجي الدائم للتخفيف من حدة المناخ.
الوضع العالمي
يستعرض التقرير تطورات التقاط ثاني أكسيد الكربون وتخزينه حول العالم، وحجم استخدام هذه التقنيات في كل قارة ومنطقة من مناطق العالم.
في أوروبا، أصبحت تقنيات التقاط الكربون واستخدامه وتخزينه CCUS منصوصا عليها في قانون Net-Zero Industry لتسريع وتيرة التصنيع التكنولوجي الصافي في الاتحاد الأوروبي.
كما تطور المفوضية الأوروبية "رؤية استراتيجية" لتقنيات التقاط الكربون واستخدامه وتخزينه (CCUS) وستطرحها خلال العام الجاري، بهدف توضيح القواعد وإعطاء اليقين للمستثمرين بشأنها.
يستثمر الاتحاد الأوروبي، من خلال صندوق الابتكار، في 11 مشروعا ما بين مشاريع احتجاز الكربون وتخزينه، ومشاريع التقاط الكربون واستخدامه وتخزينه، والرقم في ازدياد.
تحرز هولندا والدنمارك والمملكة المتحدة تقدمًا في سياساتها ومشروعاتها الخاصة باحتجاز ثاني أكسيد الكربون وتخزينه.
أما في أمريكا الشمالية، تتصدر الولايات المتحدة في تطوير المشاريع والسياسات من هذا النوع عالميًا.
وفي كندا، استراتيجية التقاط الكربون واستخدامه وتخزينه قيد التطوير، والائتمان الضريبي للاستثمار في هذه التقنيات أصبح جزءا من الميزانية الفيدرالية.
في الشرق الأوسط، يوجد 3 منشآت قيد التشغيل في المنطقة، في الإمارات والسعودية، تعادل 10٪ من قدرة الالتقاط العالمية.
تعتبر الإمارات أول دولة في المنطقة تقوم بتطبيق هذه التقنية على نطاق صناعي واسع.
يقول التقرير إن الطموح والزخم لانتشار هذه التقنيات بالمنطقة يزداد بقوة تزامنًا مع مؤتمر المناخ المقبل في دبي COP28.
أما آسيا والمحيط الهادئ، فقد بدأ تشغيل أول منشأة صينية تبلغ مساحتها 1 مليون طن في السنة في عام 2022، مع العديد من المشاريع الكبيرة الأخرى قيد الإنشاء أو التطوير، مع تقدم ملحوظ في ماليزيا وإندونيسيا وأستراليا.
ما هو المطلوب على الصعيد العالمي؟
يقترح التقرير عددا من التوصيات المطلوبة على الصعيد العالمي، للمضي قدما في تطوير هذه التقنيات، بما يحقق الأهداف المناخية العالمية.
على رأسها تحديد دور التقاط وتخزين ثاني أكسيد الكربون وإزالة ثاني أكسيد الكربون في تلبية الاستراتيجيات والخطط المناخية الوطنية، وتحديد الأهداف والإبلاغ عنها.
بجانب دعم تحديد وتقييم موارد التخزين الجيولوجي، وتطوير قوانين ولوائح خاصة باحتجاز ثاني أكسيد الكربون وتخزينه، وتحديد الفرص المتاحة لشبكات احتجاز وتخزين ثاني أكسيد الكربون وتسهيل إنشاء البنية التحتية للنقل والتخزين.
كما يوصي التقرير بتمكين الاستثمار في احتجاز ثاني أكسيد الكربون وتخزينه من خلال السياسة المناسبة وآليات السوق، وتبادل المعلومات وبناء القدرات على الصعيد العالمي.
وأخيرًا، خلق قيمة عالية طويلة الأجل لتخزين ثاني أكسيد الكربون.
aXA6IDE4LjIxNi4xMDQuMTA2IA==
جزيرة ام اند امز