الفضفضة أو النميمة، هي فاكهة الأحاديث لتخفيف حدة الملل أو الرتابة بين زملاء العمل.
وفي زمن الجائحة، واعتماد الشركات والمؤسسات بشكل رئيسي على منظومة "العمل عن بُعد" كجزء من آليات التغلب على انتشار الجائحة، ومع التباعد، أصبحت الفضفضة بين الزملاء هاتفيًّا هي وسيلة للتخفيف من حدة العُزلة.
وليس سرًّا أن غالبيتنا يشعر بالإحباط في أماكن العمل، لأسباب عديدة، منها: تكليفك بعمل إضافي أو إجراء تعديلات كثيرة في مهامك، وأنت بالتأكيد تستحق زيادة، أو أن راتبك لم يعد يكفيك مع ارتفاع تكاليف المعيشة.. إلا أن مشاركة النميمة بكل هذا مع الشخص الخطأ أو بطريقة خطأ يمكن أن تسبب لك نتائج عكسية، فيما يمكن أن تكون الفضفضة مثمرةً لكن بشروط.
هناك ثمن دائم يُدفع مقابل هذه الفضفضة، لا يدركه الموظف إلا بعد فوات الأوان، ويندم وقت لا ينفع الندم على أنه منح شخصًا ما الثقة ليطلعه على ما يضايقه في العمل، سواء من المنظومة أو من رئيسه المباشر أو زملائه.. إذًا عليك أن تختار بعناية مَن يستمع إليك كما يجب أن تحدد بوضوح ما الذي تريد أن تتحدث عنه.
سيحدث ذلك عاجلا أم آجلا، ستتراكم ضغوط العمل وإزعاجه بداخلك لدرجة أنك لا تستطيع الاحتفاظ به لفترة أطول، لذلك ستنفجر في سلسلة شكاوى لأي زميل في العمل، وهو أمر طبيعي ولا مفر منه حتى في أماكن العمل النموذجية. ولكن حدوث ذلك لا يعني أنه أمر جيد. يمكن أن يؤدي التنفيس المستمر أو النميمة إلى نشر السلبية وإحباط زملائك، بخلاف أنه يمكن أن يكون مزعجًا لبقية الزملاء في الدائرة الأوسع.
فكيف يمكن أن تنفس عن مشكلاتك في العمل بالطريقة الصحيحة ودون الإضرار بحياتك المهنية؟
أولا، عليك اختيار الشخص الصحيح للفضفضة، فإذا أردتَ شخصا تبوح له ببعض آلامك أو ما يضايقك، اخترْ زميلا تثق به، والأهم لا يكون مديرك أو موظفًا مبتدئًا، حتى تستطيع النميمة معه دون أن تتحول شكواك أو شعورك بالإحباط إلى محط حديث لجميع الزملاء أو يتم استخدامها ضدك فيما بعد إذا حدث خلاف بينك وبين زميل النميمة.
ثانيا، والأكثر أهمية من اختيار زميل النميمة، هو التركيز في حديثك على نفسك ومشاعرك، بدلا من الشكوى أو لوم شخص بعينه، كما أنه يجب ألا تكون كثير الشكوى بسبب ودون سبب، حتى لا تشتهر وسط زملائك كـ"مقدم شكوى"، أو مصدر سلبية وسط فريق العمل، ولا تقُم بالنميمة مع الزملاء أنفسهم في كل مرة.
ثالثا، أن تسعى لإيجاد الحلول لمشكلاتك، فالنميمة أساسًا تكون فرصة للتنفيس والتخلص من التوتر، دون أن تكون هناك نية لديك أو لزميل النميمة في إيجاد حلول، وبالتالي فالأفضل أن تخصص مدة النميمة نفسها في التفكير في حلول بسيطة وممكنة لحل جزء من المشكلات، التي تواجهك في العمل يوميا، وبالتالي ستكون عبّرت عن مشاعرك مع إسهامك في إنشاء حلول لها.
رابعا، تدوين الضغوط والإحباطات في دفتر يوميات، وبالتالي يمكنك أن تفهمها بشكل أفضل وتبدأ في توقع الأشياء، التي تحبطك في العمل، وهو ما يمكّنك من تجنبها أو التغلب عليها، فمثلا إذا كُنتَ تكره اجتماع الأسبوع وتشعر أنه بلا فائدة، فلماذا لا تفكر في أنه فرصة للحاق بزملائك بعد عطلة نهاية الأسبوع؟، أو ربما يمكنك أن تكون أكثر إيجابية بأن تثير فكرة لتحسين الاجتماع وجعله أكثر فائدة.
خامسا، يجب أن توازن بين الأشياء السلبية والإيجابية في محيط العمل، وبشكل أبسط: أجبر نفسك على أن تبقى الأشياء السلبية تحت السيطرة عبر التركيز على ملاحظة الإيجابي في مكان عملك، وتحدث عنها أيضا حتى تكون مصدرًا للطاقة الإيجابية بين فريق العمل، وتذكر أن هناك وجها آخر للنميمة، فهي يمكن أن تكون عن الأشياء الإيجابية في محيط العمل.
سادسا، لا تحوّل حساباتك على وسائل التواصل الاجتماعي إلى منصات للفضفضة أو للتنفيس عن شكواك، لأنه يمكن أن تُستخدم ضدك، وغالبا هذه الطريقة محفوفة بالمخاطر.. يقول أحد علماء النفس: من الجيد أن تعبّر عن شعورك بالغضب في رسالة على هاتفك، أو الصراخ لو أحببت، ويمكنك سماعها قبل أن تحذفها، فهذه الطريقة ستمكّنك من تكوين وجهة نظر بشأن المشكلة ومشاعرك تجاهها.
النميمة أحيانا قد تكون مجرد تنفيس أو متعة طبيعية، كما أنها في أحيان أخرى تكون ضارة، في كلتا الحالتين هي ثاني أكبر قاتل للإنتاجية في العمل، وغالبا ما تكون عما تحدَّث به أو فضفضَ به شخص آخر لك، وبالتالي فإن أفضل الطرق لإغلاقها هو الاعتياد على التحدث إلى زملاء العمل مباشرة، فعندما تحافظ على حياتك الشخصية خارج العمل وتبقى صادقًا مع الجميع، فإن زميل النميمة لن يكون لديه ما يستخدمه ضدك.
نصيحة أخيرة، ضعْ في اعتبارك أن كل مكان عمل له أسلوبه وقيمه وثقافته الخاصة، فإذا وجدتَ نفسك محاطا بزملاء عمل لا تستطيع التوافق معهم أو لا تستطيع أن تتوافق مع ثقافة المكان، فقد يكون من الحكمة البدء في البحث عن وظيفة جديدة بدلا من أن تكون "بطَلَ الشكوى والنميمة".
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة