تمسك «الرئاسي» بالشكري رئيسا لـ«مركزي ليبيا».. الأسباب والنتائج
رغم اعتذار محمد الشكري عن عدم تولي رئاسة البنك المركزي الليبي «حقنا للدماء»، فإن المجلس الرئاسي دعاه إلى الالتحاق «سريعا» بالمنصب الذي رشحه له.
تطور جديد على أزمة البنك المركزي، التي تزامنت مع تحشيدات عسكرية وتدفق أرتال على العاصمة طرابلس، في وضع أثار مخاوف من أن يتحول لاشتباكات بين المليشيات المسلحة، إلا أن وزير الداخلية بحكومة الوفاق الوطني (منتهية الولاية) عماد الطرابلسي، أعلن الجمعة التوصل لاتفاق لإنهاء الاستنفار، ومباشرة الأجهزة الأمنية تأمين المقرات الحكومية.
إلا أن انتهاء تلك التحشيدات لم يضع نهاية لأزمة رئاسة المصرف المركزي، فرئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي دعا يوم الجمعة، محمد الشكري إلى الالتحاق بعمله سريعًا كمحافظ لمصرف ليبيا المركزي، مطالبًا إياه بالبدء في تنفيذ خطط الإنقاذ الاقتصادي والمالي.
مطالبة الرئاسي للشكري تأتي بعد ساعات من إعلان الأخير اعتذاره عن عدم تولي منصب رئيس البنك المركزي الليبي «حقنا لدماء الليبيين»، في إشارة إلى احتمالية الصدام العسكري الذي حذرت منه البعثة الأممية في ليبيا، والسفارة الأمريكية بطرابلس.
وكان رئيس مجلس النواب عقيلة صالح قد حذر في لقاء تلفزيوني، مساء الخميس، من المساس بالمحافظ في الوضع الراهن، قائلا إنه «قد يترتب عليه إغلاق النفط ووقف تحويل إيراداته إلى المصرف المركزي»، مؤكدا أنه «لن يسمح باستمرار ضخ إيرادات الثروة الليبية لأشخاص جاؤوا بطريقة مشبوهة وأيدٍ غير أمينة»، على حد قوله.
رفض دولي
ووسط رفض دولي ومحلي واسعين لقراره بإقالة رئيس المصرف المركزي، يسارع المجلس الرئاسي الليبي الخُطى للحصول على اعتراف دولي بقراره، رغم تحذيرات من تأثير القرار على اقتصاد ليبيا، والعودة للصراع المسلح الذي عصف بالبلاد قبل عام 2014.
وبحسب مصادر «العين الإخبارية»، فإن المجلس الرئاسي خاطب البعثات الدبلوماسية في الخارج لتتبنى قرار التعيين الجديد.
وأرسل مدير مكتب رئيس المجلس الرئاسي تعميما إلى مدير إدارة المراسم، بوزارة الخارجية والتعاون الدولي بحكومة الوحدة الوطنية، (منتهية الولاية) برئاسة عبدالحميد الدبيبة، يحمل الرقم الإشاري م.م.د / 243 / 2024، ويتضمن بيان المجلس بشأن تعيين محافظ جديد للمصرف المركزي؛ لتعميمه على البعثات والسفارات الليبية في الخارج.
ووفقا للتعميم، فإن المجلس الرئاسي نقل عمّا وصفه بـ«المؤسسات المعنية»، بما في ذلك الحكومة (حكومة الدبيبة) ومؤسسة الاستثمار وهيئة رئاسة المجلس الأعلى للدولة، دعم هذا القرار، في حين أن بعض هذه الأطراف المذكورة سبق وأصدرت بيانات برفض القرار.
ما أسباب تحركات «الرئاسي»؟
يقول المحلل العسكري والأمني الليبي محمد الترهوني، إن «الرئاسي غاضب من انتزاع صفة القائد الأعلى للقوات المسلحة منه من قبل مجلس النواب، لذلك يسعى للسيطرة على المصرف المركزي؛ باعتباره بمثابة بيت مال الدولة، وان من يملكه فستمتثل المليشيات لأوامره».
وأوضح المحلل العسكري في حديث لـ«العين الإخبارية»، أن اعتذار الشكري وحده لن يكون كافيا لوقف الاقتتال المتوقع اندلاعه في أي لحظة بالعاصمة طرابلس، مشيرًا إلى أن «الرئاسي سيسعى للسيطرة على المصرف وتكليف محافظ آخر غير الصديق الكبير ومحمد الشكري الذي اعتذر، في محاولة للسيطرة على المصرف».
ما «مخاطر» تلك التحركات؟
بحسب الترهوني، فإن الوضع الأمني في الغرب الليبي حاليا خطير نتيجة تحشيد القوات والمليشيات الموالية للأطراف السياسية المختلفة، مشيرًا إلى أن جميع الأطراف في الغرب الليبي تجمعها علاقات قوية بالمليشيات.
الأمر نفسه أشار إليه عضو مجلس النواب، الدكتور محمد عامر العباني، الذي قال إن المجلس الرئاسي أقال الصديق الكبير، لـ«إرباك المشهد السياسي فقط»، مشيرًا إلى أن قرار المجلس الرئاسي «أحادي لا يؤيده فيه أحد».
وكان مجلس النواب قرر في جلسة عقدها الأسبوع الماضي، استمرار الصديق الكبير محافظا للمصرف المركزي، وفق قرار هيئة رئاسة مجلس النواب رقم (12) لسنة 2024.
وأوضح البرلماني الليبي في حديث لـ«العين الإخبارية»، أن «المجلس الرئاسي غير مختص بتعيين المناصب السيادية، كما أنه فاقد للشرعية لانتهاء ولايته بحكم البرلمان الليبي».
والمجلس الرئاسي هو هيئة انبثقت عن اتفاق جنيف الموقع في 2021، ويمثل مناطق البلاد الثلاث مكونة من 9 أعضاء، إلا أن البرلمان صوت في 13 أغسطس/آب الجاري، على إنهاء ولايته والحكومة القائمة في طرابلس والتي يقودها عبدالحميد الدبيبة، مع اعتبار الحكومة المكلفة من البرلمان، بقيادة أسامة حماد، هي الحكومة الشرعية لحين اختيار حكومة موحّدة.
كما أقر سحب صفة «القائد الأعلى للجيش» من المجلس الرئاسي وإعادتها إلى رئيس مجلس النواب.
إعادة تقسيم «المركزي»
تمسك الرئاسي بقراره، حذر منه الخبير الاقتصادي الليبي، وحيد الجبو، قائلا إنه يتسبب في «زيادة الشقاق، مما قد يؤدي إلى تقسيم المصرف إلى واحد في الشرق وآخر في الغرب؛ مما سينعكس بدوره على تقاسم العوائد المالية وعلى رأسها النفط».
وكان المصرف المركزي قد أعلن في أغسطس/آب 2023، إعادة توحيد فرعيه في غرب البلاد وشرقها، بعد نحو 10 سنوات من الانقسام، وجاء في بيان أصدره حينها محافظ المصرف، الصديق الكبير، ونائبه مرعي مفتاح رحيل، أن المصرف «عاد مؤسسة سيادية موحدة».
ويدير المصرف المركزي عائدات النفط والغاز، وهو المسؤول عن تخصيص الأموال لمؤسسات الدولة.
تهديد الاقتصاد
انعكاسات تمسك الرئاسي بقراره لن تمس وحدة «المركزي» فحسب، بل إنها ستكون لها «آثار سلبية على الاقتصاد»، بحسب الخبير الاقتصادي الجبو، الذي قال لـ«العين الإخبارية»، إن «إعادة تقسيم المصرف تعني فشل جهود توحيد مؤسسات أخرى، منها المؤسسة الوطنية للنفط، والمؤسسة الليبية للاستثمار، مما يُضعف الاقتصاد، ويؤدي إلى تأثر التعاملات المالية الدولية، خاصة مع صندوق النقد والبنك الدوليين».
وبحسب الجبو، فإن الخدمات المصرفية التي يستخدمها الليبيون بشكل يومي، مثل عملية المقاصة ستتأثر كذلك بأي قرارات تمس المركزي، داعيا للإسراع في إجراء الانتخابات العامة ليتمكن الشعب من اختيار حكامه «بكل حرية».
من الناحية القانونية، يشير وحيد الجبو إلى أن القانون رقم 1 لعام 2005، بشأن مصرف ليبيا والمصارف التجارية، «لا يعطي المجلس الرئاسي سلطة تغيير المحافظ»، لافتا إلى أن المصرف يتبع مجلس النواب؛ وبالتالي فإن قرار المجلس الرئاسي «غير معترف به وغير قانوني».
ما الحل؟
يقول الترهوني، إن «طرابلس لطالما عانت من هذه الاشتباكات غير المبررة»، مؤكدًا ضرورة «حل جميع المليشيات ونزع سلاحها وإخراجها من المدن، كسبيل وحيد للاستقرار يليه إجراء انتخابات تضمن تداولا سلميا على السلطة».
aXA6IDE4LjExNi45MC4xNjEg جزيرة ام اند امز