رغم الانقسامات في ليبيا.. خطوات ملموسة نحو انتخابات قريبة للمحليات
تعتزم ليبيا إجراء انتخابات محلية في نحو 60 بلدية متفرقة في عموم البلاد، منتصف أكتوبر/تشرين الأول المقبل، وسط آراء مختلفة حول ما إن كانت، حال نجاحها، ستكون مؤشرا لإمكانية إجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المؤجلة، أم لن تُحدث فرقا.
ووفقا للقائمة بأعمال مبعوث الأمم المتحدة إلى ليبيا ستيفاني خوري فإن إعداد انتخابات المجالس المحلية يسير إلى الأمام، وتسهر المفوضية الوطنية العليا للانتخابات، بدعم من بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، لاتخاذ التدابير اللازمة.
وأكدت في إحاطتها، أمام مجلس الأمن الدولي، الثلاثاء، أنه اكتمل تسجيل الناخبين في 60 مجلسا انتهت ولايتها، أو من المقرر أن تنتهي بحلول نهاية عام 2024، كما سجّل نحو 210 آلاف ليبي للتصويت، وبدأ توزيع بطاقات الناخبين وتسجيل المرشحين.
وفي 9 يونيو/حزيران الماضي، أعلنت المفوضية العليا للانتخابات البدء في تنفيذ انتخابات المجالس البلدية (المجموعة الأولى) البالغ عددها 60 مجلسا بلديا (من ضمن 106 مستهدفة) موزّعة على مختلف مناطق البلاد في منتصف أغسطس/آب الجاري، إلا أنه تم تمديدها مرتين بسبب عملية تسجيل الناخبين إلى أن تحدد لها لاحقا منتصف أكتوبر/تشرين الأول، وفق تصريحات لستيفاني خوري القائمة بأعمال المبعوث الأممي في ليبيا.
وتجرى الانتخابات في سبعة عشر بلدية في المنطقة الجنوبية، وواحد وثلاثين بالمنطقة الغربية، واثنتي عشرة بلدية في المنطقة الشرقية.
وتعد الانتخابات البلدية التي ستجرى على مرحلتين أول اقتراع عام تشهده ليبيا منذ عام 2014، الذي شهد انتخابات برلمانية وبلدية قبل أن تنزلق البلاد نحو دوامة جديدة من العنف عرقلت تقدم العملية السياسية.
موجة تفاؤل
يرى الخبير السياسي الليبي هيثم العبيدي أن الانتخابات البلدية في حال نجاحها "ستكون مؤشرا إيجابيا على أن الانتخابات البرلمانية والرئاسية يمكن أن تتم هي أيضا، بغض النظر عن الانقسام والصراع السياسي الحاصل".
وفي تعليقه لـ"العين الإخبارية" يُرجع العبيدي أمله في نجاح الانتخابات البلدية إلى أنها تختلف عن الرئاسية والبرلمانية في أمور، منها أنه يوجد قانون واضح ينظّمها من قبل حدوث الانقسام السياسي، معربا عن أسفه في نفس الوقت من أن "الإقبال ضعيف" على المشاركة في انتخاب البلديات، وهو ما دفع مفوضية الانتخابات لتمديد فتح باب تسجيل المشاركة لمدتين متتاليتين.
وعما سيعكسه انتخاب المجالس النيابية على تحسين الأوضاع، يتوقع الخبير الليبي أنه "سيكون له دور كبير في تقديم الخدمات، خاصة في المناطق البعيدة التي تعاني من وجود حكومتين متوازيتين في البلاد، الذي يقلل فرص وصول الخدمات لها".
كما ستُنهي الانتخابات الانقسام داخل هذه المجالس، لأن القانون يعطي وزارة الحكم المحلي حق تعيين مجالس تسييرية مؤقتة حال عدم وجود انتخابات، ما تسبب في وجود مجلسين معيّنين للبلدية الواحدة، نتيجة تعيين كل حكومة من الحكومتين مجلسا، وفق العبيدي.
الانتخابات ومشاركة الشباب
يعرب المحلل السياسي الليبي الشاب عبدالله بوعروشة، لـ"العين الإخبارية"، عن أسفه من ضعف الإقبال على المشاركة في الانتخابات المحلية "رغم أهميتها"، قائلا إن الأرقام المذكورة لعدد المسجّلين، أي الـ210 آلاف شخص في 60 بلدية، لا تتعدى 30% من سكان هذه البلديات.
ويربط بوعروشة بين هذه النسبة وما وصفه بـ"عزوف المواطنين عامة -الشباب خاصة- عن المشاركة في الانتخابات، نتيجة انتشار الإحباط من الجو السياسي العام، والتجارب الفاشلة السابقة في المجالس البلدية، وتغوّل كبار السن ومن تعدوا سن التقاعد في العديد من المناصب القيادية، بجانب الانشغال في الأمور الحياتية والبحث عن فرص عمل لتحسين الدخل".
إلا أن المحلل الليبي نوَّه بوجود "تجارب مبشّرة لتمكين الشباب، خاصة في شرق البلاد، في ظل استراتيجية القيادة العامة للقوات المسلحة العربية الليبية التي عملت على تمكين نخبة من الشباب في عدة مشروعات وفي ملفات الإدارة، بما في ذلك مشروعات الإعمار شرقا وجنوبا، ما أعطى بارقة أمل للشباب".
في نفس الوقت، استبعد بوعروشة أن تكون تجربة الانتخابات البلدية حال نجاحها نموذجا أو مؤشرا لمناخ سياسي جيد، يمهد الطريق نحو الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، مرجعا ذلك إلى أن العديد من الكيانات السياسية تجمد "عمدا" الملفات التي يمكن أن تُحدِث تغييرا حقيقيا وتؤدي لإجراء الانتخابات العامة.
ومن جانبه قال الكاتب والباحث السياسي في الشأن الليبي "أحمد عرابي" إن المفوضية الوطنية العليا للانتخابات قد أعلنت متطلبات اعتماد المراقبين في انتخابات المجالس البلدية، حيث يجب أن ينتمي المراقب لإحدى منظمات المجتمع المدني، وعليه إحضار إشهار سار المفعول لمنظمته، ورسالة منها تحتوي أسماء مراقبيها وصورة شخصية إلكترونية وأخرى لإثبات الهوية، ثم يقوم بتعبئة استمارتي منظمة وفرد ويوقع على مدونة سلوك بحسب بيان المفوضية، وبالنسبة لتسجيل ممثلي الإعلام المحلي فيجب أن يكون منتميا إلي مؤسسة إعلامية محلية ومسجلة لدى الدولة.
وأوضح عرابي أن انتخابات المجالس البلدية المقبلة فرصة مهمة للشعب الليبي لاختيار قادته المحليين لتحسين من قطاع الخدمات المحلية، وتعزيز الحكم البلدي المسؤول في جميع مناطق البلاد، إلا أن شح الميزانية التي تم رصدها من قبل الحكومة للمفوضية العليا لمتابعة سير الانتخابات قد أثر على عمل المفوضية في تنظيم الانتخابات البلدية، وهو الأمر الذي اضطرها في الأساس إلى تقسيم العملية، والبدء بمرحلة أولى تضم ستين مجلسا بلديا من شتى أنحاء ليبيا.
وقد تأتي أحد أسباب العزوف عن التسجيل -وفق عرابي- لشعور المواطنين بالإحباط من تجربة المجالس السابقة وأيضاً الإحباط وخيبة الأمل من التجارب الماضية، باعتبار أن غالبية المجالس البلدية لم تقم بتغيير ملموس في الجوانب الخدمية للمواطن البسيط، فقلة الوعي السياسي بالمشاركة في الانتخابات البلدية تأتي في مقدمة التحديات التي يواجهها هذا الاستحقاق رغم أهميته القصوى، إلا أنني أرى أن تقديم الخدمات سيظل مرتهناً دائماً بحجم الميزانية التي تصل لهذه البلدية لتقديم الخدمات، والتي تحدد بناءً على عوامل عدة كتعداد سكان البلدية ومساحتها وموقعها الجغرافي.