"الهروب الكبير" لإرهابيين من سجن مقديشو.. مؤامرة قطرية والهدف ليبيا
حيثيات ما حصل في السجن، يكشف مؤامرة دبرتها المخابرات الصومالية التي تحركها قطر لتهريب إرهابيين إلى ليبيا
رغم محاولات تسويق أحداث السجن المركزي بالعاصمة الصومالية مقديشو على أنه تمرد للمساجين، فإن حيثيات ما حصل تكشف عن مؤامرة دبرتها المخابرات المحلية التي تحركها قطر لتهريب إرهابيين.
والإثنين الماضي، نشبت اشتباكات بين مساجين بالسجن المركزي وحراس السجن، أسفرت عن مقتل 15 سجينا، وإصابة 7 آخرين.
فيما قتل 4 جنود وأصيب آخر بجروح، وفق الحصيلة النهائية التي أعلن عنها عبد الغني محمد خلف، المتحدث باسم قوات مصلحة السجون الصومالية.
قيادة المخابرات والإرهابيين
تعقيبا على أحداث اشتباكات سجن مقديشو المركزي، قال زعيم حزب "ودجر" المعارض في الصومال عبدالرحمن عبدالشكور، إن ما حدث كان أمرا مدبرا من قيادة المخابرات لإطلاق سراح إرهابيين معتقلين.
واتهم عبدالشكور، خلال مؤتمر صحفي بمنزله تابعته "العين الإخبارية"، نظام الرئيس محمد عبدالله فرماجو، بالتستر على الخسائر التي تُلحقها العمليات الإرهابية بالجيش الصومالي.
اتهامات تتماهى مع تحليلات عدد من الخبراء الصوماليين ممن أشاروا إلى أن ما حدث يأتي في إطار مخطط متعدد الأطراف، يشمل الصحفي السابق في قناة الجزيرة رئيس الاستخبارات الصومالية فهد ياسين وقطر، وإرهابيين تتقاطع مصالحهم مع الثنائي المذكور علاوة على تركيا حليف الدوحة.
وبحسب مصادر أمنية، فرّ من السجن المركزي في مقديشو أثناء أحداث الإثنين، قيادي بحركة "الشباب" الإرهابية، يدعى مبارك إبراهيم إيدلي، كان يقضي فترة عقوبة بالسجن لعشر سنوات، تنفيذا لحكم صادر بحقه من القضاء العسكري في الصومال عام 2014.
وأثناء فراره، كان الإرهابي يحمل مسدسا، وقتل مدنيين اثنين بينهما سائق "توك توك" الذي استقله من أمام السجن المركزي.
وأكدت المصادر نفسها أن إيدلي هو الوحيد الذي تمكن من الهروب من السجن خلال الاشتباكات بين حراس السجن ونزلاء استولوا على أسلحة بعض الحراس، حسب الرواية الرسمية لنظام فرماجو.
من جانبها، ذكرت مصادر أمنية رفيعة للقسم الصومالي بإذاعة "صوت أمريكا"، أن إيدلي انضم لـ"الشباب" عام 2012، وقاتل ضمن عناصر المليشيات المتواجدة في سلسلة جبال غولس الواقعة بمحافظة سناغ شمالي البلاد، قبل أن تصطاده أجهزة الأمن المحلية.
"أمر مخيف"
في تعقيبه على أحداث السجن، قال الجنرال عبد الله عبد الله، نائب رئيس المخابرات الصومالي السابق إن ما حدث كان عملية استخباراتية وتبادل "شيء" بين طرفين من حركة الشباب، في إشارة واضحة إلى أن ما حدث كان عملية للمخابرات بقيادة فهد ياسين.
ووصف عبدالله، في منشور عبر حسابه بموقع "فيسبوك"، ما يجري في مقديشو بـ"الأمر المخيف"، مضيفا "رحم الله الجنود والنزلاء الذين سقطوا ثمنا لهذه المؤامرة".
وأعرب عن أمله بتقديم المسؤولين عما حدث للعدالة، مطالبا بإجراء تحقيق شفاف حول "المجزرة بحق السجناء، وكشف أسباب هذا العمل الوحشي، وكيفية حيازة المعتقلين للأسلحة والقنابل؟"..
وتساءل عبد الله: "لمن تتم المساءلة إذا كان رئيس المخابرات الصومالية فهد ياسين هو من دبر هذا العمل؟".
ردع فهد ياسين
في تعليقه على أحداث سجن مقديشو، رأى عبد الشكور أنه يتعين على رئيس الوزراء الصومالي القادم أن يردع قيادة المخابرات إن كان فعلا يريد نيل ثقة شعبه.
واعتبر، بالمؤتمر نفسه، أن لا دور لإدارة السجن فيما جرى، وأن اتهامها بالتقصير في هذا الشأن مضيعة للوقت وتضليل للرأي العام، مشددا على أن ما حدث كان أمرا مدبرا من قيادة جهاز الاستخبارات.
وتساءل عما إن كان جهاز المخابرات موجود لخدمة الشعب الصومالي أم لخدمة مليشيا "الشباب" الإرهابية.
استفهامات يطرحها أيضا العديد من المراقبين للشأن الصومالي في محاولة لفهم ملابسات الحادثة، محذرين من أن ما جرى يتجاوز كونه خللا أمنيا عابرا، خصوصا بفرار إرهابي من السجن، وفي ظل المخاطر المحدقة بالأمن القومي بسبب التدخلات الأجنبية والأذرع المهيمنة على الأجهزة الأمنية.
ويعد سجن مقديشو من أكثر الأماكن الخاضعة للمراقبة الأمنية المشددة، ما يطرح ذات الاستفهامات حول حقيقة ما جرى، خصوصا أن الاشتباكات جرت في القسم المخصص من السجن للمدانين بقضايا الإرهاب المحكومين بفترات طويلة.
وكشف القسم الصومالي لإذاعة "صوت أمريكا" أن المحتجزين في السجن حصلوا على قنابل يدوية ومسدسات تضارب إعلام محلي في تحديد عددها.
غير أن السؤال الذي ينتظر حتى الآن إجابة شافية يظل كيف تم تسليح المساجين بأسلحة وقنابل مكّنتهم من مجابهة حراس السجن وقتالهم لمدة ساعات؟.
سؤال آخر وهو كيف استطاع إرهابي خطير الفرار من السجن خلال الاشتباكات رغم التعزيزات الأمنية التي وصلت السجن عقب اندلاع الاشتباكات فيه؟
استفهامات يرى مراقبون أن إجاباتها تكمن في حقيقة واحدة وهي أن جهاز الاستخبارات الذي يقوده رجل قطر فهد ياسين هو من دبّر المؤامرة لتهريب إرهابيين وإرسالهم لاحقا للقتال في ليبيا، في إطار مخطط أكبر تشرف عليه الحكومة التركية حليفة قطر.
إحداثيات تتقاطع عندها مختلف التحليلات الموضوعية لما جرى الإثنين، وتدعمها محاولات حكومة فرماجو تقديم رواية يشوبها التضارب والضبابية.
وأعلنت حكومة تصريف الأعمال في الصومال، الثلاثاء، إجراء تحقيق في أحداث السجن.
واعتبر وزير العدالة في حكومة تصريف الأعمال الصومالية حسن حسين حاجي، أن ما حدث "جريمة قام بها بعض نزلاء السجن، واستولوا على سلاح وهاجموا حراس السجن".
ولفت إلى أن نتائج التحقيق ستنشر بشكل فوري حتى يعرف الشعب الصومالي ملابسات ما حدث.
من جهته، أعلن مكتب رئيس حكومة تصريف الأعمال مهدي غوليد خضر، تشكيل لجنة لإجراء تحقيق بشأن ما حدث.
وتتكون اللجنة من 6 مسؤولين، بقيادة وزير العدالة في حكومة تصريف الأعمال حسن حسين حاج، وتضم النائب العام سليمان محمد محمود، وقائد الشرطة عبدي حسن محمد حجار، وقائد قوات مصلحة السجون مهد عبدالرحمن آدم، إلى جانب النائب العام بمحكمة القوات المسلحة عبد الله بولي كمي، ومدير المباحث العامة غوليد شيخ حسين آدم.
تشكيلة يرى محللون أنه كان الأوْلى أن تخضع للمساءلة عوض إشراكها بالتحقيق، معتبرين أنه من المفترض محاسبة وزير العدالة وقائدي الشرطة والقوات المسلحة للسجون.