نعيش الآن في ظل ظاهرتين عالميتين مترابطتين، وهما العولمة والانتقال إلى مجتمع المعرفة
نعيش الآن في ظل ظاهرتين عالميتين مترابطتين، وهما العولمة والانتقال إلى مجتمع المعرفة، وتحمل العولمة معها مجموعة من الشعارات التي تؤثر في شعوب العالم، ومن أهمها شعارات الديمقراطية والمجتمع المدني وحقوق الإنسان وحرية تدفق المعلومات والخصخصة والسوق العالمي الحر المفتوح من دون قيود.
وبلا شك أن لهذه الشعارات بريقها وجاذبيتها، ولكن محاذير العولمة تحمل فكرة استبداد القويّ وهيمنته على الاقتصاد العالمي والإرادة السياسية، وتحمل كذلك فكرة التبعية الثقافية، التي يقوى على فعلها من يملك أدوات الاتصال ويتحكم في المعلومات وبإنتاجها وتدفقها، دونما مراعاة لثقافات الشعوب الأخرى وحاجاتها وخصوصياتها وإمكاناتها، ما قد يقود إلى إذابة الثقافات الفرعية وثقافات الهامش.
وتقوم فكرة العولمة على تحطيم الحواجز بين الأمم وثقافاتها، وصار الاتصال الدولي والتفاعل بين الشعوب أمراً واقعاً، بفضل تشبيك العالم اتصالياً عبر الأقمار الصناعية والمحطات الفضائية والشبكات الهاتفية وشبكات الإنترنت.
وهذه الإمكانات الاتصالية، تجعل العولمة قادرة على تغيير المجتمعات لتتواءم مع ثقافة من يقود العولمة، وحيث إننا مثل باقي الشعوب، نعتز بثقافتنا العربية وتراثنا، فإن ما نؤمن به ليس تغيير ثقافة المجتمعات، بل نؤمن أن المطلوب هو التبادل بين المجتمعات، أي التبادل والتفاعل بين الثقافات المختلفة، ما يتيح لها فرصة النمو، لا الإذابة والانتماء لا التبعية.
ونحن هنا لا نطالب بإغلاق النوافذ، بل نطالب بأن تبقى مُشرعة، ما يتيح تفاعل الأمم مع حضارات الشعوب الأخرى، ما يسهم في تجديد ثقافاتها وإغنائها، وهذا ما فعلته الثقافة العربية الإسلامية أثناء ازدهار حضارتها.
وأثر التطور الهائل لتكنولوجيا الاتصال والمعلومات، بشكل كبير في أساليب التواصل اليومية، وأثر في الحياة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، وما رافق ذلك من صعود لدور وسائل التواصل الاجتماعي، في مثل هذه الظروف، أصبحت صحافة المواطن لها تأثيرها في الشارع العربي، وأصبحت توفر المعلومة كما توفر الإشاعة، وأصبحت تتيح للإنسان قدرة التواصل عبر الحدود، من دون قدرة على السيطرة على تدفقها، ومع صعوبة التدقيق في صحة معلوماتها.
وكانت هذه الوسائل، كما هي متاحة لقوى الخير، فإنها متاحة لقوى الشر أيضاً، وكان من تأثيراتها، ما شاهدناه من حراك عربي في العديد من الدول العربية (في ما عرف بالربيع العربي)، الذي نتج عنه ما بتنا نشاهده من صور الإرهاب والدمار والقتل والتكفير والاستقطابات السياسية والدينية والطائفية والقبلية، والتي قادت إلى انهيار مؤسسات الدول التي طالها جحيم الربيع العربي.
ويفرض الإعلام الجديد، تحديات ذات بعد عالمي، لها أوجه عدة تواجه المجتمعات كافة، وقد حددت شركة مايكروسوفت في عام 2002، جملة من التحديات، وهي ما زالت قائمة على مستوى دولي، وتتمثل بالآتي: حماية خصوصية الأفراد، ضمان حماية أمن أنظمتنا (البنى التحتية التكنولوجية)، حماية الأطفال، حيث يتعاملون مع الكمبيوتر والإنترنت بطريقة أشبه بالإدمان.
فكما تقدم المواد التعليمية والمعلومات، فهي تقدم المواد الترفيهية المثيرة، ما يؤدي إلى تعرضهم إلى مضامين غير ملائمة لهم، تجسير الفجوة الرقمية بين الفقراء والأغنياء، بين من يملك ومن لا يملك.
وذلك بأن تقوم التكنولوجيا والإنترنت بتحسين نوعية الحياة في العالم، من خلال تحسين الاتصال والأعمال والتعليم، حماية الملكية الفكرية في جميع أنحاء العالم لحماية الإبداع والابتكار، خصوصاً أن الإنترنت سهَّل إمكانية توزيع المعلومات الرقمية من كتب وموسيقى وفيديو وصور، وتنظيم التجارة الدولية الإلكترونية وتقنينها.
بعد أربعة عشر عاماً، ما زالت هذه التحديات في ظل العولمة قائمة تواجه البشرية جمعاء، وتنتظر منا حلولاً لها، وهي في طبيعتها تحديات لا يمكن حلها إلا بجهود من المجتمع الدولي.
نقلا عن / البيان
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة