جزء من الحرب، التي يخوضها العالم ضد الإرهاب، يتم على الواجهة الأمنية والعسكرية، ولكن هناك جزءا آخر لا يقل أهمية عنه، وهو حرب الدعاية.
منذ أكثر من سنة بقليل، بدأنا نلاحظ تغييرات في أساليب الدعاية الإعلامية للجماعات التابعة لتنظيم "القاعدة" في أفريقيا.
وبتحليل حالة الصومال، نجد أن حركة الشباب الإرهابية تملك نوعين من القنوات الدعائية، الأولى تظهر فيها هجماتها من خلال أسلوب الدعاية الهجومية الموجهة فقط للجمهور المستهدف من مؤيديهم، والثانية تنشر، بالتوازي على قنوات أخرى، دعاية "بيضاء" ودفاعية يصعب تصنيفها.
في العادة، يستخدم الإرهابيون المقالات المنشورة سابقا، بما في ذلك الصادرة في الصحافة الغربية، والتي تحتوي على مفردات ومعلومات، كما هو موضح في عناوينها: "فيضانات في جنوب السودان"، أو "صندوق النقد الدولي يتبرع بملايين الدولارات لكينيا".. وبالرغم من أنها موجهة إلى الجمهور الصومالي، فإنهم أيضا يبثون الدعاية في جيبوتي وإريتريا وأوغندا وإثيوبيا والسودان وتنزانيا وكينيا.
في كل المقالات المنشورة يتظاهر الإرهابيون بأنهم يقفون إلى جانب السكان ولا يستخدمون شعارات متطرفة، لذلك يمكن أن يضم الجمهور المستهدف الإرهابيين والقراء العاديين على حد سواء.
وتتناول مواضيع 10٪ من المقالات أعمال جمعية خيرية تابعة لحركة الشباب توزع المعونات الغذائية دون استخدام أي عبارة عنيفة في نصوص المقالات. يرصدون انطباع العائلات بعد تلقي المساعدات.
وتأتي المقالات في سياق الأخبار حول مشكلات أفريقيا المذكورة أعلاه، مما يعطي انطباعا بأن السكان منسيون ومهمشون.
ويضيف التنظيم في دعايته 10٪ كمساحة مخصصة لمقال رأي مباشر تنشره حركة الشباب، يحتوي رسالة دعائية ضمنية حقيقية.
في العادة، يتكون المقال من نحو 200 كلمة، ويتحدث عن بعض الهجمات التي شنتها الجماعة الإرهابية الصومالية، والتي، حسب زعمها، تلحق دائما خسائر بالجيش الصومالي، وكأنها عملية عسكرية مشروعة، وباستخدام سطرين فقط بمحتوى متطرف داخل النص.
مما لا شك فيه أننا أمام نوع جديد ومبتكر من منشورات "القاعدة" تستخدم فيه من حيث المبدأ دعاية مباشرة، أي مفتوحة ومرنة يمكننا من خلالها تحديد مصدرها.
وما يفعلونه هو تضليل الجمهور المتلقي بالتظاهر بالكشف عن المصدر. لذلك، يتم تقديم المحتوى على أنه دعاية مباشرة، لكن المصدر الحقيقي والهدف هو عكس الظاهر تماما.
وتستخدم الجماعة الإرهابية النموذج نفسه الذي استخدمه أستاذ الدعاية الألماني في الحرب العالمية الثانية، جوزيف غوبلز، والذي استخدم فيه راديو "أومانيتي" ذا المحتوى الشيوعي، ولكنه بث في الواقع دعاية نازية، وكان يهدف إلى تقسيم الفرنسيين.. لذلك تستخدم حركة الشباب دعاية سوداء، وهي دعاية تنتحل الهوية، بغض النظر عن صحة أو كذب الرسائل التي تبثها.
ويقلد مؤلفو دعاية حركة الشباب مايسترو الدعاية، غوبلز.
وفي الوقت الحالي نرى هذه الدعاية السوداء في منشورين في أفريقيا، لذلك لن يكون من الغريب أن نجدها قريبا في مناطق أخرى، إذا وجد التنظيم أنها فعالة.. وإذا حدث ذلك، فإنه سيترك أدلة على نيّات "القاعدة" لتليين خطابه والاقتراب من الحكومات.
ما أصبح واضحا أنه قبل مقتل زعيم "القاعدة"، أيمن الظواهري، حدثت تغييرات في جهاز الدعاية التابع للتنظيم.. فلا يجب أن نستخف بمن نجح في إعداد عملية نفسية مشابهة لحملة غوبلز الدعائية وتعديلها لتتكيّف مع طبيعته الإرهابية، كما يشير ذلك أيضا إلى الاتجاه الذي تتجه إليه نيات التنظيم.
هذا النوع من العمليات النفسية جديد ولم يسبق استخدامه من طرف التنظيم الإرهابي، ويصعب تصنيفه وفقا لدليل العمليات النفسية بسبب طريقة استخدامهم المعلومات لإخفاء رسالتهم الحقيقية.
مما لا شك فيه أن أسلوبا مدروسا للغاية يوضح لنا أنه يوجد ضمن الفريق الدعائي لتنظيم "القاعدة" مُنظِّر مرتبط مباشرة بجهاز استخبارات التنظيم يستحق أن يؤخذ في الاعتبار.. إنه قادر على ابتكار وتصميم حملة دعائية ذات هدف بعيد المدى، حيث تظهر بوادر نيات "القاعدة"، المتمثلة في مشاركة المنتسبين له بشرق وغرب أفريقيا في حكومات بلدانهم، على عكس مهمتها السابقة، التي كانت تتمثل في محاربتها.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة