فوضى بأسواق لبنان وموجة هلع على شراء الأغذية
وفق شكاوى المواطنين، ارتفعت أسعار اللحوم بنسبة 7%، والخضار بأكثر من 25%
في أحد المتاجر الكبرى في بيروت، تضع سناء أكياساً من الفاصولياء فوق كومةٍ من المواد الغذائية الأخرى في عربتها على غرار آخرين توافدوا لشراء الحاجيات الأساسية خشيةً من انقطاعها أو استباقاً لارتفاع حاد في أسعارها، في خضمّ موجة احتجاجات غير مسبوقة ضد الطبقة السياسية في لبنان.
- أزمة الدولار في لبنان تعرقل استيراد الوقود والأدوية
- لبنان يؤكد التزامه بدفع السندات المستحقة بالعملات الأجنبية في موعدها
وتقول سناء المرأة الأربعينية التي فضلت إعطاء اسم مستعار لأنها موظّفة حكومية: "لا أذكر أننا قمنا بالتمون بهذه الطريقة من قبل (...) نحن مخنوقون، نتموّن تحسباً للأيام المقبلة والمرحلة الضبابية التي تنتظرنا".
ويتهافت المستهلكون على برادات اللحوم والأجبان وقسم الخضار والفاكهة ويملأون الممرات المخصصة للحبوب والمعلبات، في حين تخلو ممرات أخرى للكماليات مثل المشروبات الكحولية والحلويات من الزبائن.
وتضيف سناء التي كان ولداها يلعبان حولها في ممرات المتجر ويناديانها بين الحين والآخر: "في السابق كنت كل ما آتي إلى السوبرماركت، أقول لأولادي: اشتروا ما تريدون، أما الآن فممنوع عليهم سوى اختيار شيء واحد فقط لأنني أريد أن أشتري المواد الغذائية فقط".
ويشهد لبنان منذ 17 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، حراكاً شعبياً غير مسبوق مطالباً برحيل الطبقة السياسية، علماً أنه بدأ على خلفية مطالب معيشية. وقد تسبب بشلل في البلاد شمل إغلاق المصارف لأسبوعين. وبعد إعادة فتحها تبين أن أزمة السيولة التي بدأت قبل التحرك الشعبي وكانت من الأسباب التي أغضبت اللبنانيين، باتت أكثر حدّة.
وللمرة الأولى منذ أكثر من عقدين من الزمن ظهر خلال الصيف سوق صرف موازٍ يُباع الدولار فيه أحيانا بقيمة تصل إلى 1800 ليرة، في حين لا يزال السعر الرسمي لليرة ثابتاً على 1507.
واتخذت المصارف اللبنانية إجراءات للحدّ من بيع الدولار وفرضت خلال الأسبوع الحالي قيوداً إضافية بعد توقف دام أسبوعين جراء الاحتجاجات الشعبية.
ولم يعد بإمكان المواطنين الحصول على الدولار وهي عملة معتمدة في التداول في لبنان، من الصراف الآلي، بينما يطلب منهم تسديد بعض مدفوعاتهم من قروض وفواتير بالدولار.
- هلع
تسبب كل ذلك بموجة هلع. وتدفق عدد كبير من اللبنانيين على المتاجر الغذائية خلال اليومين الماضيين، في وقت حذّرت فيه محطات الوقود من انتهاء مخزون البنزين لديها.
وأعلن نقيب المستشفيات أن مخزون الأدوية والمستلزمات الطبية الحالي يكفي شهراً واحداً فقط نتيجة الإجراءات المشددة التي اتخذتها المصارف اللبنانية للحدّ من بيع الدولار الضروري للشراء من المستوردين.
على الرغم من أن بعض الزبائن قالوا إنهم لا يشعرون بأي خوف ويشترون حاجياتهم بشكل طبيعي، أكدت غيرين سيف مسؤولة صالة المواد الغذائية في مؤسسة تجارية في محلّة فرن الشباك شرق العاصمة أن "الحركة أكثر من العادة وتشبه أيام الأعياد" من حيث الزحمة.
وتضيف: "هذا كله بسبب الخوف من انقطاع المواد الأساسية. يشتري الناس الخبز والطحين والسكر والحبوب والمعلبات والمستلزمات المنزلية مثل المحارم، ويستغنون عن كل ما يعدّ كماليات".
وتسبب الحراك الشعبي باستقالة الحكومة، لكن لم يبدأ رئيس الجمهورية ميشال عون باستشارات جديدة لبدء تشكيل حكومة جديدة. ومن الواضح أن الطبقة الحاكمة تسعى إلى إنقاذ مكتسباتها والاحتفاظ بمواقعها، بينما يتمسك المحتجون بالمطالبة بحكومة مستقلة. وبالتالي لا مؤشرات بعد على خطوات تؤدي الى حلول.
وحاول المسؤولون طمأنة مخاوف الناس. فقد عقد عون ومسؤولون ماليون ومصرفيون بينهم حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، اجتماعاً أعلنوا على أثره أن "لا داعي للهلع"، مؤكدين اتخاذهم تدابير لتيسير أمور المودعين المالية.
- "في صلب الأزمة"
إزاء البلبلة التي خلقها السوق الموازي، يخشى اللبنانيون ارتفاعاً حاداً في أسعار المواد الغذائية.
وتقول سناء إن "أسعار الفول والأرز والفاصولياء تضاعفت، والزحمة عليها بشكل أساسي".
ويوضح رئيس جمعية المستهلك غير الحكومية زهير برو أن التجار الكبار غير القادرين على الحصول على الدولارات من المصارف يبيعون بضائعهم للتجار الصغار بسعر الصرف الذي يناسبهم.
ويضيف برو أن "البلد في مرحلة فوضى بالأسعار"، مشيراً إلى أن الارتفاع طال "عديدا من المواد من البيض إلى اللحوم والأجبان والألبان، والخضار" بنسب مختلفة.
وقد وثّقت الجمعية، وفق شكاوى المواطنين التي تصل إليها، ارتفاعاً بنسبة 7% في أسعار اللحوم وأكثر من 25% في أسعار الخضار على سبيل المثال.
من خلف براد اللحوم في أحد المتاجر يقول الموظف فادي صليبي (39 عاماً) أثناء تقطيعه اللحم: "في الأيام الأخيرة، بتنا نعمل من الثامنة صباحاً حتى العاشرة مساءً" من دون توقف.
ويصطفّ كثر غالبيتهم من النساء في قسم الخضار والفاكهة. وتأتي إحداهنّ بأكياس مليئة لتضعها في عربتها الممتلئة. ولا تتيح الزحمة للعامل على الميزان التوقّف لحظة عن العمل.
وأمام صناديق الدفع، يقف المواطنون في طوابير طويلة.
وتخرج امرأة بعربتين مليئتين من المتجر وتفرّغ بمساعدة عامل أجنبي واحدة منها في صندوق سيارتها الذي تحول بذلك إلى مخزنٍ لعبوات المياه البلاستيكية قبل أن تنقل باقي الأغراض إلى مقاعد السيارة.
ويقول أنطوان ديراني (63 عاماً) الذي ملأ عربته بمواد غذائية: "نحن نعيش في صلب الأزمة"، مضيفاً: "نتموّن اليوم ليكون لدينا احتياطات في المنزل".
ويعود الرجل الذي غزا الشيب شعره بالذاكرة إلى سنوات الحرب الأهلية (1975 - 1990)، متمنياً ألا تعود تلك الأيام. ويقول: "أذكر تماماً كيف كنا نقف في الصفّ ونترجى البائعين للحصول على ربطة خبز فقط".