عالم السينما لم يشهد منذ بدايته حتى الآن مثل أسطورة الأفلام الصامتة تشارلي تشابلن الذي وُصف بأنه عبقري السينما الصامتة في العالم.
لم يشهد عالم السينما منذ بدايته حتى الآن مثل أسطورة الأفلام الصامتة تشارلي تشابلن الذي وُصف بأنه عبقري السينما الصامتة في العالم، لما تميزت به أعماله الكوميدية بالبصيرة، كما تمتع بمهنة ناجحة كممثل وكمخرج وككاتب، وأيضا كمؤلف موسيقي في عهد الأفلام الصامتة.
ولد الإنجليزي تشارلي سبنسر تشابلن، في ضاحية "والوورث" وهي الأكثر فقرا وبؤسا في لندن في 16 أبريل/نيسان 1889، لأب من أصل فرنسي يمتهن الغناء في "الميوزيك هول"، وأم مغنية وممثلة من أصل يهودي.
طفولته البائسة
وشبهت طفولة تشارلي تشابلن قصص الروائي الإنجليزي تشارلز ديكنز في رواياته العديدة؛ حيث عانى من انفصال والديه قبل أن يبلغ سن الثالثة من عمره، فعاش مع والدته في ظروف صعبة وفقيرة دفعته للعمل في سن صغيرة.
وبعد عدة سنوات وُضعت والدته في مصح للأمراض العقلية بشكل مؤقت، بعد أن فقدت عملها في المسرح نتيجة لإصابة أحبالها الصوتية، ولم يسعد تشارلي بخروجها إلا أنها عادت مرة أخرى بعد أن عانت من انهيار عصبي بسبب وفاة والده بسبب تليف الكبد، في فترة لم يتعد عمر تشارلي الصغير 13 عامًا.
وأرسلت السلطات تشارلي وأخيه إلى ملجأ للفقراء في "لامبث" لعدم وجود منزل يأويهما، إلى أن انتقلا بعد ذلك بعدة أسابيع إلى مدرسة "هانويل" للأطفال الأيتام والمعدمين.
بداية مشواره الفني
اعتلى تشارلي الذي ورث الموهبة الفنية من والديه، خشبة المسرح للمرة الأولى في سن الخامسة من عمره، مؤديًا في مسرح الموسيقى بدلًا عن والدته فور إصابة أحبالها الصوتية.
ولم يستمر تشابلن، في عمله كراقص نقري على المسرح في التاسعة من عمره بسبب إصابته بالربو، واتجه للعمل كبائع متجول ومساعد حلاق وغيرها من الأعمال للتمكن من مساعدة عائلته.
إلا أن الفرصة ساعدته في تأدية العديد من الأدوار المتفرقة في المسرح، قبل انتقاله إلى الولايات المتحدة برفقة أخيه في عمر 24، ليلتقي بأصحاب شركة "كيستوف" للإنتاج السينمائي، لينطلق مشوار نجوميته.
وشارك تشارلي في أول أفلامه بعنوان "لقمة عيش" إلا أن فيلمه الكوميدي الثاني "أطفال يتسابقون في فينيس" 1914 كان سببًا في شهرته، حيث قدم دور المتشرد ذا الأخلاق الحميدة، الذي ارتبط به طوال مشواره الفني، وأصبح إحدى الشخصيات الأسطورية في هوليوود وجميع أنحاء العالم.
وأشتهر دور المتشرد الذي قدمه تشارلي بقبعته الدائرية، وسرواله الواسع، وحذائه الكبير، وسترته الضيقة وعصاه الشهيرة بجانب ملامح وجهه الغريبة التي تختلف كل الاختلاف عن وجهه الطبيعي.
وبدأ تشارلي بالإخراج بسبب احتكاكه الدائم بالمخرجين، لرفضهم تعديلات تشابلن على عملهم، ولكن نجاح أعماله دفع سينيت صاحب استديوهات هاتكيستون للسماح له بإخراج فيلمه الأول عام 1914، الذي نال إعجاب الجميع كممثل ومخرج.
وبين عامي 1917 و1918، وقعت شركة ناشونال بيكتشرز أول عقد بمليون دولار في تاريخ هوليوود مع شارلي تشابلن، وانضم له شقيقه كمستشار مالي، ما دفع تشابلن لبناء استوديوهات خاصة به.
وشارك المخرج تشابلن في تأسيس شركة "الفنانين المتحدين" لتوزيع الأفلام عام 1919، لتصبح الخطوة الأولى في تاريخه كمنتج، حيث رأى أنها وسيلة جيدة لفرض سلطتهم على توزيع أفلامهم.
وفي عام 1921، نقل شابلن والدته من مستشفى الأمراض العقلية إلى منزل اشتراه لها في ولاية كاليفورنيا حتى وفاتها في عام 1928.
وعمد أسطورة السينما الصامتة إلى مناقشة القضايا الاجتماعية المختلفة ذات الطابع المأساوي ودمجها مع الكوميديا بطريقة عبقرية، مقدمًا أكثر من 80 فيلمًا خلال مسيرته الفنية.
ورغم ظهور اختراع الصوت في السينما عام 1927، إلا أن شابلن رفض الانصياع له واستمر في تقديم السينما الصامتة التي رأى فيها التعبير الحقيقي في الصورة للفن السينمائي بعكس مخرجين آخرين.
ومن أشهر أفلامه "ممسك العصا" عام 1914، و"مأزق مابل الغريب" 1914، و"المتخفي" 1914، و"البنك" 1915، و"المهاجر" 1917، و"الطفل" 1921، و"السيرك" 1928، و"أضواء المدينة" 1931، و"الدكتاتور العظيم" 1940.
اتهامات تلاحق شابلن
وترك أشهر ممثل بمدينة هوليوود الولايات المتحدة متجهًا إلى سويسرا بعد أن لاحقته المشكلات والاتهامات العديدة، منها:
عرض الولايات المتحدة على شابلن حمل الجنسية الأمريكية، وعندما سُئل عن سبب رفضه حمل الجنسية الأمريكية قال: "لأنني مواطن عالمي.. أنا رجل أنتمي إلى العالم كله".
كما سبب فيلم "الديكتاتور العظيم" عام 1940 الكثير من المشاكل لتشابلن، الذي جسد فيه شخصية أدولف هتلر النازية بطريقة كوميدية، واضعًا فيه رؤيته الخاصة عن الديكتاتورية والتسلط وحلم السيطرة على العالم.
وأدانت المخابرات الأمريكية تشارلي بتهمة الشيوعية، بسبب عبارة قالها خلال الحرب العالمية الثانية: "أن الانتصار في الحرب مرهون بالتعاون الكامل مع روسيا، وإيقاف الحرب ضد الشيوعيين".
وعزز فيلمه المثير للجدل "المسيو فيردو" عام 1947 التهمة عليه؛ حيث قام مكتب التحقيقات الفيدرالي عام 1948 بتحقيق مع شابلن الذي اعترف بأنه لا يعرف شيئاً عن الشيوعية، ولم يقرأ كتابات كارل ماركس، وأنكر أنه تبرع بطريقة مباشرة أو غير مباشرة للحزب الشيوعي في أمريكا.
زيجات شابلن الأربع
وتزوج تشارلي تشابلن 4 مرات، الأولى من نجمة السينما ميلدرد هاريس، حيث نقمه المجتمع الأمريكي نظرًا لعمرها الذي لم يتخطى 16 عاما، إلا أنها انتهت بالطلاق حيث علق شابلن قائلًا: "كان ما يغيظني حقا أشد الغيظ هو موافقتها المستمرة على كلامي، ثم القيام بالعكس تماما!!".
وقرر نجم السينما إعادة التجربة بالزواج من الممثلة ليليتا مكموراي، والتي دامت لعامين فقط أنجب خلالهما ولدين، فيما تعد أسوأ علاقة نسائية لتشارلي تشابلن على مدى حياته، حيث فقد جمهورا كبيرا خاصة في الولايات المتحدة، بعد طلب ليليتا الطلاق بتهمة أنه لا يتكفل بإطعام ولديهما.
وحصلت نجمة السينما بوليت جودارد على لقب الزوجة الثالثة لتشارلي، التي أحبها بشدة لمشاركتها لحظات جنونه ووحدته التي لم يكن يتحملها، لكن علاقتهما لم تدم، وقال تشابلن: "كنا أنا وبوليت زوجين منذ عام واحد، لكن الهوة استمرت تتسع بيننا، وكان جزء كبير من السبب يرجع إلى كوني أشعر بالقلق وأفتش عن الطريقة المناسبة للعمل".
وكانت جوان باري صاحبة أكبر فضيحة لتشاري تشابلن، حيث تقابلا في مايو/أيار 1941، ووقعت معه عقدا للعمل كممثلة، وبدأت علاقتهما حتى 1942، ولكن في العام التالي بعد أن أنهى تشابلن علاقته بها ليتزوج من "أونا أونيل"، رفعت عليه دعوى قضائية بأنه والد الطفل الذي تحمل به.
أما الزوجة الرابعة والأخيرة، كانت أونا أونيل ابنة الكاتب المسرحي الشهير "أوجين أونيل" الذي لم يوافق على هذا الزواج، لأنه كان يعتقد بأن ابنته سوف تلاقي نفس مصير زوجات تشابلن السابقات، خاصة أن أونا كانت في الـ18 من عمرها، بينما كان شابلن في الـ54 من عمره.
ولكن توقعات الأب أونيل لم تكن في محلها، لأن ابنته ظلت زوجة للرجل الساخر مدى الحياة، بعد أن أنجبت له 8 أطفال، حيث ردد تشارلي "إنه لأمر رائع أن يكون لك أولاد، إنهم يردونك إلى الشباب"!
الجوائز والأوسمة
توج تشارلي تشابلن بعدة جوائز أهمها جائزة الأوسكار عام 1972، وجائزة "الشريط الأزرق" 1953، وجائزة الفيلم الاجتماعي لمركز لنكولن 1972، وجائزة رابطة نقاد الأفلام بنيويورك 1940، وجائزة مهرجان البندقية بإيطاليا 1972.
كما توج عام 1972 بوصفه أحد نجوم "ممشى المشاهير" في هوليوود، وحصل على المرتبة العاشرة في قائمة معهد الفيلم الأمريكي لأفضل 100 ممثل خلال 100 عام.
وتم اختيار تشارلي تشابلن ليكون أول ممثل يتوج كشخصية السنة على غلاف مجلة التايم الأمريكية الشهيرة.
وتوفي تشابلن 24 ديسمبر/كانون أول 1977 عن عمر يناهز 88 عامًا، بمدينة فيفي في سويسرا، مانحًا العالم تاريخا من الضحكات والسعادة من خلال أكثر من 80 فيلمًا، وحضر تشييعه أكثر من 20 رئيس دولة كجنازة رسمية، وأكثر من 30 مليون شخص.
ولم تتوقف حكاية تشابلن لدى وفاته، ففي العام نفسه سُرقتْ جثته في أحد أعياد الميلاد كمحاولة للحصول على فدية من عائلته، إلا أن الشرطة تمكنت من القبض على المجرمين واسترجاع جثمانه بعد 11 أسبوعا من البحث، وحُفظت الجثة على بعد 6 أقدام تحت طبقة خرسانية.