تأثير الصين المحتمل على الانتخابات الأمريكية 2020 سيكون أكثر فاعلية من الدور الروسي أو الأوروبي في ظل استمرار أو تصاعد الحرب التجارية.
تأثير الصين المحتمل على الانتخابات الأمريكية 2020 سيكون أكثر فاعلية من الدور الروسي أو الأوروبي في ظل استمرار أو تصاعد الحرب التجارية بين البلدين، فبكين ستستخدم قدراتها الاستخباراتية وأدواتها الأخرى الاستراتيجية للتأثير على الناخب الأمريكي للتخلص من الرئيس الذي أشعل معها حربا تجارية أضرت بمصالحها التجارية وفرض عليها إجراءات عقابية أدت إلى تباطؤ نمو الاقتصاد الصيني، وإدراكا لخطر التهديد الصيني، سعى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في الآونة الأخيرة إلى تهدئة الأمور، وطمأن بكين بل وسعى لإبرام اتفاق تجاري، لكن هل تستجيب الصين وتقدم تنازلات معينة لترامب؟ لا أعتقد ذلك فالثقة شبه معدومة.
لو تصاعدت الحرب التجارية واتجه الرئيس الأمريكي فعلا لفرض رسوم جمركية مرتفعة على جميع الصادرات الصينية لبلاده، فهذا سيشمل جميع سلع الاستهلاك الجماهيري كالملابس والأحذية ولعب الأطفال والمفروشات والأثاث وغيرها، ما سيرفع معدل التضخم وربما يثير خنق المستهلك الأمريكي ويؤثر على موقفه التصويتي ضد ترامب
ولنفترض أن الرئيس الأمريكي، بسيناريو معين، وقّع اتفاقا به تنازلات أمريكية واضحة للصين لا شك سوف يستغل من قبل خصومه الديمقراطيين لإظهاره بمظهر الضعيف أمام الناخب الأمريكي، أما إذا حصل على تنازلات كبيرة أفضل من الوضع الحالي -وهو ما يسعى إليه الآن لكنه غير متوقع- فسوف يعزز ذلك من برنامجه الانتخابي خاصة إذا كانت تلك التنازلات الصينية ستصب في مصلحة المزارع الأمريكي والمواطن البسيط في الولايات الجنوبية الذي صوت لترامب في الدورة الأولى ضد هيلاري كلينتون والآن هو الأكثر تضررا من الحرب التجارية الأمريكية.
لذلك حث ترامب الصين على التوصل معه لاتفاق تجاري الآن، وألا تغامر بالانتظار لمرحلة ما بعد 2020، مشيراً إلى أنه "من الحكمة أن تتحرك الصين الآن لإنهاء صفقة تجارية مع الولايات المتحدة؛ لأنني سأعرض عليهم شروطا أسوء بكثير من تلك المعروضة عليهم الآن بعد إعادة انتخابي في 2020". ويعكس خطاب ترامب إدراكا منه لخطر ما أقدم عليه من حرب تجارية معها وتأثيرها على إعادة انتخابه؛ إذ على الأقل ستصوت ضده كل الولايات الأمريكية الجنوبية الزراعية المتضررة من هذه الحرب التجارية، والجدير بالذكر أن الصين هي رابع أكبر مستورد للسلع الزراعية الأمريكية.
وقد عادت من جديد المخاوف، من تصاعد حرب التجارة بين البلدين مع العودة لزيادة الرسوم الجمركية الأمريكية إلى 25% بدلا من 10% على سلع صينية تبلغ قيمتها 200 مليار دولار، ورد الصين بإعلانها رسوماً أعلى على واردات أمريكية معظمها زراعية تبلغ قيمتها 60 مليار دولار بدءا من أول يونيو 2019، وأول الدلائل على عودة المخاوف هو ما نشرته وكالات الأنباء من اشتداد المعارضة لسياسات "ترامب" التجارية داخل مجلسي الشيوخ والنواب الأمريكيين" إثر زيادة الرسوم من جانب الصين، ولهذا طلب نائب الرئيس "مايك بنس" من الجميع الاصطفاف خلف البيت الأبيض وعدم مُعارضته من أجل المصلحة العامة طويلة الأمد، كما صرح الرئيس ترامب بأنه -لامتصاص غضب المزارعين في الجنوب- يخطط لتقديم نحو 15 مليار دولار من المساعدات للمزارعين الأمريكيين الذين قد تكون منتجاتهم مستهدفة بالتعريفات الجمركية الصينية في إطار الحرب التجارية معها.
وربما يكون أفضل تلخيص للموقف هو ما صرح به "ديفيد بيتريوس" مدير وكالة المخابرات المركزية الأمريكية السابق لشبكة سي إن إن، حيث ذكر أن الميزة التفاوضية الأمريكية على الصين في المحادثات التجارية لن تدوم إلى الأبد، حيث تتمتع الولايات المتحدة بنفوذ هائل في الأمد القصير بسبب حاجة الاقتصاد الصيني لتصريف منتجاته في السوق الأمريكية، لكن مع اقتراب الانتخابات الأمريكية سيكون الرئيس أمام ضغط هائل إذا أسفرت الحرب التجارية عن تباطؤ النمو وارتفاع معدلات البطالة، الأمر الذي سيجعله يقدم تنازلات للخروج من هذا المأزق في سبيل إعادة انتخابه.
أضف إلى هذا أنه لو تصاعدت الحرب التجارية واتجه الرئيس الأمريكي فعلا لفرض رسوم جمركية مرتفعة على جميع الصادرات الصينية لبلاده، فهذا سيشمل جميع سلع الاستهلاك الجماهيري كالملابس والأحذية ولعب الأطفال والمفروشات والأثاث وغيرها، ما سيرفع معدل التضخم وربما يثير خنق المستهلك الأمريكي ويؤثر على موقفه التصويتي ضد ترامب، ناهيك عن أن ارتفاع معدل التضخم قد يحرم الرئيس من موافقة الاحتياطي الفيدرالي على خفض سعر الفائدة لتنشيط الاقتصاد كما يأمل، فوفقا للهدف الرئيسي لنظام الاحتياطي الفيدرالي يرتبط سعر الفائدة بشكل واضح ليس فقط بالأداء الاقتصادي ولكن أيضا، وهو ربما الأكثر أهمية بمعدل التضخم، فارتفاع معدل التضخم إن لم يدفع نحو رفع سعر الفائدة، فهو على الأقل سيجعل "المركزي" يحجم عن تخفيضه.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة