بالرجوع إلى تصريحات المسؤولين الإيرانيين في فترة بسيطة ماضية سنجد أنهم هددوا بهذه النوعية من العمليات في حال تم تطبيق العقوبات عليهم.
معروف للجميع أن الإدمان حالة مرضية يصاب بها إنسان نتيجة تناوله شيئا معينا تصل به إلى درجة من الصعب التخلي عنه أو التخلص منه إن لم يكن من المستحيل.. وعلاج هذا الإدمان إذا وضعناه في خانة المرض أو العلة يتطلب أشياء معينة بجانب متخصصين في علاجه، بل إن اقتناع المدمن بأنه بحاجة إلى علاج أمر في غاية الأهمية وبالتالي أن يقبله بنفس رحبة، وهذا بلا شك يفترض وجود إرادة حديدية. لكن في الحقيقة أنه حتى في هذا الأمر يكون التشكيك موجودا.
بالرجوع إلى تصريحات المسؤولين الإيرانيين في فترة بسيطة ماضية سنجد أنهم هددوا بهذه النوعية من العمليات في حال تم تطبيق العقوبات الاقتصادية عليهم، إضافة إلى أن هذه نوعية من الهجمات كانت تحدث أيام حربها مع النظام العراقي في الثمانينيات.
يذكرنا مثل هذا المرض أو الإدمان بما يفعله النظام الإيراني حالياً مع المساعي الدبلوماسية الإقليمية والدولية من قبل ألمانيا واليابان، ففي الوقت الذي يسعون فيه لإيجاد مخرج للمأزق السياسي الحرج -الذي وضع نفسه فيه مع المجتمع الدولي حتى أصبح ليس لديه من الأصدقاء المخلصين إلا عدد محدود- فإن حادثتي مطار أبها السعودي والاعتداء على ناقلات النفط العالمية آخرها يوم الأربعاء الماضي أحرجت جميع المساعي، لاسيما وأن بعض الدول تتخصص بالفعل في الوساطات ما بين الدول على وجه العموم، وما بين الولايات المتحدة وإيران على وجه الخصوص.
الشيء الواضح والذي لا يحتاج إلى جهد لمعرفته أن البعض في النظام الإيراني -وليس كل الإيرانيين- أدمنوا سياسة خسارة الأصدقاء، بل يمكننا القول إنه يزعجهم وجود من يسعون لمنع الأزمات والتفكير بتهدئة المنطقة ومنع حصول حرب، إلى درجة أنه يصيبهم حالة من القلق أن تتسع دائرة الأصدقاء الذين يقربون وجهات النظر ويسعون لإيجاد حل للأزمات، التي هي المخرج المناسب لاستمرارية شرعيتهم في السلطة ومهرب جيد من الالتزام بالقواعد الدولية في الاستقرار العالمي، فلم يعد لديهم وقت للحديث مع الأصدقاء وجهودهم في التهدئة لأنهم سيتسببون في انهيار مشاريعهم السياسية، كما انهارت مع من كانوا يخدعون شعوبهم بالشعارات السياسية التي فضحها ما كان يسمى بـ"الربيع العربي".
قد يكون صحيحا أن إيران تتشارك مع باقي دول العالم في الحديث الدبلوماسي بأنها لا تريد حرباً في المنطقة وأنها نفت أي علاقة لها بالاعتداءات التي تمت في بحر عمان في المرتين كما شاركت في عمليات الإنقاذ، ولكن بالرجوع إلى تصريحات المسؤولين الإيرانيين في فترة بسيطة ماضية سنجد أنهم هددوا بهذه النوعية من العمليات في حال تم تطبيق العقوبات الاقتصادية عليهم، إضافة إلى أن هذه نوعية من الهجمات كانت تحدث أيام حربها مع النظام العراقي في الثمانينيات.
أما مسألة تجاهل النظام الإيراني للمساعي الدولية للتهدئة فهو مثال على ما حدث للعديد من دول العالم بما فيها دول الاتحاد الأوروبي التي تراجعت عن دعمها له بعدما تأكدت أنه لا يرغب في أن يكون دولة طبيعية، والشيء الذي ينبغي أن يدركه من يحاولون إنقاذه أن الأمر لن ينتهي عند هذا الحد، بل إنه معرض للتكرار طالما استمر هذا النظام ولم يقم العقلاء فيه بتعديل سلوكه وفعل ما يعيد هذه الدولة وشعبها الحضاري إلى المجتمع الدولي.
من الأفضل للنظام الإيراني عدم "التذاكي" على باقي دول العالم بأن ليس لديه يد فيما يحدث في المنطقة من عمليات تخريبية وأنه يقوم بفعله ليس إلا أنه يتفنن في ممارسة سياسة خسارة كل من يفكر أن يتعاطف معه أو يساعده على الخروج من المأزق الذي فيه. كما أن محاولة إيهام الإنسان العربي بأن صاحب المصلحة في الاعتداء على الناقلات، قد تكون إسرائيل، فإن الشيء الذي ينبغي أن تدركه أن الرأي العام العربي على وعي بأن إسرائيل لو أتيحت لها الفرصة لن تتخفى في الإعلان عن دورها في هذه العملية لأنها تسعى لحرب شاملة ضد إيران ولا تحتاج إلى أن ترسل مليشيات إيرانية لفعل ذلك.
يوحي لنا النظام الإيراني بتفصيل نظرية جديدة في العلاقات الدولية تكون خاصة به حول: إدمان خسارة الأصدقاء باعتبارها أفضل وسيلة لاستمرار الأنظمة غير القادرة على تحقيق احتياجات شعبها.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة