تقول الحكومة البريطانية إنها بصدد مراجعة سياساتها تجاه الصين، وهذا يعني أن النهج الذي أقرته لندن مطلع العام الجاري، في عهد رئيس الوزراء الأسبق بوريس جونسون، ربما يتغير.
رئيس الحكومة الحالية ريشي سوناك يمارس الحذر والتعقل في جميع خطواته خشية النقمة الداخلية خاصة بين صفوف "المحافظين"، ولكن تصريحاته توحي بأنه بات يميل نحو تجاوز مبدأ التفريق بين الصين "المفيدة" اقتصاديا و"الخطرة" أمنيا وعسكريا، الذي وضعته حكومة جونسون.
يطمح سوناك من خلال إجراء المراجعة الحكومية الثانية إزاء العلاقة مع الصين، إلى إرضاء المعارضين لها بين نواب مجلس العموم، وخاصة في الحزب الحاكم. ولكن هل نتائج هذه المراجعة ستلبي طموحات هؤلاء؟ وهل الظروف الدولية مشجعة على معاداة بكين؟
ثمة سبعة من نواب ومسؤولي حزب المحافظين في بريطانيا فرضت عليهم عقوبات صينية، لأنهم يقودون جبهة الخصومة مع بكين. هم يرفضون أي شكل من أشكال التطبيع معها، ويحذرون من خطر التنين الصيني على النفوذ الغربي وعلى أمن وسلامة الممكلة المتحدة.
لم يوفق سوناك بالاجتماع مع الرئيس الصيني على هامش قمة مجموعة العشرين في إندونيسيا. البيانات الرسمية تقول إن تضارب مواعيد الزعيمين، هو ما أضاع فرصة أول لقاء على هذا المستوى بين البلدين منذ عام 2018، عندما زارت رئيسة وزراء بريطانيا حينها تيريزا ماي الصين والتقت برئيسها.
متحدث باسم المنزل رقم عشرة في لندن (مقر الحكومة)، قال إن سوناك كان سيبدأ حديثه مع شي جين بينج بمسألة العقوبات الصينية على النواب البريطانيين. لا يبدو ذلك سببا كافيا لإلغاء اجتماع الزعيمين، ولكن كثيرا من التباينات التي ظهرت مؤخرا بين البلدين، يمكن أن تضاف إليه لتجعل تضارب المواعيد حجة مرضية.
تصريحات رئيس الحكومة البريطانية قبيل قمة بالي، بأن بلاده مستعدة لتزويد تايوان بالأسلحة للدفاع عن نفسها أمام التهديد الصيني، كانت ستكون كافية لإفساد أي فرص للتفاهم في اللقاء لو وقع أصلا.
قبل أيام من قمة بالي أيضا، زار وزير الدولة البريطاني للسياسة التجارية تايوان لتعزيز العلاقات التجارية والتبادل الاقتصادي معها. وقبلها أعلنت لندن امتعاضها من استقطاب بكين للطيارين البريطانيين من أجل تدريب قواتها الجوية. وتعهدت وزارة الدفاع في المملكة المتحدة أن توقف هذا "التعاون" مع الصين وتبقيه ممكنا مع دول أخرى، من خلال قانون جديد للأمن القومي.
بشكل أو بأخر، صب تأجيل اللقاء بين الزعيمين على هامش قمة العشرين، في صالح رئيس الوزراء البريطاني الذي لم يحسم بعد محددات وتجليات علاقة بلاده المستقبلية مع بكين.
الجميع يعلم أن بريطانيا تحتاج إلى مجاراة الحليف الأمريكي في الخصومة مع الصين، ولكن دعم تايوان بالسلاح أو التصعيد ضد بكين إلى حدود القطيعة، لن يكون في صالح لندن، ولن يجد سوناك تأييدا كاملا إزاءه، سواء من حزبه أو البرلمان بشكل عام.
هناك فارق بين الخصومة مع بكين ومعاداة موسكو. فالبريطانيون يوافقون حكومتهم على ضرورة ردع "الخطر" الذي يشكله الروس في القارة الأوروبية. بالنسبة لهم الأحلام الروسية قد تجلب الحرب إلى عقر دارهم، ولكن "الأطماع" الصينية يمكن مواجهتها بطرق سلمية، اقتصادية وسياسية، دون الانخراط في حرب مع الصينيين.
العلاقات التجارية قد تصعب على لندن معاداة بكين أيضا. وخاصة في ظل أزمات الطاقة والتضخم، وقبلها "بريكست". فالمملكة المتحدة وجهة جذابة جدا للاستثمارات الصينية، والتبادل التجاري بين البلدين بقي في تزايد مستمر خلال السنوات الماضية حتى تجاوز 93 مليار جنيه إسترليني عام 2021.
دوليا، إن كان ثمة حاجة لإجماع غربي حول الخصومة مع بكين، فإن مواقف الاتحاد الأوروبي الودودة تجاه الصين لا تشجع على فتح هذه الجبهة.
يمكن القول إن دول الاتحاد قد اتعظت من الدرس الروسي، وعرفت أن "المضي الأعمى" وراء المشيئة الأمريكية والبريطانية في الحروب، أمر مكلف جدا.
في الواقع، تبدلت اللغة البريطانية من المرونة إلى الخصومة مع الصين مع رئيسة الحكومة السابقة ليز تراس، ولكن الوقت لم يسعفها للتمادي كثيرا، وكان عمر حكومتها أقصر من كل الخطط الداخلية أوالخارجية. أما سوناك فهو يراهن على قيادة المحافظين في انتخابات 2024، ورسم علاقات المملكة المتحدة مع العالم هو من مهام قائد الحزب الحاكم.
المراجعة البريطانية للعلاقة مع الصين قد تنجز هذا العام، ولكن دون تغير جذري في نهج حكومة جونسون التي كان سوناك وزير خزانة فيها. ثمة خطوط حمر تريد لندن رسمها مع بكين برغبة من واشنطن، ولكنها لن تكون ثخينة إلى حدود القطيعة، ولا حادة إلى مستوى إشعال الجبهة بين بكين وتايبيه. لن يحتمل سوناك والمحافظون ارتدادات حرب جديدة على البلاد، ولن يجدوا من يصدق بأن إشعال آسيا ضرورة للأمن القومي البريطاني.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة