زيارة الشيخ محمد بن زايد آل نهيان إلى بكين أتاحت للشركات الإماراتية والصينية زيادة الاستثمارات المشتركة العابرة للحدود بشكل كبير.
يصعب علينا حصر ما نتج عن "زيارة الدولة" التي قام بها صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، لجمهورية الصين الشعبية، لتشعّب دوافعها ومحاورها ومخرجاتها، ولكن لنا أن تلمّس ملامح تلك النتائج من تصريحاته، ومن بين سطور البيان الختامي للزيارة التي استمرت من 21 حتى 23 يوليو 2019.
لقد تجلى انسجام الرؤى بين القيادتين في مشهد اجتماع صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان بفخامة الرئيس الصيني شي جين بينغ، حينما وقعا اتفاقا ربط جملة من الأهداف المشتركة، وتضمن التزاماً بالتنمية وتحقيق الازدهار والاستقرار
من بين نصوص البيان أن كلا البلدين سيعمل على زيادة حجم التجارة الثنائية إلى 200 مليار دولار سنوياً بحلول عام 2030، وبذلك يستهدف البلدان الوصول إلى أكثر من ثلاثة أضعاف الحجم الحالي للتبادل التجاري، الذي يقدر حجمه الآن بنحو 60 مليار دولار أمريكي سنويا، ما يوضح حجم الخطط والطموحات الكبيرة عند حكومتي البلدين، ويبرهن على أن البلدين ذهبا بعيداً بآفاق هذه العلاقة.
وعملياً، تقدمنا مع الصين خطوات مهمة إلى الأمام، تمثلت بتوقيع 16 اتفاقية ومذكرة تفاهم، اشتملت على تعزيز التعاون في عدد كبير من المجالات كالاقتصاد والتجارة والاستثمار والتكنولوجيا والذكاء الاصطناعي والثقافة والتعليم وحماية البيئة وتحقيق الأمن الغذائي.
مما يعتبر تكملة لما حققته زيارة الرئيس الصيني شي جين بينغ التاريخية إلى الإمارات العربية المتحدة في العام الماضي، والتي أسفرت عن توقيع 14 مذكرة تفاهم تحت مظلة الشراكة الاستراتيجية الشاملة.
ومن ناحية أخرى، أتاحت الزيارة للشركات الإماراتية والصينية زيادة الاستثمارات المشتركة العابرة للحدود بشكل كبير، حيث تعمل جنبا إلى جنب في تبادل التكنولوجيا وتوحيد رؤوس الأموال وتتضافر جهودها للوصول إلى مختلف الأسواق محلياً وعالمياً، ويتضح ذلك من خلال اتفاقية "تشاينا إيفربرايت جروب" التي تعتزم إنشاء مركزها المالي والاستثماري الأكبر في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا متخذةً من سوق أبوظبي العالمي مقراً لها.
لقد تجلّى انسجام الرؤى بين القيادتين في مشهد اجتماع صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان "رعاه الله" بفخامة الرئيس الصيني شي جين بينغ، حينما وقعا اتفاقا ربط جملة من الأهداف المشتركة، وتضمن التزاماً بالتنمية وتحقيق الازدهار والاستقرار مصحوباً بحزمة من الرؤى المشتركة كالاتفاق على الالتزام بمبادئ المصلحة المتبادلة والمساواة والتفاهم.
كما برز المنتدى الاقتصادي الإماراتي-الصيني كأحد مخرجات الزيارة، حيث تم خلاله توقيع 19 اتفاقية ومذكرة تفاهم من قبل مجموعة واسعة من القطاعات بين العديد من الشركات الإماراتية والصينية، كما أظهر المنتدى مستوى التطور الذي تحقق في العلاقات الإماراتية-الصينية، وتضمن استكشافاً لفرص العمل المشترك والاستثمار جرى مع وفد وزاري رفيع المستوى وقادة أعمال من كلا الدولتين، وتعتبر هذه الإنجازات نتائج طبيعية لعقود من العمل والجهود المشتركة التي بدأت منذ الزيارة الأولى للأب المؤسس الشيخ زايد "طيّب الله ثراه" في عام 1990، الذي يعد أول زعيم عربي من دول مجلس التعاون الخليجي يزور جمهورية الصين الشعبية.
ومن المصادفات المهمة التي تخللت هذه الزيارة، مناسبة مرور 35 عاماً على بدء العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، ما استوجب حفلاً يليق بحضور سموّه الرفيع ونائب الرئيس الصيني وانغ تشيشان الذي كان يرافقه، بالإضافة إلى موظفي البعثة الدبلوماسية والعديد من كبار الشخصيات والوزراء وأصحاب الشركات وكبار المستثمرين، وقد شهد الحفل إبرام المزيد من الاتفاقيات ومذكرات التفاهم التي تم تحقيقها على هامشه، دشنها عدد من الشركات الإماراتية والصينية، حيث اختتمت الزيارة المثمرة بخمس اتفاقيات إضافية.
كما توّج الاحتفال باستعراض سموه لمجسّم المبنى الجديد لسفارة دولة الإمارات العربية المتحدة في بكين، والذي تم تصميمه بشكل مبتكر يعبر عن التمازج الحضاري والثقافي بين البلدين الصديقين، ويعكس الرؤى المستقبلية لمسار هذه العلاقات، كما سيكون مبنى السفارة الجديد معلماً حضارياً من المعالم البارزة في العاصمة الصينية بكين، ما يرمز إلى المكانة العالية لدولة الإمارات العربية المتحدة لدى القيادة والشعب الصيني.
لقد تجلّت الآفاق المستقبلية للعلاقات الإماراتية-الصينية بارزة في تصريحات صاحب السمو، التي أكد فيها أن الجانبين رسما خارطة طريق المستقبل بأدق تفاصيها حتى المائة عام القادمة، بدءا بتعليم اللغة الصينية في أكثر من 200 مدرسة في الإمارات العربية المتحدة، التي جسّدتها مذكرة التفاهم المبرمة بين وزارة التعليم الإماراتية ومعهد كونفوشيوس الصيني، والتي ستوفر تعليم اللغة الصينية على أعلى مستويات الجودة في مدارس الإمارات، ما سيسهل التواصل والتفاهم بين المجتمعين والثقافتين في المستقبل ويشكل أرضية مشتركة لتعاون الأجيال القادمة.
وقد لخّص صاحب السمو مخرجات زيارته بتصريح تاريخي أعاد ربط الحضارتين برؤية تخطت كل الاعتبارات والحدود، وعبرّت عن فكره المتقد بآفاقه الواسعة، حيث قال: "الحقيقة أن علاقاتنا ليست منذ 35 عاماً، بل بدأت مع أجدادنا العرب، وتاريخنا يمتد إلى آلاف السنين.. أملنا في الشباب، لأنهم مستقبل العلاقة وثروتها الحقيقية".
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة