يؤلم المرء أن يدفع الشعب الإيراني وقد سئم ديكتاتورية الملالي، الثمن الباهظ.
ليس لإيران دالة على السلم أو الهدوء، إنها تعيش أبدا ودوما ضمن دائرة تصدير المشكلات إلى الخارج، لعل الأمر ينجح أو يفلح في تخفيف الكارثة المحدقة بها، لا سيما من جراء العقوبات الاقتصادية المتهاوية على رأسها.
يؤلم المرء أن يدفع الشعب الإيراني وقد سئم ديكتاتورية الملالي، الثمن الباهظ، وحاله الآن بين مطرقة السلطات الداخلية المستبدة من جهة، وسندان الضغوطات والعقوبات الخارجية من ناحية أخرى.
ليس أمام الملالي سوى تصدير الإرهاب إلى الخارج، سواء كان ذلك الخارج الإقليمي القريب، في مياه الخليج وبحر عمان والبحر الأحمر وما حولها، أو الخارج الدولي، حيث أيادي حرسها الثوري الإرهابي ملوثة بالدماء وجاهزة لما هو أسوأ.
هل يعني ذلك أن بريطانيا، الخبيرة في شؤون الشرق الأوسط عامة والخليج العربي خاصة، أضحت خالية اليدين في مواجهة البلطجة الإيرانية، تلك التي تجري أمام عيون العالم في وضح النهار جهرا، وفيما تدبر أصابعها الخفية ما هو سيئ وأكثر ذيوعا وشيوعا لخوف الآمنين سرا؟
في مشهد تمثيلي يليق بشاشات هوليوود، بأكثر مما يحتمل أن تقوم به دولة تحترم القوانين الدولية، وفكر الدولة الويستفالية، شهد العالم هبوط مغاوير إيران الوهميين على سفينة تجارية بريطانية، ليس عليها سوى بضعة بحارة من المدنيين، لا علاقة لهم بأعمال العسكرة، مشهد يمكن وصفه بالرخيص للغاية، والهدف منه محاولة إظهار قوة وهمية في عيون الشعب الإيراني الذي خرج إلى الشوارع، بعد أن كفر بكل الشعارات الثورية.
وماذا بعد أن قرصنت إيران القطع التجارية البريطانية، هل سيدفع ذلك البريطانيين لأن يخلوا سبيل السفينة الإيرانية المحتجزة في جبل طارق؟
الشاهد أن اللغة التي تمارسها إيران أخطر من ذلك بكثير، إنها تسعى لاستدراج ظاهر وخفي للقوى الدولية إلى حرب، تفرض هي معالمها وملامحها، مكانها وزمانها، وقد جربت ذلك مع الجانب الأمريكي حين استهدفت الطائرة المسيرة المتميزة في نوعها، الأمر الذي تنبه له الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.
ما يتطلع إليه الملالي في الحال معركة عسكرية، ليس شرطا أن تكون موسعة أو نهائية؛ فهم لا يتطلعون إلى موقعة هرمجدونية إن جاز لنا استعارة لغة اليمين الأمريكي المحافظ، بل جل غرضهم مشهد عسكري سريع، يحاولون من خلاله تسخين الجبهة الإيرانية الداخلية التي أصيبت بالإحباط والخجل والوجل من جراء مغامرات إيرانية خارجية فاشلة.
وكما الحال مع الأمريكيين، هكذا أدرك البريطانيون ما ورائيات المشهد الإيراني، ومن هنا يفهم المرء عدم التصعيد العسكري البريطاني المباشر، وتغليب اللغة الدبلوماسية، وإن كانت حازمة وحاسمة في الوقت عينه.
لكن هل يعني ذلك أن بريطانيا، الخبيرة في شؤون الشرق الأوسط عامة والخليج العربي خاصة، أضحت خالية اليدين في مواجهة البلطجة الإيرانية، تلك التي تجري أمام عيون العالم في وضح النهار جهرا، وفيما تدبر أصابعها الخفية ما هو سيئ وأكثر ذيوعا وشيوعا لخوف الآمنين سرا؟
الجواب ربما يتبدى من خلال الإشارة إلى لجنة الطوارئ وإدارة الأزمات البريطانية التي انعقدت في لندن بعد قرصنة السفن البريطانية، والتي تعرف باسم " كوبرا"، ومن اسمها ودلالات الاسم، يمكن للمحلل السياسي القريب الصلة بتاريخ بريطانيا أن يدرك ما الذي تعنيه، بما تضم من رجالات استخبارات، وخبراء في الجغرافيا الإيرانية، والعنصر الأهم ديموغرافيا إيران، وتركيباتها السكانية، وجميع ما لديها من تراكمات معلوماتية، في زمن أضحت فيه الأخيرة هي القيمة الكبرى والأهم.
تعيش إيران حالة من الوهم الأيديولوجي والدوجمائي معا، وتظن أن العالم برمته يمكن خداعه مرة واحدة كل الوقت، وإن قدر لها أن تخدعه بعض الوقت.
حاول الأوروبيون كثيرا وطويلا التعاطي مع إيران، وإن غضب العم سام من هذا التعاطي، وجادت قريحتهم بفكرة الآلية المالية من أجل تخفيف وقع العقوبات الأمريكية، غير أن إيران لم تبدِ تجاه بروكسيل سوى الصد والمزيد من التنكر لأي محاولات إيجابية لإنقاذهم.
ما تدبره إيران بليل بهيم تجاه بريطانيا يتجاوز إشكالية المرور في مضيق هرمز، أو خطف بضع البضائع التجارية، وإن أثر ذلك تأثيرا سلبيا بلا شك على الاقتصاد البريطاني خاصة والأوروبي عامة.
في الوقت الذي تمت فيه كتابة هذا المقال، كانت الأجهزة الاستخباراتية البريطانية الداخلية والخارجية على حد سواء، تحذر من نشاط الخلايا الإيرانية النائمة في الداخل البريطاني، تلك القادرة على إحداث الأضرار البالغة بحياة البريطانيين في حال تصاعد الصراع للمواجهة العسكرية، وهو ما أكدت عليه صحيفة تليجراف البريطانية، في الوقت الذي شدد كبار ضباط المخابرات البريطانية على أن إيران تقع في المرتبة الثالثة بعد روسيا والصين في قائمة الدول ذات النوايا السيئة ضدها.
حين يصل بوريس جونسون إلى قمة وزارة صاحبة الجلالة، بميوله القريبة وشديدة الشبه من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب؛ فالأمر يعني أن درجة ما من التعاون العسكري المكثف تجري في الخفاء بين الجانبين.
لن تسمح واشنطن ولندن لطهران بأن تعيد إيران سيرة ألمانيا في النصف الأول من القرن العشرين.. التدبير والتفكير جاريان على قدم وساق.. وعلى آيات الله توقع الأسوأ الذي لم يأتِ بعد.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة